إسبانيا تعاني من ضغط الأسواق.. والجميع يقول: إسبانيا ليست إيطاليا

الشعور السائد في أوروبا وداخل البلاد أن «ناقوس الخطر لم يدق بعد»

ما زال الإسبان يشعرون أن الأزمة المالية لم تدق نواقيس الخطر في بلادهم (أ.ب)
TT

شهدت إسبانيا هذا الأسبوع أسوأ انكماش اقتصادي منذ بداية الأزمة الاقتصادية، فتمكنت من بيع سندات قيمتها 3.5 مليار يورو، مع دفع أكبر سعر فائدة منذ عام 1997، أكثر من 7 في المائة.

وقد ترك ذلك الموقف، إضافة إلى علاوة مخاطر السند الألماني التي تجاوزت 500 نقطة، الدولة في وضع خطير يتطلب إنقاذا عاجلا. وعلى الرغم من ذلك فإن الشعور السائد في أوروبا وداخل إسبانيا هو أنه لم يدقّ ناقوس الخطر بعد.

بالفعل وصلت دول مثل البرتغال وآيرلندا واليونان إلى هذه الأرقام قبل أيام من إعلان الاتحاد الأوروبي عنها، ولكن من الصحيح أيضا أن علاوة المخاطر الإيطالية كانت تتأرجح بقيمة 560 نقطة، ولم يذكر أحد كلمة «الإنقاذ» البغيضة.

يؤكد المسؤولون السياسيون الإسبان، من جميع التيارات السياسية، أن «إسبانيا ليست مثل إيطاليا»، ليس فقط من حيث نسبة ديون كل منهما (120% من الناتج المحلي الإجمالي في حالة إيطاليا، مقارنة بـ60% في إسبانيا، نسبة مماثلة لحجم الدين في ألمانيا وفرنسا).

وتكمن المشكلة في أن ما يطلق عليها «أسواق» تضع الدولتين في سلة واحدة، الأمر الذي يضر بمدريد ويقود إلى هذه المواقف السيئة.

في مقال نشر في صحيفة «فايننشيال تايمز» الاقتصادية، تم التأكيد على فكرة أن الوضع السياسي والاقتصادي، بل وحتى الاجتماعي، في الدولتين مختلف تماما. في حقيقة الأمر، ستجرى في إسبانيا بعد أسبوع انتخابات عامة، وستسمح بتغيير الحكومة من دون إلزام أي مسؤول بالتقاعد أو من دون دخول خبير محترف في الحكومة، مثل ما حدث في إيطاليا.

الاقتراعات تظهر أن حزب المحافظين سيحرز الفوز، الذي سيواصل الإصلاحات والتخفيضات، ومن ثم ستستمر الدولة في السعي لتحقيق الاستقرار السياسي. إضافة إلى ذلك، لن تواجه الدولة معدلا مرتفعا في سداد قيمة السندات حتى أبريل (نيسان)، الأمر الذي يمنح حدا للمخاطرة للرئيس الجديد.

على الرغم من ذلك فإن إسبانيا تعاني من عيب بسيط مقارنة بإيطاليا. إسبانيا لا تملك الموارد الخاصة نفسها التي تملكها إيطاليا، فهي مثقلة بالديون، كما انخفضت نسبة الاستهلاك المحلي بها بشكل حاد، وهي فجوة أشير إليها بالفعل في المراجعات التي تقوم بها الدولة لنسبة النمو حتى الربع الأخير من العام. نسبة 0.7 في المائة مقارنة بتوقع نسبة 1.3 في المائة.

ما الحل؟ بعد بضع ساعات من وصول علاوة المخاطر الإسبانية إلى قيمة مرتفعة، بدأ الفارق يعود إلى المستوى الطبيعي هذه الأيام (450 نقطة). وشرح المستثمرون أن هذا الانخفاض كان ناتجا عن الشراء المزعوم لسندات الدين الإسباني في السوق الثانوية من قبل البنك المركزي الأوروبي، على الرغم من أنه لم يتم الحصول على معلومات مؤكدة من البنك بعد.

في حقيقة الأمر، هذا تحديدا ما يطالب به الرئيس الإسباني خوسيه لويس رودريغيز ثاباتيرو، البنك المركزي الأوروبي، بقوله: «يجب أن يتدخل، ولكن يجب أن يكون ذلك الآن».

لقد ظل رودريغيز ثاباتيرو متوخيا الحذر الشديد هذه الأسابيع أثناء الحملة الانتخابية نظرا لأنه ليس مرشح حزبه، ولا يرغب في التدخل في عمل زميله ألفريدو بيريز روبالكابا.

على الرغم من ذلك فإنه في يوم الخميس الماضي، أثناء مشاركته في حشد انتخابي، لم يستطع التزام الصمت قبل أن تهدد الضغوط الدولية دولته، وشدد على أن الحل يجب أن يأتي من البنك المركزي الأوروبي مطالبا إياه باتخاذ إجراء فوري حاسم.

