مخاوف من ضائقة ائتمان في منطقة اليورو

وسط تسابق البنوك والمؤسسات العالمية على بيع السندات الأوروبية

TT

يسارع المستثمرون في جميع أنحاء العالم لتفادي خطر ديون الحكومات والمصارف الأوروبية، مما يزيد من مخاطر تضييق الائتمان التي قد تؤدي إلى حدوث هبوط حاد في الاقتصاد العالمي.

وتقوم المؤسسات المالية بإغراق السوق بما تملكه من كم ضخم من السندات الحكومية الأوروبية وتتجنب إصدارات السندات الجديدة من قبل دول مثل إسبانيا وإيطاليا. كذلك قررت العديد من تلك المؤسسات عدم تجديد القروض قصيرة الأجل للبنوك الأوروبية، التي تحتاج إليها لتمويل عملياتها اليومية. وإذا ما استمر هذا الاتجاه، فسيهدد بحدوث ارتفاع في تكاليف الإقراض وانخفاض حاد في النفقات وبطء عملية النمو، وهي عواقب من الصعب التخلص منها، ولا سيما أن بعض المصارف الأوروبية تواجه بعض المشاكل في الوفاء باحتياجاتها التمويلية. وقال بيتر أر فيشر، نائب رئيس شركة «بلاك روك» لإدارة الأصول ومسؤول بارز سابق في إدارة الخزانة الأميركية في إدارة كلينتون: «إنها حلقة مروعة». وقد ظهرت سياسة التراجع، التي تزداد بصورة يومية تقريبا، نتيجة لمخاوف من احتمال عجز بعض الدول الأوروبية عن سداد قيمة سندات قروضها، مما سيؤدي إلى إلحاق الضرر بالمصارف التي تملك كما كبيرا من تلك السندات. كما سيؤدي ذلك أيضا إلى زيادة الضغط الملقى بالفعل على البنك المركزي الأوروبي لاتخاذ إجراء أكثر شراسة. وقد حمل ماريو دراغي، رئيس البنك الجديد، يوم الجمعة، القادة الأوروبيين مسؤولية استغلال حزمة الإنقاذ المالي المنتظرة منذ وقت طويل لحل الأزمة، رافضا ضمنيا المطالبات الموجهة للبنك المركزي الأوروبي بأن يصبح «المقرض الأخير» للمنطقة.

وقد امتدت أزمة الديون والمصارف الأوروبية إلى جميع أنحاء العالم. وأصبحت مؤسسات مالية مثل «المصرف الملكي الاسكوتلندي» وصناديق التقاعد في هولندا من أكبر بائعي الأسهم في الأيام الأخيرة. وفي وقت مبكر من هذا الشهر، قامت شركة «كوكوساي» اليابانية لإدارة الأصول ببيع نحو مليار دولار من الدين الإيطالي.

في الوقت نفسه، تراجعت مؤسسات أميركية عن منح قروض حتى لأكثر المصارف قوة في أوروبا. وعندما حان موعد استحقاق شهادة الإيداع التي تبلغ قيمتها 300 مليون دولار، والتي يحملها صندوق «الأسواق المالية الرئيسية» الذي يبلغ رأس ماله 114 مليار دولار والتابع لمؤسسة «فانغارد» التابعة لمؤسسة «رابوبنك»، في التاسع من نوفمبر (تشرين الثاني)، قررت مؤسسة «فانغارد» أن تترك القرض حتى تنتهي صلاحيته وأن تقوم بتحويل الأموال خارج أوروبا.

يذكر أن مؤسسة «رابوبنك» تحظى بتصنيف ائتماني ممتاز (AAA) كما تعد واحدة من أقوى مصارف العالم. وقال ديفيد غلوك، رئيس صناديق الأسواق المالية في مؤسسة «فانغارد»: «هناك حساسية شديدة من الوجود في أوروبا، فعندما يرتفع صوت الضوضاء، من الأفضل أن تراقب من الخارج بدلا من أن تشارك في اللعبة».

وقد ظهرت أدلة حديثة تشير إلى أن الحكومات أيضا تواجه إضرابا من المشترين يوم الخميس، عندما جاء رد الفعل المخيب للآمال إزاء قيام إسبانيا بطرح سندات مدتها عشر سنوات إلى ارتفاع الأسعار بنسبة 7 في المائة تقريبا، وهو رقم قياسي جديد. وقد قوبل مزاد السندات الفرنسي برد فعل فاتر.

وذكر المتداولون أن عددا قليلا من المشترين الدوليين تقدم في المزادات. ولم يتمكن البنك المركزي الأوروبي من شراء سندات من الحكومات مباشرة، غير أنه يشتري دين منطقة اليورو من السوق الحرة. وقد استقرت أسعار السندات نوعا ما يوم الجمعة، مع ارتفاع أسعار السندات الإيطالية بنسبة 6.6 في المائة وارتفاع السندات الإسبانية بنسبة 6.3 في المائة، بينما كان كل منهما أقل من 5 في المائة في وقت مبكر هذا العام.

