إنتاج النفط الليبي يتعافى سريعا ويصل إلى 40% من مستوياته قبل الثورة

وكالة الطاقة الدولية توقعت أن يصل إلى 1.2 مليون برميل بنهاية 2012

TT

تم إصلاح الثقوب التي أحدثتها طلقات الرصاص في صهاريج النفط، كما يجري إصلاح المولد الاحتياطي الذي كان قد لحق به الدمار، والأكثر أهمية أنه قد أعيد افتتاح خط أنابيب النفط الذي يغذي معمل تكرير النفط العملاق هنا في الزاوية. وسرعان ما عاد إنتاج النفط من جديد في الزاوية ومختلف الأنحاء المحيطة بليبيا، ويرجع ذلك بشكل كبير إلى أن كلا من نظام القذافي والثوار السابقين، الذين أصبحوا الآن القادة المؤقتين لليبيا، تحملوا الآلام من أجل تجنب تقويض أهم الصناعات في الدولة بشكل دائم أثناء الحرب الأهلية التي امتدت لستة أشهر.

«أراد القذافي الإبقاء على صناعة التكرير نظرا لأنه كان بحاجة للوقود، ورغب الثوار في تأمين صناعة التكرير لأنها تخص الشعب الليبي»، هكذا تحدث خالد راشد، منسق ورديات في غرفة التحكم داخل معمل تكرير النفط في الزاوية. ويقدر معدل إنتاج النفط في ليبيا بنحو 40 في المائة من المستوى الذي كان عليه قبل بدء الثورة. لكن لم يلحق بأي من حقول النفط والغاز الأربعين المهمة بليبيا أي دمار خطير أثناء الحرب، بحسب مسؤولين ليبيين وخبراء نفط دوليين. والآن، عادت معظم موانئ ومعامل تكرير النفط، التي كانت قد تعطلت بشكل فعلي بفعل العقوبات الدولية وأشهر القتال، للعمل من جديد.

ويتوقع المسؤولون أنه بحلول شهر يونيو (حزيران) المقبل، ستضخ الدولة مجددا 1.6 مليون برميل نفط يوميا، على الرغم من أن خبراء مستقلين يقولون إن ذلك لا يمكن تحقيقه إلا إذا تسنى للدولة تجنب الانزلاق إلى منعطف من العنف. ويعتبر الإيقاع السريع لانتعاش هذه الصناعة إشارة إلى بارقة أمل في وقت تكافح فيه الحكومة الانتقالية من أجل نزع سلاح الميليشيات ومنع القبائل المتناحرة من الدخول في قتال ضد بعضها بعضا وإعادة بناء المدن المنهارة. ويعد النفط شريان الحياة بالنسبة لاقتصاد ليبيا قبل الحرب، حيث كان النفط يمثل نحو ربع الناتج الاقتصادي للدولة، و80 في المائة من العائدات الحكومية، و95 في المائة من حصيلة الصادرات، بحسب تقديرات حكومة الولايات المتحدة.

«في دولة مثل ليبيا، يعتبر النفط هو كل شيء»، هكذا تحدث باولو سكاروني، الرئيس التنفيذي لشركة «إني»، شركة النفط الإيطالية التي تعد إلى حد كبير أكبر شركة أجنبية لإنتاج النفط. وأضاف «في نهاية اليوم، تكرس الحكومة معظم وقتها للاهتمام بصناعة النفط». وما لم يعد إنتاج النفط إلى مستوياته قبل النزاع في ليبيا فسوف يتأثر الاقتصاد والاستقرار السياسي للدولة سلبا. وعلى العكس، إذا زاد معدل إنتاج النفط بشكل هائل، فربما يصبح سكان ليبيا البالغ عددهم 6.6 مليون نسمة من الأثرياء – على عكس سكان الدول الأكثر فقرا التي تمت الإطاحة بحكوماتها أثناء الربيع العربي. على سبيل المثال، شهد الاقتصاد المصري ركودا منذ انهيار نظام مبارك.

وما زال الفساد يشكل خطرا، إذ يتهم أعضاء بالحكومة الليبية الجديدة العقيد معمر القذافي بسرقة مليارات الدولارات الممثلة في صورة عائدات نفطية. وقال وزير النفط، علي الترهوني، إن السلطات كانت تجري تحقيقات في قضايا احتيال في أكثر من 20 حسابا مصرفيا بشركة النفط الوطنية. وقال «سوف نتعقب كل سنت». ومع اقتراب أسعار النفط العالمية من 100 دولار للبرميل الواحد، فإن استعادة إنتاج النفط الليبي ستخفف من ضغوط العرض الملقاة على عاتق الأسواق العالمية.

