أسعار القمح تتجه نحو هبوط قياسي

بسبب ارتفاع الاحتياطي منه إلى أعلى مستوى منذ 10 سنوات

TT

يتجه سعر القمح نحو أكبر هبوط له خلال ثلاث سنوات كثاني أكبر محصول في سجل المخزون السلعي الضخم، على نحو يخفف من حدة مشكلة النقص في المخزون السلعي، التي تسببت في ارتفاع تكاليف الأغذية العالمية بشكل غير مسبوق.

ومن المحتمل أن تنخفض الأسعار، التي هبطت بنسبة 21 في المائة، لتصل إلى 6.24 دولار للبوشل، لتصل إلى 5.90 دولار قبل نهاية ديسمبر (كانون الأول)، بحسب التقدير المتوسط لتسعة محللين ومتداولين تم استطلاع آرائهم من قبل مؤسسة «بلومبرغ». وسوف يزداد العرض في فترة الـ12 شهرا التي تنتهي في 30 يونيو (حزيران) بنسبة 4 في المائة، ليصل إلى 684 مليون طن متري، على نحو يرفع مخزون السلع إلى أعلى مستوى له خلال عقد، بحسب تقديرات مجلس الحبوب العالمي الكائن في لندن.

يتسع نطاق الإنتاج بعد أن أدى ارتفاع الأسعار بنسبة 47 في المائة العام الماضي بالمزارعين إلى زراعة المزيد من الحبوب، بينما تعافت روسيا وأوكرانيا من الجفاف الذي أتلف المحاصيل. ومن المنتظر أن يؤدي انخفاض سعر القمح إلى تخفيف الضغوط الناتجة عن ارتفاع أسعار الذرة والأرز، وأن يزيد من الضغط على تكاليف الأغذية الخاضعة لرقابة الأمم المتحدة، التي قد هبطت بنسبة 9 في المائة، بعد تسجيلها رقما قياسيا في فبراير (شباط).

«يبدو القمح محصولا جميلا، وتتوفر كميات كبيرة جدا منه»، هكذا تحدث بروس لي، 45 عاما، من حقله بالقرب من مدينة موليوا في غرب أستراليا في منطقة تشتهر بزراعة للقمح.. «إنني في حالة من القلق نوعا ما، لأن إغراق السوق العالمية بمحصول القمح ربما يقلل الأسعار، لكن لا يوجد أي شيء يمكنني فعله حيال ذلك. علي فقط أن أحصد المحصول وأطرحه في الأسواق.

يتجه القمح إلى ثاني أضخم هبوط سنوي له منذ عام 2008، حينما قال مجلس الحبوب العالمي إن المحاصيل سجلت رقما قياسيا، ويعتبر ثالث المحاصيل الأسوأ أداء في مؤشر «غولدمان ساكس» للسلع التابع لمؤسسة «ستاندرد آند بورز»، الذي يضم 24 سلعة، متبوعا بالنيكل والقطن.

وارتفع المؤشر بنسبة 2.7 في المائة منذ الأول من يناير (كانون الثاني) في مقابل هبوط نسبته 7.7 في المائة في مؤشر «مورغان ستانلي»، لجميع دول العالم، وعائد نسبته 8.5 في المائة على سندات الخزانة، حسبما تشير إليه مؤشرات «بنك أوف أميركا كورب».

وتشهد أسعار المحاصيل ارتفاعا في كندا وروسيا وكازاخستان وأوكرانيا، وسط أسوأ ضربة ألمت بها جراء الطقس في العام الماضي، بحسب مجلس الحبوب العالمي، الذي يضم أكثر من 50 دولة. وبينما سيزيد الطلب بمقدار 22 مليون طن، مقارنة بـ3 ملايين طن العام الماضي، فسيزداد حجم المخزون السلعي ليصل إلى 202 مليون طن، بحسب تقديرات مجلس الحبوب الدولي. وهذا الكم أكبر بنسبة 53 في المائة منه في عام 2007 - 2008، حينما سجلت الأسعار رقما قياسيا لتصل إلى 13.495 دولار.

ربما يشهد سعر القمح ارتفاعا، إذا ما استخدم مربو الدواجن والماشية كمية أكبر منه في تغذية ماشيتهم كبديل للذرة الأعلى سعرا، بحسب «رابوبنك إنترناشيونال». يتم تداول الذرة بعلاوة نسبتها 19 في المائة للبوشل، مقارنة بمتوسط خفض قيمته 1.83 دولار في الخمس سنوات الماضية، بحسب بيانات جمعتها مؤسسة «بلومبرغ». وبينما يحتمل أن يشهد محصول الذرة في الصين ارتفاعا نسبته 6.7 في المائة ليسجل رقما قياسيا هذا العام، بحسب استبيان أجرته «إس جي إس إس إيه» لشركة «بلومبرغ» أمس، وربما تعزز زيادة الطلب على هذه السلع في شيكاغو في السنوات المقبلة، بحسب متداولي العقود الآجلة في شركة «نيو إيدج يو إس إيه إل إل سي».

