مؤسسة «فيتش» تحذر من تداعيات أزمة الديون الأوروبية على بنوك أميركا

«جي بي مورغان» و«غولدمان ساكس» يكشفان عن تغطيات تأمينية لديون تفوق 5 تريليونات دولار

TT

حذرت مؤسسة «فيتش» للتصنيف الائتماني من المخاطر الكبيرة التي تواجه البنوك الأميركية بسبب أزمة الديون في أوروبا. وقالت المؤسسة إن هناك احتمالات قوية لخفض التصنيف الائتماني لهذه البنوك على خلفية الأزمة. ونقلت وكالة «بلومبرغ» الأميركية للأنباء عن المؤسسة التي تتخذ من نيويورك مقرا لها القول: «تعتقد (فيتش) أنه إذا لم يتم حل أزمة ديون منطقة اليورو في الوقت المناسب وبطريقة مناسبة فإن أفق التصنيف الائتماني بشكل عام للبنوك الأميركية يمكن أن يتدهور». وأضافت أن البنوك الأميركية لديها استثمارات يمكن استيعابها في الأسواق الأوروبية ذات المخاطر العالية وهي اليونان وآيرلندا وإيطاليا والبرتغال وإسبانيا، ولكن «انتشار العدوى (خارج هذه الأسواق) ينطوي على خطر جدي» بالنسبة للبنوك الأميركية.

الى ذلك كشف مصرف «جي بي مورغان تشيس آند كو» ومصرف «غولدمان ساكس» للمساهمين أمس أنهما باعا شهادات تأمين للديون تفوق قيمتها 5 تريليونات دولار. وشهادات التأمين تعني، في حال فشل المصدر لسندات الديون عن الدفع أو الدفع الجزئي، أن يقوم الطرف المؤمن بدفع القيمة الاسمية للدين. وينتظر المستثمرون في المصارف الأميركية أن تكشف البنوك الأخرى عن تعاملاتها في السوق المستقبلية الخاصة بتأمين سندات الديون ضد التخلف والدفع. ولم يكشف المصرفان عن أسماء الدول الحاملة للسندات.

وتهدد أزمة الديون الأوروبية تعافي الاقتصاد الأميركي الهش سريعًا. ورغم اتخاذ المؤسسات المالية الأميركية إجراءات لحماية أنفسها من المشاكل التي تواجهها أوروبا منذ فترة طويلة، فمن المحتمل أن يقوض التباطؤ المحتمل في أوروبا ثقة رجال الأعمال والمستهلكين في أميركا ويعزز سعر صرف الدولار مما يضعف القدرة التنافسية للصادرات الأميركية. في هذا الصدد يقول كريس فارفارس، المدير التنفيذي في شركة «ماكرو إيكونوميك أدفايسرز» التي تعمل في مجال التوقعات الاقتصادية: «يمكن أن يؤدي انتشار العدوى المالية إلى انتشار الركود سريعًا على مستوى العالم. وإذا تصاعدت الأزمة وامتدت إلى الأسهم والأصول الأميركية الأخرى المهمة، فيمكن أن نشهد فترة تباطؤ اقتصادي». وحسب صحيفة «نيويورك تايمز» يقول خبراء الاقتصاد إن الاقتصاد الأميركي سيواجه خطر موجة ركود جديدة في حال تفاقم المشاكل التي تعاني منها أوروبا حاليًا. وتعد أوروبا والولايات المتحدة من أهم اقتصاديات العالم وهناك تشابك وتداخل واضح وعميق بين مؤسساتهما المالية، حيث يربط بينهما أكبر شراكة تجارية ثنائية في العالم، ويمثلان معا نحو ثلث حجم التجارة في العالم.

وأعلن الاتحاد الأوروبي يوم الخميس الماضي عن عدم توقعه لحدوث أي نمو في دول الاتحاد الأوروبي خلال الربع الرابع من العام الحالي أو حدوث نمو لا يذكر في أفضل الأحوال، فضلا عن توقعه لحدوث انكماش ضئيل قدره 0.1 في المائة في دول منطقة اليورو التي يبلغ عددها 17 دولة والتي تستخدم عملة اليورو. ويتوقع الاتحاد نموا سنويا لا يُذكر قدره 0.5 في المائة عام 2012 في دول الاتحاد الأوروبي، محذرًا الدول الأوروبية من الانزلاق نحو ركود «عميق وطويل». والجدير بالذكر أن المفوضية الأوروبية توقعت خلال فصل الربيع أن تشهد أوروبا نموًا قدره 1.75 في المائة عام 2012.

