رسالة من الاتحاد الأوروبي لقمة الـ20 ودول أعضاء تنتظر منها المساهمة في حل أزمة منطقة اليورو

وسائل إعلام أوروبية تشكك وتنتقد طلب المساعدة من الصين لتخطي أزمة الديون

جانب من مقر البنك المركزي الأوروبي بمدينة فرانكفورت الألمانية («الشرق الأوسط»)
TT

عشية انعقاد قمة مجموعة العشرين، المقررة يومي الـ3 والـ4 من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) في مدينة كان الفرنسية، وجّه التكتل الأوروبي الموحد رسالة إلى القمة تتضمن تلخيصا وشرحا الاستجابة الأوروبية للأزمة التي تعاني منها منطقة اليورو، من خلال القرارات التي صدرت عن القمة الأوروبية الأخيرة ببروكسل، وفي بيان صدر الأحد، باسم كل من هرمان فان رومبوي رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي، ومانويل باروسو رئيس المفوضية الأوروبية، وهي الجهاز التنفيذي للاتحاد، قالت المؤسسات الاتحادية الأوروبية: «سنطبق الإجراءات التي اتفقنا عليها بصرامة وفي الوقت المناسب، ونحن على ثقة بأن ذلك سوف يسهم في حل سريع للأزمة»، وقال قادة المؤسسات الأوروبية في البيان: «نحن في أوروبا سنقوم بدورنا، بما يضمن انتعاش الاقتصاد وإعادة التوازن والنمو، ولكن يظل دائما هناك الحاجة المستمرة إلى العمل المشترك مع الشركاء في مجموعة العشرين، بروح من المسؤولية المشتركة والهدف المشترك». وشدد البيان الأوروبي على أهمية الروح الجماعية المتجددة، وأن «الهدف العام سيكون دائما في أولويات العمل الأوروبي، وفي مقدمتها المساعدة على استعادة الثقة العالمية، ودعم النمو المستدام، وخلق فرص العمل، والحفاظ على الاستقرار المالي».

وقالت دول في الاتحاد الأوروبي إن المسؤولية الكبرى في إعطاء دفعة للاقتصاد العالمي وبالأخص منطقة اليورو تقع على عاتق الاقتصادات القوية. وأشارت تلك الدول إلى أنها تتوقع أن تساهم قمة «جي 20» بشكل أكثر إيجابية في إصلاح مالي دولي يتضمن إصلاح صندوق النقد الدولي ذاته. وأعربت عن أملها في إمكانية قيام الدول التي تحظى بـ«فائض تجاري ملحوظ» أو تلك التي تعاني من «صعوبات اقتصادية أقل» بتقديم مساعدة أكبر للدول الأكثر تأثرا بالأزمة.

من جهة أخرى شككت وسائل إعلام أوروبية وأبدت انتقادها بشأن طلب المساعدة المالية من الصين لتخطي أزمة الديون الأوروبية. وأكدت صحيفة «غازيتا فبروتشا» البولندية، حيث الرئاسة الدورية الحالية للاتحاد الأوروبي، أنه «قبل الاعتماد على الصين لتعزيز الصندوق الأوروبي للاستقرار المالي، على القادة الأوروبيين الإجابة عن التساؤل التالي: في حال قبول المليارات الصينية، هل يمكنهم إدانة انتهاكات حقوق الإنسان في التيبت وسينكيانغ؟».

وبينت صحيفة «لا ليبر بلجيك» البلجيكية اليومية أن منطقة اليورو اعترفت بشكل علني بعدم إمكانها مواجهة نفسها من خلال إرسال رسالة قوية حول الاقتصادات الناشئة، التي كانت أحد المستحيلات في الأعوام القليلة الماضية، ما يعكس التغيرات في العلاقات القوية بين القوى الرئيسية في العالم، بينما أعربت صحيفة «إكسبنشن» الإسبانية عن قلق بعض المحللين من الحصول على المال من دولتين كالصين وروسيا، اللتين قد تحاولان الحصول على مكاسب سياسية. وجاء ذلك بعد أن طلب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في اتصال هاتفي مع نظيره الصيني هو جينتاو المساهمة في الصندوق. وذكر الرئيس ساركوزي في مقابلة تلفزيونية أن «الصين التي تملك نسبة 60 في المائة من احتياطي العملات في العالم، أي أكبر نسبة في العالم، قررت الاستثمار في العملة الأوروبية الموحدة (يورو) بدل العملة الأميركية الدولار، فلماذا الرفض؟».

