رئيس الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب يدعو لمشروع «مارشال» في بلدان «الربيع العربي»

حذر من تحول «الربيع العربي» إلى شتاء اقتصادي قارس

جانب من افتتاح المؤتمر المصرفي العربي الذي بدأ أعماله في بيروت أمس (رويترز)
TT

دعا رئيس الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب الدكتور جوزف طربيه إلى إطلاق مشروع «مارشال عربي»، لإعادة الإعمار ورعاية مشاريع التنمية الاقتصادية والبشرية وتسريع التحول إلى الاستقرار في بلدان «الربيع العربي».

وحذر من تحول «الربيع العربي» إلى شتاء اقتصادي قارس بعد تراكم مؤشرات مقلقة، حيث تراجعت الاستثمارات الوافدة إلى المنطقة العربية خلال الأشهر المنقضية من عام 2011، بنحو 83 في المائة، منحدرة من أكثر من 20 مليار دولار إلى نحو 4.8 مليار دولار نتيجة أجواء عدم الاستقرار الإقليمي. كما سجل تراجع حاد في نمو المصارف في المناطق التي شهدت اضطرابات وثورات.

وتأتي هذه الدعوة في وقت تتصاعد فيه التحركات الاقتصادية والمصرفية العربية الهادفة إلى مواكبة الوقائع المستجدة في البلدان التي تشهد تحولات، والبحث المبكر عن فرص مواتية للتوظيف والاستثمار في قطاعات حيوية كانت محكومة بواقع سياسي غير ملائم، أو كانت شبه مغلقة أمام القطاع الخاص.

ويرتقب أن تشهد العاصمة الليبية، في أول شهر من السنة المقبلة، أول تحرك ميداني اقتصادي عربي. حيث تم التوافق بين اتحاد الغرف الليبية ومجموعة الاقتصاد والأعمال على تنظيم مؤتمر شامل، بحيث يمكن للحكومة الليبية الجديدة اعتماده كمنصة للإعلان عن توجهاتها الاستراتيجية الاقتصادية والمالية، وعرض الفرص المتاحة للاستثمار.

وأكد مصدر مصرفي عربي، فضل عدم الكشف عن هويته حاليا، لـ«الشرق الأوسط»، أن العديد من المصارف العربية، وبينها مصارف لبنانية، بدأت فعلا استكشاف إمكانية حيازة رخص قانونية لفتح فروع، أو تأسيس بنوك خاصة في السوق الليبية، وثمة أجواء إيجابية ومشجعة ينتظر أن تتبلور أكثر ضمن الخطوات التي ستقررها الحكومة الليبية الجديدة. كما تعمل هذه المصارف على عقد شراكات مبكرة مع مستثمرين ومتمولين ليبيين.

وإذ اعتذر عن عدم تحديد أسماء هذه المصارف، فقد صرح بأن عددها غير قليل، و«غالبيتها لبنانية وخليجية تملك المرونة الكافية لاتخاذ قرارات سريعة، كما تحوز الإمكانات البشرية والمالية والتقنية المناسبة لتنفيذ الوجود المباشر خلال فترة قصيرة تلي الحصول على الرخصة».

ويعتقد بأنه «من الضروري وجود المصارف الخاصة بموازاة الشروع في مرحلة إعادة البناء والإعمار بهدف إعادة جمع المدخرات الوطنية، وكونها القناة الأسلم لعبور التوظيفات والاستثمارات الخارجية».

ولاحظ «أن ليبيا مؤهلة لتكون أكثر الأسواق العربية جذبا للاستثمارات والتوظيفات في العام المقبل في ضوء الانفتاح الاقتصادي المتوقع أن تكرسه الحكومة الجديدة ضمن تظهير الركائز الأساسية للحكم الجديد. فيما يقدر أن تشمل الفرص المتاحة أغلب القطاعات وفي مقدمها صناعة النفط والغاز والبنى التحتية الرئيسية التي تعرضت لأضرار كبيرة طوال أشهر الصراع المسلح، كذلك سائر قطاعات الإنتاج من صناعية وزراعية ومالية ومصرفية التي كانت أصلا في أدنى مستويات الأداء، مع ترجيح نسبي مستقبلي لقطاع السياحة الذي كان غائبا تماما عن بلد يملك مقومات سياحية تفاضلية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا».

ولفت طربيه، في افتتاح المؤتمر المصرفي العربي في بيروت الذي بدأ أعماله أمس في بيروت برعاية رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، مع تسجيل غياب أسماء بارزة سبق الإعلان عن مشاركتها وفي مقدمها أمين عام جامعة الدول العربية نبيل العربي، إلى أن «خفض التدفقات المالية والاستثمارات والزيادة في عجز الموازنات، يستتبع تدهورا في مجالات أخرى كخفض النمو الاقتصادي وارتفاع التضخم والبطالة، وازدياد المديونية العامة، وخفضا في الاحتياطات الأجنبية، وكذلك في قيمة العملة، وارتفاع أسعار الفوائد، وخفض نمو الودائع، وهبوط الأسواق المالية، وخفض التصنيف السيادي».