ويتوقع مجلس الحبوب العالمي زيادة تزيد نسبتها على 9 في المائة في استخدام القمح كغذاء ليصل إلى 124.2 مليون طن، وهو أعلى مستوى يصل إليه خلال نحو 20 عاما. ويقول رابوبنك إن حجم الطلب ربما يصل إلى 129.5 مليون طن.

ويعطي عقد الخيار الذي يحمل أكبر عدد من المتداولين لحامليه الحق في شراء القمح بسعر 8.50 دولار في 25 نوفمبر (تشرين الثاني)، وهي زيادة نسبتها 34 في المائة عن سعر الإغلاق في شيكاغو أمس. وينتظر أن يكون سعر القمح المتاح للتسليم في سبتمبر (أيلول) 2012 أعلى بنسبة 14 في المائة من الجاهز للتسليم في ديسمبر (كانون الأول) هذا العام، بحسب بيانات من مجلس شيكاغو للتجارة.

وربما تؤدي عودة الطقس السيئ إلى تقويض الإمدادات من الحبوب الأخرى، وزيادة الطلب على القمح؛ حيث دمرت الفيضانات في تايلاند، أكبر مصدر للأرز في العالم، 7 ملايين طن من الحبوب غير المطحونة، بحسب تقديرات حكومية. ويكافئ هذا 4.6 مليون طن من الأرز المطحون، بزيادة قدرها مليون عن الفائض العالمي الذي تتوقعه وزارة الزراعة الأميركية.

وقد يحد نمط طقس لانينا، وهي فترة لتبريد المياه الاستوائية في المحيط الهادئ، التي يمكن أن تؤدي إلى انخفاض هطول الأمطار في أميركا الجنوبية، من بذر الذرة، وفقا ليوك تشاندلر، المحلل في «رابو بنك» بلندن، وتمثل الأرجنتين والبرازيل نسبة 30 في المائة من جميع صادرات الذرة. وعادة ما تقوم بالزراعة خلال الأشهر الأربعة الأخيرة من السنة.

وسيعزز الانخفاض المتوقع في أسعار القمح التوقعات للمزارعين الأميركيين، أكبر المصدرين في العالم، مما يجعلهم أكثر قدرة على المنافسة مع منافسيهم في منطقة البحر الأسود، فعند مستوى 5.90 دولار لكل بوشل، ستبلغ تكلفة الطن المتري من القمح الأميركي 217 دولارا، مقارنة بالإمداد الأوكراني من القمح الذي بلغ سعره 240.50 دولار في 25 أكتوبر (تشرين الأول)، وفقا لـ«UkrAgroConsult»، وهي شركة أبحاث مقرها كييف، وقد اشترت مصر، أكبر مستورد للقمح 60000 طن من القمح الأوكراني مقابل 247.92 دولار للطن في مناقصة جرت في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني).

وقد رفعت روسيا حظرا استمر لمدة عام تقريبا على شحنات الحبوب في يوليو (تموز)، وخففت أوكرانيا من حصص التصدير المفروضة لضمان الإمدادات المحلية بعد الجفاف الذي شهدته العام الماضي. وسوف ترتفع المبيعات الروسية بأكثر من أربعة أضعاف، بينما سيتضاعف حجم صادرات أوكرانيا، في الوقت الذي ستتقلص فيه صادرات الولايات المتحدة بنسبة 24 في المائة، وهو الأعلى خلال عقدين من الزمن، بحسب توقعات وزارة الزراعة الأميركية. ومن المقرر أن تعلن الوزارة عن توقعاتها في التاسع من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي. وقال سيمون كلانسي، مدير السمسرة في شركة «أدفانس تريدنغ أسترالاسيا بي تي واي» المحدودة، والمتخصصة في مجال الزراعة: «عند تلك المستويات، سيكون القمح الأميركي قادرا على المنافسة بكل تأكيد، فالبحر الأسود هو الوحيد القادر على ضخ شحنات كبيرة، ولا أعتقد أنه يمكن أن تصبح أرخص من ذلك بكثير، سوف نرى مرة أخرى رغبة في شراء القمح شيكاغو».