وقال ثاباتيرو إن «أوروبا هي الحل للعودة إلى الاستقرار لأن المشكلات لا تحل بتغيير الحكومات. ينبغي أن تكون الحكومة الأوروبية هي الكيان الذي يتخذ القرارات في كل شيء، فمن أجل هذا نقلنا إليها جزءا من سلطتنا الوطنية، وينبغي أن يكون البنك المركزي الأوروبي بنكا فعليا يدافع عن سياسة مشتركة للمنطقة».

فعليا، كانت إسبانيا تتلقى رسائل من بروكسل لتهدئة ضغوط السوق، وتمتدح الإصلاحات التي أقامتها إسبانيا بالفعل والتي تؤكد على أن الأرقام ليست بنفس السوء الذي حاولوا إظهاره. وقال رئيس مجموعة اليورو، جان كلود جانكر، بعد ساعات من بدء التوترات ضد بعض الدول الأوروبية: «تمتلك ألمانيا معدلات دين أعلى من إسبانيا، لكن الاختلاف الوحيد بين الدولتين هو أن الجميع هنا في ألمانيا يبدو أنهم لا يرغبون في معرفة ذلك».

وأضاف سباتيرو: «لقد رفضت إسبانيا ونجحت في القيام بجهود لخفض العجز في الميزانية والحفاظ على دعائم التلاحم الاجتماعي على خلاف ما حدث في البلاد الأخرى».

وقد أوضحت وزيرة المالية الإسبانية، إيلينا سلغادو، بالفعل أن استدامة إسبانيا أمر غير قابل للشك، وأن الموقف إنما هو ناتج عن التوتير الذي أدى إلى هذه الشكوك، وأصرت على رفض حاجة إسبانيا إلى خطة إنقاذ.

وعلى الرغم من الفوائد المرتفعة التي ستضطر إسبانيا إلى دفعها، أكدت سلغادو على أن الميزانية الكلية خصصت 27.000 مليون يورو لهذا الغرض، وأنها ستحتاج في النهاية إلى دفع 24 مليار يورو هذا العام. لكن الشارع الإسباني يحس بالقلق بشأن ما يحدث في سوق الأسهم.

ويأمل الكثير منهم في أن تقدم الحكومة الجديدة التي يقودها ماريانو راخوي، المرشح المحافظ، حلولا لتوفير المزيد من الوظائف التي تشكل الهاجس الأكبر لدى المواطنين.

وقد شهد الخميس الماضي هتافات عفوية لماريانو راخوي في وسط حشد انتخابي كمثال على ما يدور في الشارع، حيث قال المجتمعون: «لقد أنهكنا». وكان رد راخوي غير مطمئن فقال: «نعم، لقد أنهكنا لكننا سنخرج من هذا المأزق».

المشكلة هي أنه لا أحد يعرف كيف ستخرج إسبانيا من هذا المأزق، فالمحافظون لم يطرحوا على الطاولة حلا آخر يمكن أن يخفض ويقدم مزيدا من التخفيضات في الوقت الذي بدأ الناس يدركون فيه أنهم لا يملكون الكثير من المال للإنفاق والاستهلاك في بلاد توشك على التوقف بلا حراك.

وتقول ماريا البالغة من العمر 50 سنة، والحاصلة على درجة الدكتوراه في الأحياء، إنها عملت أربع سنوات في جامعة مدريد كزميل، ومن ثم فهي لا تملك الحق في الحصول على إعانة اجتماعية للبطالة، وإنها لا توجد لديها وظيفة، وتقول: «لدي ثلاثة أطفال وجئت للبحث عن أي عمل في الوظائف العامة ولكني لم أعثر على أي شيء. أنا بحاجة إلى العمل في أي وظيفة».

ويعتبر الوضع يائسا بالنسبة لخمسة ملايين شخص يعانون من البطالة، وتحول في الوقت ذاته إلى مدعاة للقلق بالنسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة. وقال جوزيف، الذي يدير متجرا للحوم في العاصمة الإسبانية: «الناس لا يشترون، وبالتالي فإن الشركات تخسر».

المضحك هو أن هذا الوضع الخانق للمواطنين قد تبدل إلى محادثات في المشارب والحانات، ففي الوقت الراهن لا يتوقع أن نسمع أحاديث عن كرة القدم أو مدريد وبرشلونة، وحتى عن ميسي وكريستيانو رونالدو، ومن الآن يمكن فقط سماع الأحاديث عن علاوة الخطر، والديون الإسبانية، أو عن إقالة ذلك الصديق، أو الضغوط المالية التي تعانيها تلك العائلة.

وتتأسف كارمن، متقاعدة ترعى ابنتها وزوج ابنتها وحفيدتها براتب تقاعدها، قائلة: «في البداية كان الناس لا يدركون حقيقة الوضع، ولكن هناك الآن الكثير من العائلات التي لديها عاطلون عن العمل، والأشخاص غير القادرين على دفع أقساط المنزل أو ربما كان المصرف الآن هو صاحب الشقة، وهم اضطروا إلى العودة للعيش مع والديهم... ولا أحد يدري ما يحمله لنا عيد الميلاد القادم». وقد حذر الخبراء بالفعل من أن الاستهلاك لن يعود إلى النشاط حتى في هذه الاحتفالات.