نجم الدول الناشئة بقيادة الصين يسطع في قمة الـ20

ربما لا تتمكن أميركا من الضغط على الصين بشأن التجارة وسعر العملة

الرئيس الاميركي باراك أوباما في حديث مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان على هامش قمة الـ20 (أ.ب)
TT

كان المفترض أن يكون اجتماع قمة مجموعة العشرين في كان فرصة لسطوع نجمي أوروبا ومضيف الحدث الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي. لكن الاجتماعات التي جرت على مدار يومين تأتي في أوقات استثنائية عصيبة للقارة ككل، نظرا لحالة الاضطراب السياسي التي تعيشها أوروبا ودخول اقتصادها حالة من الركود ومستقبل منطقة اليورو الذي أصبح موضع شك.

وإذا ما كان بمقدور أي فرد أن يتبختر على كوت دي آزور خلال الاجتماع يومي الخميس والجمعة، ينبغي أن يكون الدول النامية التي تشهد نموا سريعا مثل الصين والهند وروسيا والبرازيل. فقد تحول ميزان القوة سريعا فأوروبا تستجدي منهم المال الآن، وهم في موقف قوي لفرض آرائهم بشأن قواعد التجارة والقضايا الأخرى.

لكن لا يتوقع أن يعمد قادة القوى الاقتصادية الناشئة الكبيرة إلى التباهي، إذ يواجهون نقاط ضعفهم الخاصة مثل المستويات المثيرة للقلق من التضخم في الصين، هذا إلى جانب رغبتهم في عدم رؤية أفضل عملائهم يعانون اقتصاديا، خاصة في ظل معاناة منفذ حيوي آخر لصادراتهم هو الولايات المتحدة.

ويقول يوري دادوش، المشارك البارز في معهد كارنيغي للسلام الدولي في واشنطن: «ستكون الصين في موقف جيد للغاية، لكن لا تفسروا ذلك على أن الصين سعيدة بهذا فالصين جزء من الاقتصاد العالمي».

كان ذلك هو الشعور الذي عبر عنه الرئيس الصيني هو جينتاو في مقابلة مع صحيفة «لو فيغارو» الفرنسية الأسبوع الحالي بالقول: «تتمنى الصين بصدق رؤية الاستقرار في منطقة اليورو وعملة اليورو».

عادة ما تعتبر اجتماعات قمة العشرين مناسبة للرئيس المضيف للظهور كرجل دولة، ودفع قضايا فرعية. وكان ساركوزي يهدف بصورة أساسية من الاجتماع إلى التركيز على دعوته لإجراء تغييرات في النظام النقدي الدولي، في محاولة للحد من تقلبات أسعار الصرف ومنح اليورو والعملات الأخرى مكانة أكبر مقابل الدولار.

وكحال الرئيس الفرنسي المحموم، تضمن جدول الأعمال أيضا قائمة طموحة من الأهداف الأخرى، بما في ذلك تغيير التشريعات المصرفية للبنوك المتغيرة، فضلا عن التعامل مع مشكلات الفساد، والبطالة، والتهرب من دفع الضرائب، والأمن الغذائي والاحتباس الحراري، حتى إن الجدول الزمني لساركوزي تضمن اجتماعا صباح يوم الخميس مع بيل غيتس صاحب شركة «مايكروسوفت» لمناقشة تمويل التنمية.

سيكون هناك بلا شك التصريحات بشأن الكثير من هذه القضايا، وقد تم استفاء غالبية العمل على مثل هذه القضايا مسبقا عبر المسؤولين الأدنى مستوى. ويشكل اجتماع القمة الذي يبدأ بغداء عمل يوم الخميس فرصة لالتقاط الصور التي تتصدر بيانات القادة التي تم الاتفاق عليها قبل وقت كاف من الاجتماع.

ولكن أحداث هذا الأسبوع أجبرت ساركوزي وأنجيلا ميركل، مستشارة ألمانيا، على الانخراط في السياسة اليونانية في الوقت الذي كان ناخبوهما يتوقون إلى مشاهدتهما بارزين على الساحة الدولية إلى جانب أوباما أو هو جينتاو.