وستساعد الشحنات أكثر من المتوقع في زيادة دخل المزارعين، الذي تتوقع الحكومة ارتفاعه بنسبة 31 في المائة، ليصل إلى رقم قياسي العام الحالي. وحظت ولاية داكوتا الشمالية أكبر منتج للقمح في عام 2010، بأقل نسبة بطالة بلغت 3.5 في المائة.

وقد يساعد القمح الرخيص في أرباح الشركات، فتضع شركة «بي آند جي فودز»، مصنع الكريمة من حبوب القمح كأحد المجالات ذات الزيادة الأضخم في التكلفة، وقال الرئيس والمدير التنفيذي للشركة، ديفيد وينر، في مؤتمر عبر الهاتف في 25 أكتوبر (تشرين الأول)، إن شركة «بارسيباني»، ومقرها نيو جيرسي ستعلن عن صافي أرباح بقيمة 48.4 مليون دولار عن العام الحالي مقارنة بـ32.4 مليون دولار في عام 2010، وهو متوسط تقديرات ثلاثة تقييمات تحليلية جمعتها «بلومبرغ». وقد ارتفعت أسهم شركة «بي آند جي» 58 في المائة منذ بداية يناير (كانون الثاني).

في الإطار ذاته، ستعلن شركة «بي تي إندوفود سوسيس ماكمور»، أكبر شركة لصناعة المعكرونة والدقيق في إندونيسيا عن أرباح بقيمة 3.30 تريليون روبية (369 مليون دولار) في عام 2011، مقارنة بـ2.92 تريليون روبية العام الماضي، متوسط 19 تقييما، وقد ارتفعت أسهم الشركة التي يقع مقرها في جاكرتا 5.6 في المائة، العام الحالي.

وينبغي أن يضمن الإمداد العالمي أن لا تتغلب شركات على الأسعار المرتفعة في القريب العاجل، فمحصول أستراليا، ثاني أكبر مصدر للقمح في العالم، يقترب من تحقيق رقم قياسي يقدر بـ26.2 مليون طن من قبل الحكومة. وربما ترتفع الصادرات إلى 20.4 مليون طن أعلى مستوى لها في تاريخها خلال العام الذي يبدأ من مطلع أكتوبر (تشرين الأول)، بحسب مكتب الزراعة والموارد الاقتصادية والعلوم الأسترالي ومقره العاصمة، كانبرا، الوكالة الحكومية التي يعود تاريخ إنشائها إلى عام 1945.

وسوف يرتفع الإنتاج العالمي بنسبة 6 في المائة ليصل إلى 691 مليون طن، ليعزز من المخزون العالمي، بحسب تقرير منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، الذي صدر أمس.

وقال عبد الرضا عباسيان، الاقتصادي البارز في المنظمة: «هناك إمدادات كبيرة من القمح، أكثر مما توقعه الجميع قبل عدة أشهر، فقد كانت الانتعاشة في المحصول جيدة جدا، جدا».

وفي الوقت ذاته، حصدت الصين سابع أكثر محصول لها من الذرة خلال ثماني سنوات، لكن ذلك لم يكفِ لسد الطلب، وهو ما سيحقق أرباحا تصل إلى خمسة أضعاف عبر الصادرات، لأن الأسعار تتجه نحو أعلى متوسط ارتفاع سنوي لها.

وبلغ الإنتاج 189.2 طن متري في موسم الحصاد الذي بدأ في سبتمبر (أيلول) بزيادة بلغت 6.7 في المائة عن العام السابق، وفقا لمسح للمزارعين في المناطق الرئيسية السبع المنتجة، قامت بها شركة «إس جي إس إس إيه» ومقرها جنيف، لصالح شبكة «بلومبرغ». ويتوقع أن تقفز الواردات في السنة التسويقية التي بدأت الشهر الماضي من مليون إلى 5 ملايين طن، وفقا لمتوسط تقديرات 10 تحليلات ومضاربين استطلعت «بلومبرغ» آراءهم.

وعلى الرغم من أن العرض المتوقع في مسح شركة «SGS» سيتجاوز تقديرات وزارة الخارجية والزراعة الأميركية بأكثر من 7 ملايين طن، فإن ارتفاع الواردات يظهر فشل المزارعين في زراعة ما يكفي من الحبوب لتغذية الماشية، بيد أن توسع اقتصاد الصين خمسة أضعاف خلال العقد الماضي، الذي أورده البنك الدولي، حفز التغيير في النظام الغذائي، فقد تضاعفت قطاعات الألبان ثلاث مرات تقريبا منذ عام 2000، وارتفع نصيب الفرد من استهلاك لحوم الخنزير في البلد البالغ عدد سكانه 1.34 مليار نسمة بنسبة 26 في المائة، بحسب تقديرات وزارة الزراعة الأميركية.