ويلفت خبراء نفط أجانب إلى أنه حتى للعودة بمعدل الإنتاج إلى أكثر من مليون برميل يوميا، يتعين على قادة الحكومة المؤقتة في ليبيا وضع حد لحالة العنف التي تعوق استقدام شركات النفط الأجنبية الخبراء التقنيين المغتربين. وفي تقرير أصدرته الأسبوع الماضي، توقعت وكالة الطاقة الدولية أن يقدر إنتاج النفط الليبي بـ1.2 مليون برميل في اليوم مع نهاية عام 2012.

والأسبوع الماضي، لقي ما لا يقل عن ستة أفراد مصرعهم خلال تبادل لإطلاق النار بين ميليشيات متناحرة حول مدينة الزاوية. وفي الصحراء الواقعة بالجنوب الغربي، حيث توجد بعض من أكبر حقول النفط، حدثت مؤخرا مواجهة بين إحدى الميلشيات ورجال من قبيلة الطوارق الذين أغاروا على مستودع أسلحة تابع للقذافي وقاموا بسرقة بعض مدافع الهاون. وقد بدأت شركات «إني» الإيطالية و«توتال» الفرنسية و«ريبسول» الإسبانية في إرسال مجموعة من العاملين، وذلك بالأساس بهدف إعادة تشغيل الحقول النفطية الواقعة على شاطئ البحر الأبيض المتوسط والبعيدة تماما عن أي أعمال عنف. وقد رفضت شركة «بريتش بتروليوم»، التي كانت تعتزم إجراء مشروعات استكشاف حقول نفط، إرسال مزيد من الفنيين. وفي المجمل، عاد فقط نحو 20 من العاملين الأجانب في مجال النفط البالغ عددهم 2.000 عامل والذين قاموا بوظائف تقنية مهمة في ما يتعلق باستكشاف وإنتاج النفط قبل الحرب، بحسب مسؤولين في شركة النفط الوطنية التي تربطها علاقات شراكة مع شركات أجنبية.

وذكر جون دانيال بلاسكو، نائب رئيس شركة «توتال» لاستكشاف وإنتاج النفط في شمال أفريقيا، أن عودة هؤلاء العمال «سوف تكون مرهونة بالوضع الأمني، وربما تقع أحداث سياسية.. ثمة حالة من الشك».

ويشكل الخبراء التقنيون الأجانب أهمية محورية في إعادة تشغيل بعض حقول النفط الأقدم التي تم إغلاقها بشكل غير متوقع. وتمتلئ آبار النفط القديمة بالماء أو الشمع حينما تتوقف عن إنتاج النفط لفترات طويلة، وسوف تكون هناك حاجة إلى إعادة حقنها بالنيتروجين والبخار - عملية مرهقة تتطلب أيدي خبيرة ومعدات إصلاح نادرة. وعلى الرغم من ذلك، فإن الحرب تركت حقول النفط والمرافق في ليبيا في حالة أفضل بكثير مما كانت عليه إبان الثورات الماضية والحالية في إيران والعراق واليمن.

ولحق أكبر دمار بحقول النفط حينما دمرت قنبلة أطلقها حلف شمال الأطلسي (الناتو)، مستهدفا قوات القذافي، محول نفط في حقل مسلة شرقي ليبيا. وما زالت الإصلاحات تجري مجراها، وعاد الإنتاج لما يقرب من 70 في المائة. وقد تعطل عمل مرفق ميناء السدرة النفطي بفعل تدمير نظام قياس إنتاج النفط، لكن العمال يحاولون التغلب على المشكلة بتقدير كمية النفط الموجود في الصهاريج والناقلات قبل أو بعد ملئها. وقد لحق بضاغطات الغاز في معمل تكرير النفط في البريقة الدمار إبان القتال، غير أن معامل تكرير أخرى تقوم بعملها. لم يلحق أي ضرر بمعمل تكرير الزاوية، باستثناء تدمير قاطرة مليئة بقوات القذافي الهاربة. وقام الثوار، بدلا من تفجير خط أنابيب نفط مهم بين حقلي نفط عملاقين ومعمل التكرير، بلحم صمامين لإغلاقهما، ثم عينوا قوات حراسة هناك للتحقق من أنه لن يقم أحد بفتحهما حتى تنتهي الحرب.

«كل شيء يمكن إصلاحه، لأنه لا يوجد كثير من الأشياء بحاجة لإصلاح»، هذا ما قاله خالد راشد عن تكرير النفط في الزاوية. وتحدث قائلا «أعتقد أنها معجزة من السماء أن صناعتنا النفطية لم تتعرض لدمار تام».