كان ساركوزي وميركل قد اجتمعا في جلسة طارئة بعد ظهيرة يوم الأربعاء مع قادة المؤسسات الأوروبية وصندوق النقد الدولي لمناقشة الموقف اليوناني. وفي المساء التقيا مع الرئيس اليوناني أندرياس باباندريو الذي أعلن يوم الثلاثاء أنه سيسمح للأفراد بالتقرير عبر الاستفتاء ما إذا كانوا يدعمون جهوده الصارمة والمؤلمة للحفاظ على اليونان. وقد أغضب ذلك المقترح، الذي قد يؤدي إلى خروج اليونان من منطقة اليورو، الأسواق المالية وقوض من خطة الإنقاذ الأوروبية الأخيرة.

ومع نضال الحكومة اليونانية للبقاء في السلطة، لم تتضح بعد ماهية الردود التي يمكن أن يقدمها باباندريو قبل الاستفتاء، حتى إنه حصل على الثقة في الاستفتاء الذي تقرر إجراؤه ليلة الجمعة. وقد تعهد باباندريو بإقامة الاستفتاء في الرابع أو الخامس من ديسمبر (كانون الأول).

ويرى مسؤولون أنه حتى مع التزام اليونان بخطة إصلاح التجاوزات في ميزانيتها، لا يتوقع أن تتلقى دفعة المساعدات البالغة 8 مليارات يورو (11 مليار دولار) كدفعة مساعدة، والتي يفترض تلقيها هذا الشهر، والتي تحتاجها اليونان قبل نهاية العام لدفع الرواتب وتسديد الفواتير.

وأشار المتحدث باسم وزارة المالية الألمانية، إلى أن اليونان تمتلك على ما يبدو ما يكفي من المال حتى منتصف ديسمبر حيث ستضطر إلى صرف أكثر من 6 مليارات يورو ديونا. وفي الوقت نفسه، استمر تدفق الأخبار الاقتصادية السلبية، فأشار استطلاع لمديري التصنيع، نشر يوم الأربعاء، إلى انخفاض الناتج الأوروبي خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2011، وكان أكبر انخفاض في المعنويات في إيطاليا، وكذلك تصاعدت المخاوف من إمكانية أن يشكل مزيج من النمو البطيء والشلل السياسي استحالة أمام هذه الدولة في مواصلة خدمة ديونها.

وعلى الرغم من أن الأسواق استعادت بعضا من عافيتها التي فقدتها في وقت سابق من الأسبوع، كان قلق المستثمرين واضحا عندما انسحب مرفق الاستقرار المالي الأوروبي من صفقة بلغت ثلاثة مليارات يورو لإصدار سندات أجل 10 سنوات للمساعدة في عمليات الإنقاذ المالية في آيرلندا نتيجة لعدم وجود مشترين. وكجزء من الجهود الأوروبية الشاملة للحفاظ على الاستقرار في منطقة اليورو، ستتم زيادة رأسمال صندوق الاستقرار الأوروبي من 440 مليار يورو إلى تريليون يورو وتوفير التأمين ضد المخاطر للسندات الجديدة التي يتم إصدارها من دول منطقة اليورو المتعثرة.

وقال نيك ماثيوز، وهو اقتصادي أوروبي بارز في رويال بنك أوف سكوتلاند: «الإلغاء الذي جاء في اللحظات الأخيرة لعملية روتينية صغيرة وعادة هو دلالة على أن هناك قدرا كبيرا من الشكوك لدى المرفق المالي الذي لم يطمئن للقرار اليوناني، فقبل قبل أسبوع كنا نعتقد أننا حصلنا على خطة كبيرة».

من المتوقع أن تلهم حركة «احتلوا وول ستريت» إقبالا قويا على الاحتجاجات ضد مجموعة الـ20 في مدينة نيس القريبة.