وقال تيموثي غايتنر، وزير الخزانة الأميركي في اجتماع قمة منظمة التعاون الاقتصادي الآسيوي - الهادي: «تظل الأزمة الأوروبية هي محور التحدي الذي يواجهه النمو العالمي، فمن المهم أن تضع أوروبا سريعًا خطة فعّالة لاستعادة الاستقرار المالي». وأضاف: «لقد تأثرنا جميعًا بالأزمة الأوروبية».

وحاولت المؤسسات المالية الأميركية تحصين نفسها من خلال الحد من التعرض لمخاطر أسواق ديون دول منطقة اليورو استجابة لتعليمات واضعي السياسات النقدية الأميركية. على سبيل المثال، خفضت الصناديق الاستثمارية، التي تعد بديلا شائعا وذا عائدات كبيرة لودائع المصارف التي شهدت جمودًا في الأسواق المالية في أكتوبر (تشرين الأول) 2008، تعاملاتها مع مصارف الدول الأوروبية إلى أقل من النصف منذ مايو (أيار) بحسب تحليل صادر عن «جي بي مورغان» الأسبوع الحالي. وأشارت التحليلات إلى سماح أكثر مديري الصناديق الاستثمارية بإنهاء التعامل مع دول منطقة اليورو، لكن ربما لا تكفي هذه الإجراءات في حال انهيار المصارف أو حدوث ذعر في سوق السندات وهو ما قد يؤدي إلى تأثير كبير على الأسواق العالمية. وقال بن برنانكي، رئيس مصرف الاحتياطي الفيدرالي، الخميس الماضي في تكساس في معرض إجابته عن الأسئلة بعد إلقاء خطابه: «لا أعتقد أننا سنتمكن من تفادي عواقب أي انفجار في أوروبا». وفي ظل الإجراءات التي اتخذت مؤخرًا، لا يزال لدى النظام المالي الأميركي مليارات الدولارات المعرضة للخطر في المؤسسات الأوروبية. وأوضحت هيئة البحث التابعة للكونغرس في تقرير مفصّل إلى المشرعين في سبتمبر (أيلول) أن حجم تعاملات المصارف مع اليونان وآيرلندا وإيطاليا والبرتغال وإسبانيا، وهي أكثر الدول التي تعاني من عبء الديون في أوروبا، وصل إلى 641 مليار دولار. وأضاف التقرير أن انهيار أي مصرف أوروبي كبير قد يؤدي إلى انهيار مؤسسات مالية أميركية.

وبحسب تقديرات الهيئة، تجاوز تعامل المصارف الأميركية مع نظيرتها الألمانية والفرنسية 1.2 تريليون دولار بما يعادل نحو 10 في المائة من أصول المصارف التجارية في الولايات المتحدة. بالمثل، أشار بنك التسويات الدولية إلى أن العقود الاشتقاقية التي تملكها المصارف في الولايات المتحدة في منتصف العام الحالي من المصارف الأوروبية تقدر بـ757 مليار دولار وأن حجم القروض بلغ 650 مليار دولار.