وقال أبو الغاسن شنغير، مدير عام شركة النفط الوطنية لأعمال استكشاف وإنتاج النفط، إن الموظفين الليبيين العاملين بشركتي «هاليبرتون» و«بيكر هيوز» وغيرهما من الشركات الأجنبية الأخرى، تمكنوا من إتمام جميع الإصلاحات اللازمة حتى الآن. مضيفا «العمال يقنعون بالعيش من دون مكيفات هواء في الصحراء، مثلما يمكنهم أن يعيشوا تحت الحماية المسلحة من الميليشيات». وتلعب شركات النفط الأجنبية دورا من خلال مساعدة ليبيا في الحصول على شاحنات وأجهزة كومبيوتر وقطع غيار، وتوقع شنغير عودة الأعداد الضخمة من العمال الأجانب مجددا مع بداية العام المقبل. وأقر قائلا «لا يمكنني أن أقول إن بوسعنا أن نفعل كل شيء. يجب أن يعود بعض العاملين والخبراء المغتربين إلى أرض الوطن».

وقد بدأت الشركات الأجنبية العملاقة في مجال النفط، ومن بينها الشركتان الأميركيتان «ماراثون» و«هيث»، اللتان ترغبان بالطبع في العمل داخل ليبيا، في البحث عن فرص للتنقيب عن آبار جديدة بغية تحقيق أرباح.

وتوجه كل من رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، ووزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، جميعا إلى طرابلس بعد وقت قصير من تحريرها لمقابلة قادة بالحكومة المؤقتة، ويأمل مسؤولو شركة النفط الأجنبية في أن تساعدهم المقترحات الدبلوماسية في الفوز بعقود مربحة في المستقبل.

ومع ثبوت وجود احتياطي نفط يقدر بـ46.4 مليار برميل – أكبر احتياطي نفطي داخل أفريقيا – تعتبر ليبيا بمثابة كنز ثمين. لكن، من ناحية تاريخية، كانت الدولة مصدرا لإصابة شركات النفط الأجنبية بخيبة أمل. فأثناء فترة حكمه طويلة الأمد، منح العقيد القذافي للشركات الأجنبية حقوق التنقيب في مساحات صغيرة من الحقول، وجعلها توقع على اتفاقات تجعل معظم الأرباح تذهب إلى النظام، فيما تتحمل هي أغلب التكاليف. كما أدى فرض العقوبات الغربية على ليبيا على مر العقود إلى إبقاء معظم شركات النفط بعيدة حتى عام 2006.

والآن، ربما يبزغ فجر عهد جديد على دولة كانت تنتج ثلاثة ملايين برميل يوميا منذ 50 عاما – نحو ضعف الإنتاج في السنوات الأخيرة – وربما يعود ذلك إلى تلك المستويات العالية من الاستثمارات الضخمة وتوظيف التقنيات الحديثة في استغلال الحقول القديمة وتلك التي ما زالت بحاجة لاستكشاف الواقعة في أعماق الصحراء.

وقال الترهوني، وزير النفط الليبي، إن الأولوية الحالية للحكومة هي بدء عملية إنتاج النفط من جديد، وإنها ستترك أي عملية إعادة تفاوض بشأن عقود النفط الحالية أو إصدار عقود جديدة للحكومة التي سيتم انتخابها في المستقبل. وقال «لا أتوقع أن تتخذ الحكومة الانتقالية أي قرارات مهمة».

ويحاول سكاروني، الرئيس التنفيذي لشركة «إني»، بالفعل إبرام المزيد من الصفقات. فشركته، التي كانت تنتج 280.000 برميل نفط وغاز يوميا في ليبيا قبل الحرب، كانت أكبر منتج أجنبي للنفط، واعتبرت ليبيا مصدرا مهما لتحقيق الأرباح في السنوات الأخيرة. وزار سكاروني قيادة الثوار في بنغازي في أبريل (نيسان) الماضي، على متن طائرة هليكوبتر من مدرعة حربية إيطالية، وكان يتنقل جيئة وذهابا من وإلى ليبيا.

«الدول التي قد شاركت في مساعدة الحكومة الجديدة في الإطاحة بالقذافي ستربطها علاقة قوية بالدولة»، هكذا تحدث سكاروني، وأضاف «تظل ليبيا دولة نرغب في أن نكون فيها ونبقى بها، كما نرغب في زيادة إنتاجنا النفطي داخلها».

* خدمة «نيويورك تايمز»