وقال غريغوري تشين، وهو زميل بارز في مركز الحكم الدولي والابتكار في واترلو، أونتاريو، في اتصال هاتفي من كان «التوقيت ليس جيدا بالنسبة للرئيس الفرنسي، فقد أثار جدول الأعمال الكثير من التوقعات بدلا من تحقيق إنجاز بشأن القضية الأساسية للنمو العالمي» ومع ضعف الدول الصناعية المتقدمة، لن تصبح في وضع يسمح لها بالضغط على الصين في قضايا مستديمة مثل تقدير عملتها بأقل من قيمتها أو الحاجة لزيادة معدل الاستهلاك المحلي وتقليل فائضها التجاري. وستكون الصين في وضع أفضل يسمح لها بالتركيز على المواضيع التي تعنى بها، مثل أن يكون لها تأثير أكبر داخل صندوق النقد الدولي.

لكن الصين ستواجه قيودا في استغلال سلطتها، أحدها أنه لكي تنجح في ذلك، فسيتعين عليها تحمل مزيد من المسؤولية الدولية. «سوف يستمرون في محاولة استغلال الفرصة بأكبر درجة ممكنة للتركيز على التحديات الداخلية»، هذا ما قاله ديفيد شور، محلل سياسي بمؤسسة «ستانلي»، مؤسسة كائنة في موسكاتين بولاية أيوا والتي تقوم بالترويج للتعاون الدولي. وأضاف: «سوف تستمر الولايات المتحدة في الضغط عليهم لتحمل مزيد من المسؤوليات بوصفهم قوة ناشئة».

وعلى الرغم من نموها الاقتصادي، فإن الصين تواجه مشكلات داخلية، من بينها فقاعة الائتمان والإسكان في بعض المناطق، والحكومات المحلية المثقلة بالديون، فضلا عن ارتفاع الأجور، مما يزيد من صعوبة تنافسها مع دول مثل إندونيسيا أو فيتنام. «إنهم يعطون انطباعا بأنهم فخورون بأنفسهم في بعض الأحيان»، هذا ما قاله دادوش من معهد «كارنيغي». وأضاف: «لكنهم واعون تماما بأنهم ليسوا بحاجة لاستعراض عضلاتهم. فلديهم مشكلاتهم الخاصة التي يتعين عليهم التركيز على التعامل معها».

ثمة توقعات محدودة بتحقيق أي إنجازات مهمة. لكن المستثمرين في الأسواق سيتابعون الجلسات في كان عن كثب على أية حال، واضعين القادة تحت ضغط اتخاذ رد فعل أقوى تجاه أزمة الدين الأوروبية، حتى وإن لم يكن هذا الموضوع مدرجا بشكل رسمي في برنامج عمل الاجتماع. وأكد مسؤولون ألمان، لم يكن مسموحا لهم بذكر أسمائهم نظرا لحساسية الأمر، على أنهم لن يستغلوا اجتماع القمة في استجداء الصين أو دول أخرى مثل روسيا للمساهمة في صندوق الإنقاذ الأوروبي.

وكان كلاوس ريغلينغ، الرئيس التنفيذي للصندوق الأوروبي للاستقرار المالي، في زيارة للصين واليابان هذا الأسبوع في محالة لجذب المستثمرين للمساهمة في الصندوق. وتحدو كثيرا من المحللين شكوك في قدرة قادة مجموعة العشرين، الذين لن يجتمعوا معا لأكثر من يوم، على تقديم أي شيء سوى مجرد التأكيد على أن أوروبا ستفعل كل ما يتطلبه الأمر لاحتواء الأزمة.

«أعتقد أننا سنتلقى تعليقا محبطا منهم في هذا الشأن»، هذا ما قاله كارل بي واينبرغ، كبير الاقتصاديين بشركة «هاي فريكوانسي إكونوميكس» في فالهالا بنيويورك. وأضاف: «لقد قالوا مرارا وتكرارا إن حكومات أوروبا ستتخذ كافة الإجراءات اللازمة».

* ساهم في إعداد التقرير جاك إوينغ من فرانكفورت، وستيفن إيرلانغر من كان بفرنسا، وراشيل دوناديو من أثينا.

* خدمة: «نيويورك تايمز»