وقال ستيفن وود، كبير المخططين الاستراتيجيين في «راسيل إنفيستمينتس»: «من الواضح أن أوروبا في حالة «بير ستيرنز» في إشارة إلى المصرف الاستثماري الذي انهار في بداية عام 2008 بدون إحداث ذعر عالمي واسع النطاق. وأضاف وود: «السؤال هو: هل سيصلون إلى مرحلة ليمان براذرز؟ لم يحدث هذا بعد، لكن السحب بدأت تخيم على المشهد. ويستفيد الدولار الأميركي والأسواق الأميركية حاليًا نسبيًا باعتبارها من مخازن القيمة الآمنة، لكن هذا سلاح ذو حدين، حيث سيؤدي إلى عواقب في أسواق رأس المال في حالة حدوث أزمة ائتمانية هائلة في أوروبا». منح استمرار الاضطرابات التي تشهدها أوروبا لأكثر من عامين المؤسسات المالية وقتًا للاستعداد على عكس ما حدث في الأزمة المالية عام 2008 عندما أدى انهيار مصرف «ليمان براذرز» إلى جمود في أسواق الائتمان. يمكن أن يحول هذا الاستعداد دون تكرار الأزمة المالية العالمية حتى وإن تفاقمت المشاكل التي تعاني منها أوروبا. مع ذلك يظل تأثير أزمة منطقة اليورو على الاقتصاد الأميركي واضحًا وكبيرًا على حد قول خبراء الاقتصاد، حيث تراجعت ثقة المستهلكين مرة أخرى مثلما حدث خلال الأزمة المالية في نهاية عام 2008 وبداية 2009. وقال ريان سويت، أحد كبار خبراء الاقتصاد في «موديز أناليتيكس»: «إذا بدأت البورصات تشهد تراجعًا، من المرجح أن يخفض المستهلكون الإنفاق مما سيؤدي إلى توقف مسار تعافي الاقتصاد. ونظرًا لهشاشة ثقة رجال الأعمال، يمكن أن يؤثر أي ضغط عليها سلبًا على التوظيف مما يزيد من معدل البطالة». وأدت مشاكل أوروبا، والتي تشمل احتمال انهيار منطقة اليورو، إلى تعزيز وضع الدولار مقابل اليورو، وإلى زيادة تكلفة الصادرات الأميركية. ووصل سعر صرف اليورو مقابل الدولار يوم الثلاثاء إلى أدنى مستوياته منذ شهر قبل تعافي الاقتصاد قليلا نهاية الأسبوع الحالي.

أما بالنسبة إلى اليورو، يقول عمر أيزنر، كبير المحللين في «كومنولث فورين إكستشانج» في واشنطن: «هناك مخاطر كثيرة ولا يساعد المستوى الحالي على توضيح مدى المخاطرة. أرى وجود احتمال كبير بارتفاع سعر السلع التي تعرض بالدولار. وأوضح جون بريسون، وزير التجارة، في مقابلة يوم الخميس مع وكالة «رويترز»: «حجم صادراتنا إلى أوروبا كبير، لكنه سوف يتراجع على ما يبدو في ظل الأزمة المالية الأوروبية».

خلال الأسابيع القليلة الماضية، قللت العديد من الشركات التي لديها تعاملات كبيرة مع أوروبا من سقف توقعات حجم أرباحها بسبب الاضطرابات التي تشهدها منطقة اليورو. ووصف توبياس ليفيكوفيتش، كبير المخططين الاستراتيجيين في «سيتي غروب» في بحث خلال الأسبوع الحالي، المؤشرات الأولية بتراجع المبيعات بـ«المثيرة للقلق» بالنسبة للشركات التي لها تعاملات كثيرة في أوروبا. ومن هذه الشركات «جنرال إلكتريك» و«ماكدونالدز». ومن أكثر القطاعات عرضة للخسارة شركات صناعة السيارات ومكوناتها والتي يمثل حجم مبيعاتها في أوروبا 30 في المائة من إجمالي حجم مبيعاتها. وكذلك من المحتمل أن تتأثر شركات الأغذية والتبغ. وصرحت شركة «جنرال موتورز» يوم الثلاثاء بأنها تتوقع تكبد خسارة في المنطقة خلال العام الحالي. ويُعزي دانيال أكيرسون، الرئيس التنفيذي لـ«جنرال موتورز» هذا التوقع إلى «المستنقع» الأوروبي. وفي ضوء الخطر الذي تمثله الأزمة الأوروبية على الولايات المتحدة، حثّ واضعو السياسات أوروبا على معالجة هذه المشاكل فورًا. وقال غايتنر يوم الخميس إن قادة الدول الأوروبية وضعوا «إطارا جيدا» للتعامل مع الأزمة في نهاية الشهر الماضي، لكنه أوضح قائلا: «من الضروري تنفيذه بالسرعة التي تحتاجها الأسواق وبالقوة التي تتيح استعادة الثقة».