وبالنسبة لإسبانيا، فإن الارتفاع الأخير في الأسعار يعني الاضطرار إلى إنفاق 1.8 مليار يورو (2.4 مليار دولار) إضافية سنويا وذلك لتضييق فرص الاختيار أمام القادة الأوروبيين. أما بالنسبة لإيطاليا، فإن كل زيادة قدرها 1 في المائة في الأسعار تعني نحو 6 مليارات يورو (نحو 8 مليارات دولار) في التكاليف الإضافية سنويا، وذلك وفقا لمصرف «باركليز كابيتال».

وإذا ما قام المسؤولون بتقليل النفقات لدفع تكاليف الفائدة الإضافية، فسوف يواجهون تداعيات اقتصادية في بلادهم. أما إذا ما تجاهلوا سوق السندات، فقد يجدون أنفسهم غير قادرين على الاقتراض وسداد قيمة سنداتهم. وكلا الخيارين سيؤدي إلى تضييق فرصة النمو في أوروبا، كما سيهدد استقرار مصارف القارة، التي من الممكن أن تقوم بتقليل الطلب والثقة التجارية في الولايات المتحدة وفي دول العالم.

وذكر الخبراء أن دائرة القلق، التي أجبرت على البيع وأدت إلى زيادة تكاليف النفقات تذكر بالشهور التي سبقت انهيار «ليمان براذرز» عام 2008، عندما تحولت المخاوف بشأن الرهونات العقارية في الولايات المتحدة إلى أزمة سوق عالمية. ومثلما أكد الساسة الأميركيون للشعب حينئذ أنه من الممكن احتواء المشاكل العقارية، فقد كان القادة الأوروبيون يعتقدون حتى وقت قريب أن المشاكل المالية التي تعاني منها دولة صغيرة مثل اليونان لن يمتد تأثيرها لدول أخرى.

ولكن بعد إفلاس شركة «إم إف غلوبال» في الشهر الماضي، نتيجة لتعرضها إلى 6.3 مليار دولار من الديون الأوروبية، تسابقت المؤسسات الأخرى لتطهير محافظها من الاستثمارات المماثلة. وقال كريستيان ستراك، رئيس أبحاث الائتمان لشركة «بيمكو»: «إن هذا هو مجرد تكرار لما رأيناه في عام 2008، حينما كان الجميع يرغبون في التخلص من الأصول الضارة، وحذفها من دفاتر موازنة المصارف».

وقد اتسمت عملية بيع السندات الأوروبية بنفس القدر من الحدة، حيث تسارعت وتيرتها في الربع الثالث، وفقا لتقرير بحثي أصدره مصرف «غولدمان ساكس»، فقد قلصت البنوك الأوروبية من درجة تعرضها لإيطاليا بأكثر من 26 مليار يورو في الربع الثالث، على سبيل المثال. وكانت البنوك الفرنسية، مثل «بي إن بي باريبا» و«سوسيتيه جنرال»، التي تضررت أسهمها مؤخرا بسبب أرصدتها من الديون السيادية، ضمن أكبر البائعين. وقد أصبحت البنوك الأميركية مترددة، في الوقت نفسه، من إقراض المؤسسات الأوروبية بسبب مخاوف مماثلة، حيث أحجم نحو ثلثي البنوك الكبرى التي كانت تقدم قروضا إلى أوروبا عن إقراض نظرائهم الأوروبيين، وفقا لأحدث استطلاع أجراه المسؤولون عن القروض في الاحتياطي الفيدرالي.

وقد أصبحت صناديق أسواق المال الأميركية، التي تعد منذ زمن طويل أحد الموردين الرئيسيين للدولارات بالنسبة للمصارف الأوروبية، من خلال القروض قصيرة الأجل، مترددة هي الأخرى، حيث قلل مديرو الصناديق حجم أرصدتهم من الأوراق المالية التي تصدرها المصارف في منطقة اليورو بمقدار 261 مليار دولار في شهر مايو (أيار)، وهو ما يمثل انخفاضا بنسبة 54 في المائة، وفقا للبحث الذي أجراه مصرف «جي بي مورغان تشيس».

وقد بدأت المزيد من المؤسسات في بيع أرصدتها من الديون السيادية، نتيجة لارتفاع تكاليف الاقتراض، وهو الأمر الذي أدى إلى خلق حالة مؤقتة من الفزع أدت إلى انخفاض أسعار السندات وارتفاع العائدات بسرعة مذهلة، مما يؤدي إلى المزيد من عمليات البيع. وفي حالة إيطاليا فقد ارتفعت العائدات على سندات الـ10 سنوات إلى مستوياتها الحالية في غضون شهر واحد فقط، وهو ما يعد تغيرا هائلا وفقا لمعايير سوق السندات الحكومية.

وتقوض ديناميكية هبوط أسعار السندات أيضا الأوضاع الخاصة برؤوس أموال المصارف، نظرا لأنها تعد من أكبر حائزي السندات الحكومية في كثير من البلدان، حيث يؤدي انخفاض قيمة تلك الأصول إلى خفض البنوك للقروض التي تمنحها وزيادة حجم رأس المال الذي تحتفظ به، مما يزيد من احتمالات حدوث كساد.

* ساهم كل من غراهام بولي وليز ألدرمان في كتابة هذا التقرير.

* خدمة « نيويورك تايمز »