المياه المحلاة إلى البحر بدلا عن بطون الناس

علي المزيد

TT

جمعني لقاء مع متخصصين في شؤون الزراعة والمياه، وكان ذلك على هامش المعرض الزراعي الثلاثين المنعقد في العاصمة السعودية الرياض قبل عدة أسابيع. ومن الطبيعي أن يتركز الحديث عن الزراعة والمياه. وتطرقنا في الحديث إلى معادلة الأمن المائي في عالم عربي يعيش تحت خط الفقر المائي حتى تلك البلدان التي تقع على الأنهر، والأمن الغذائي، وتعرفون أن طرفي المعادلة متناقضان يصعب التوفيق بينهما بسهولة. أثناء الحديث فاجأني أحد المختصين بقوله في بعض محطات تحلية المياه المالحة السعودية يعاد نصف الماء المحلاة للبحر مرة أخرى نتيجة عدم وجود ناقل، ونقصد بالناقل هنا أنبوبا ينقل المياه من المصدر للمستهلك.

لم أتحمل الصدمة وسألت المختص بصوت مرتفع: لماذا؟ لعدم وجود مخصص مالي لعمل أنبوب ناقل للمياه؟ أجاب: لا أعرف سببا محددا. لذلك، استغربت جدا وسألت نفسي: هل أخفى المتخصصون ذلك عن الوزير؟ أم أن الوزير لم يجد الوقت لرفع هذا الأمر لمن هو أعلى منه؟ لإيجاد مخصص مالي لعمل أنبوب ناقل! أم أن البحر أقرب للمياه من بطون البشر! خاصة بعد أن ظهر في الإحصائية أو التقرير السنوي أننا حلينا ملايين اللترات من المياه، أما بعد أن سجلت في الإحصائية فلا يهم أين تذهب؟! كانت الجلسة تضم مستشارا زراعيا، فلما رأى استغرابي أراد أن يجهز علي، فضحك وقال بمرارة: «لا تندهش، مياه الصرف في جدة تعالج معالجة ثلاثية ويعني ذلك صلاحيتها للشرب. وقد تكفل رجال أعمال وشركات زراعية بإيصالها لوادي فاطمة في منطقة مكة وهي منطقة زراعية لاستخدام المياه في الزراعة لا سيما الخضراوات (والوادي يطلق عليه سلة مكة الغذائية)، لكن المياه عمل لها أنبوب ناقل ليودعها البحر بدلا من وادي فاطمة الذي يمد مكة بالخضراوات. لم أتحمل الصدمة، فرغم الفقر المائي نهدر المياه برعونة فائقة».