وقال مدير الصندوق الأوروبي للاستقرار المالي كلاوس ريغلينغ أثناء زيارته إلى العاصمة الصينية بكين مؤخرا إن «نسبة 40 في المائة من السندات التي أصدرها الصندوق كانت لمستثمرين آسيويين». وأضاف: «إننا جميعا نعلم حاجة الصين إلى استثمار الفائض المالي وأنها تسعى إلى الاستثمار الآمن والجذاب»، إذ يصل احتياطي الصين من العملات الأجنبية إلى أكثر من ثلاثة تريليونات دولار.

وفي الوقت نفسه اتفقت دول في منطقة اليورو على أن الاقتصادات الكبرى تتحمل دورا كبيرا في إيجاد الحلول وفي نفس الوقت يتوقعون من قمة مجموعة العشرين المساهمة في الحل، ومن بين تلك الدول البرتغال وإسبانيا، والأولى تعاني من أزمة الديون وكانت الدولة الثالثة التي اعترفت بوجود عجز في الموازنة بعد كل من اليونان وآيرلندا، بينما تحاول إسبانيا من خلال مزيد من الإصلاحات واتباع سياسة التقشف أن تتجنب مشكلات اقتصادية.

وأثناء مشاركته في المؤتمر الصحافي لختام قمة الدول الإيبروأميركية في باراغواي، طالب رئيس الحكومة الإسبانية خوسيه لويس ثاباتيرو، الدول الصاعدة والاقتصادات القوية مثل ألمانيا بتفعيل إجراءات تحفيزية لدفع النمو الاقتصادي وتجنب حدوث ركود اقتصادي جديد. وأشار ثاباتيرو إلى أنه يتوجب على دول أخرى مثل إسبانيا الاستمرار في سياسة التقشف، لكنه شدد على أن المسؤولية الكبرى في إعطاء دفعة للاقتصاد العالمي وبالأخص منطقة اليورو تقع على عاتق الاقتصادات القوية، وأشار المسؤول الإسباني إلى أن هذه المسؤولية المشتركة سيتم مناقشتها خلال قمة «جي 20» التي ستعقد في غضون أيام قليلة بمدينة كان الفرنسية، ومن المقرر أن يجتمع قادة مجموعة «جي 20» التي تضم الاقتصادات المتقدمة والصاعدة في الثالث والرابع من نوفمبر المقبل بكان (فرنسا) لبحث سبل مواجهة الأزمة الدولية.

وقال رئيس الوزراء البرتغالي بدرو باسوس كويليو في اسونسيون، عاصمة باراغواي، إن الأزمة التي تعاني منها القارة العجوز «ليست أوروبية على الأخص»، لذا توقع مضي القمة المقبلة لمجموعة الـ20 قدما نحو إصلاح مالي دولي. وقال باسوس كويليو في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس البلاد أنيبال كافاكو سيلفا: «الأزمة التي نواجهها ليست أوروبية على الأخص. نتوقع أن تساهم قمة (جي 20) بشكل أكثر إيجابية في إصلاح مالي دولي يتضمن إصلاح صندوق النقد المالي ذاته». وأعرب عن أمله في إمكانية قيام الدول التي تحظى بـ«فائض تجاري ملحوظ» أو تلك التي تعاني من «صعوبات اقتصادية أقل» بتقديم مساعدة أكبر للدول الأكثر تأثرا بالأزمة.

وأكد رئيس الوزراء البرتغالي أن الأزمة العالمية ترغم الدول المتضررة على إعادة النظر في خطابها السياسي والاقتصادي للحفاظ على التنافسية، وجاء ذلك في كلمته أمام قمة إيبروأميركا في نسختها الـ21. وأوضح كويليو: «الصدمات التي أعقبت الأزمة الاقتصادية انعكاس للتقشف وإعادة التوازن على الصعيد العالمي. إنه تغير جذري سيدفعنا لإعادة النظر في عادات الاستهلاك، وستضطرنا إلى إجراء إصلاحات كي نصل مجددا إلى التنافسية». وأشار إلى أن التعاطي مع «الأزمة المنهجية» ينبغي أن يكون «إيجابيا بصورة قاطعة»، بما يتضمن إجراءات تعزز الديمقراطية والتشريع والشفافية المالية، ودعم العدالة الاجتماعية، ومكافحة الجوع والفقر وتوفير فرص عمل.

وأضاف أن منطقة إيبروأميركا تضم 580 مليون نسمة «يتشاطرون نفس التاريخ والقيم المشتركة»، مشددا على الحاجة إلى أن تعمل الدول التي يفصلها المحيط الأطلسي معا من أجل التوصل إلى حلول فعالة للأزمة. وتابع: «نحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى الدعم المتبادل من خلال إجراء مشاورات بشأن المواقف للدفاع عن المصالح المشتركة».

وأشاد رئيس الوزراء البرتغالي بالأوقات الطيبة التي تمر بها أميركا اللاتينية على الرغم من الأزمة، مشيرا إلى أنها تعد «إحدى أكثر مناطق العالم ديناميكية».

وشارك 12 رئيس دولة وحكومة من الدول الـ22 في إيبروأميركا التي تمثل أميركا اللاتينية وإسبانيا وأندورا والبرتغال في هذه القمة التي ركزت على الأزمة الاقتصادية والتبعات المحتملة لها على أميركا اللاتينية، ومحورها «تحولات الدولة من أجل التنمية».

وفي نفس الصدد قالت الرئاسة البولندية الحالية للاتحاد الأوروبي إنه لا توجد نية لعقد اجتماع استثنائي لوزراء المال والاقتصاد الأوروبيين لمتابعة تنفيذ قرارات القمة الأخيرة، وإن الاجتماع الوزاري المقرر من قبل في الثامن من شهر نوفمبر القادم سيعقد في موعده ولا حاجة لتقديم الموعد، وكانت الرئاسة البولندية قد لمحت على هامش القمة الأخيرة إلى أن القادة سيتوصلون إلى اتفاق بشكل عام ومبدئي حول بعض الأمور التي جرى التباحث بشأنها في القمة، وسيتم بحث التفاصيل في اجتماع آخر قد ينعقد على الأقل على مستوى وزاري. وحسب الكثير من المراقبين الأوروبيين جاء البيان الصادر عن الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي بمثابة رسالة طمأنة للأسواق والرأي العام الأوروبي، بأن هناك قناعة بما تحقق من إنجاز في القمة التي وصفت بأنها تاريخية، وأن الأمور تحت السيطرة ومستقرة، وأن هناك توافقا بين الدول الأعضاء في المجموعة الأوروبية الموحدة، وأشار البعض إلى أن الأمر انعكس على الأسواق وكانت هناك أجواء من التفاؤل ظهرت عقب انتهاء القمة، بعد أن تأكد الجميع أن قادة أوروبا لديهم القدرة على تجاوز الخلافات والتوصل إلى توافق بشأن الموضوعات الشائكة.

وعاشت أوروبا حالة من الترقب والقلق، في انتظار قرارات قادة دول الاتحاد الأوروبي، في ختام قمة انعقدت في بروكسل، وكانوا يعلمون جيدا أن المهمة صعبة للغاية ووسط جو من الخلافات وانقسام بين الدول الأعضاء في منطقة اليورو وأخرى خارج المنطقة التي تعاني من أزمة الديون السيادية، وأصبح واضحا للجميع أن الكرة في ملعب الاقتصادات الكبرى. ويقول فرناندو ديسوسا الخبير الاقتصادي البرتغالي بمقر الاتحاد الأوروبي: «من حيث المبدأ ألمانيا في مقدمة الدول التي لديها مفاتيح إيجاد الحلول إلى جانب فرنسا، ولكن عندما تقع أزمات فلا بد أن يتضامن الجميع ويساهموا في الحلول لأن الأمر لا يهم دولة بعينها، بل يهم تكتلا موحدا يضم 27 دولة، ومنهم 17 دولة يتعاملون بالعملة الموحدة، وأي نتائج سلبية ستنعكس على التكتل الموحد».

ويذكر أنه على هامش القمة الأخيرة وقفت المستشارة الألمانية ميركل أمام الصحافيين لتقول إن «الأوروبيين اتخذوا القرار المناسب بعد أن حددوا أسباب وقوع الأزمة المالية ونجحوا في التوصل إلى مجموعة من الإجراءات الرامية إلى حلها»، والتي قال عنها الرئيس الفرنسي ساركوزي إن دول منطقة اليورو سترصد ثلاثين مليار يورو لتمويل الضمانات، كما ستحصل اليونان على مائة مليار يورو كمساعدات عامة دولية، كما أن ميزانية صندوق الإنقاذ لمنطقة اليورو ستصل إلى نحو ألف وأربعمائة مليار دولار. وقال رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي هرمان فان رومبي: «كانت الحالة مقلقة للغاية، واتخذنا قرارات سياسية هامة، وأنا على ثقة بأن الأسواق سوف تعطينا الفرصة والوقت لتحقيق قرارات القمة». إذن تم الاتفاق على إعادة رسملة البنوك وزيادة مخصصات آلية الإنقاذ الأوروبية وموافقة البنوك على شطب 50% من ديون اليونان وبدء مفاوضات مع الصين للمشاركة في الحل الأوروبي لأزمة منطقة اليورو ومطالبة إيطاليا وإسبانيا المضي قدما على طريق تحقيق المزيد من الإصلاحات الاقتصادي، لتفادي انتقال عدوى الديون السيادية إليها، ويكفي ما أصاب اليونان وآيرلندا والبرتغال.