وقال: «إننا ندعو إلى قيام صندوق تمويل عربي تدعمه الدول العربية الغنية، على غرار مشروع (مارشال) الذي أقامته الولايات المتحدة الأميركية لإعادة إعمار أوروبا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. فإن لم تتبع الثورات السياسية في عالمنا العربي، إصلاحات مؤسساتية ونمو اقتصادي وإنساني، تذهب سدى جهود الشعوب في سعيها إلى الحرية والديمقراطية والازدهار، وتحل بدلا من ذلك النقمة والفقر والتخلف والتطرف القابل للانتشار والعدوى. وحسنا فعلت دول الخليج العربي عندما بدلت أولوياتها الاقتصادية، حيث أصبح الإنفاق الاجتماعي من سكن، ورعاية اجتماعية، وزيادة رواتب في مقدمة برامج الإنفاق، وأن المرتجى أن تجري مساعدة الاقتصادات العربية الأخرى على السير في الاتجاه نفسه».

ولاحظ حاكم «مصرف لبنان» رياض سلامة أن «العالم يعيش أزمات متكررة تطال القطاع المالي وتؤدي إلى تباطؤ اقتصادي وزيادة في البطالة. وقد أرغم إفلاس المصارف وإفلاس الدول، المصارف المركزية على اعتماد مبادرات خارجة عن نمط عملها التقليدي بهدف الحفاظ على الثقة. كما تقوم بشراء السندات السيادية والتجارية وحتى الأسهم والشركات».

وأشار إلى أن حكومات مجموعة العشرين أدركت أهمية توحيد أو تنسيق عمل المؤسسات الرقابية. كما استحدثت هيئات للاستقرار لتسليف الدول والمصارف، ولكن هذا لن يغني عن انخراط المصارف المركزية في تمويل هذه القطاعات، حيث إن البنك الفيدرالي الأميركي والمصرف المركزي الأوروبي والمصرف المركزي البريطاني تتصدر المكتتبين في الإصدارات السيادية في دولها ومنبع السيولة للقطاع المصرفي بعد تعطل التسليف المصرفي (interbank).

واستنتج أن المصارف في العالم العربي تواجه هذا الواقع بالإضافة إلى ثورات واضطرابات ترفع المخاطر الائتمانية، وتبقى الدراية هي الأساس في مثل هذه الظروف. فنحن «نعيش الآن في عالم يصعب التوقع فيه بما سيحدث ماليا واقتصاديا، إذ أصبحت مؤسسات التقييم والصناديق الاستثمارية تتحكم بالأسواق المالية، وغدت هي من يقرر نسب المخاطر والفوائد، وبالتالي المستقبل السياسي والاقتصادي في الدول».

واعتبر رئيس اتحاد الغرف العربية عدنان القصار، أنه «إذا كانت السياسة هي سمة المرحلة العربية الراهنة، فإن الاقتصاد هو الحاضر والمستقبل. وأما المال فهو عصب الإنتاج والبناء للمستقبل، والجهاز المصرفي يعمل عبر سوق المال من أجل اجتذاب الأموال وتوجيهها نحو المشاريع الإنتاجية، التي بدورها تخلق فرص عمل، وتزيد الدخل والتوفير والاستثمار. ومن هنا فإن تطوير سوق المال يأتي في مقدمة الأمور التي يجب العناية بها لمواجهة تحديات التحولات الراهنة».

ورأى «أن المرحلة تاريخية، ومفصلية، ويتعين علينا جميعا في مختلف القطاعات أكانت اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية، أن نكون عند مستوى المرحلة، وأن يكون القطاع المصرفي ركنا ناشطا وفاعلا، وإيجابيا، ومقداما في رفد طموحات الناس أينما كانوا. ففي النهاية يعود الناس إلى الاقتصاد، إلى تحديات الحياة اليومية والمعيشية. وعلينا أن نكون جاهزين لملاقاتهم في مرحلة إعادة التكوين والبناء، فنحن جزء أساسي من حراك المجتمعات العربية».

ولاحظ رئيس اتحاد المصارف العربية عدنان يوسف أن التحولات الناتجة عن الثورات أو الاضطرابات لا تقتصر على الجوانب السياسية، بل تتعداها إلى الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والمالية، فـ«بالنسبة للنواحي الاقتصادية، فإننا نشهد ضغوطا كبيرة نتيجة الأحداث، وخاصة في المالية العامة للدول نتيجة الانخفاض الكبير في إيرادات الحكومات، مع توجه إلى زيادة النفقات والتقديمات الاجتماعية. يضاف إلى ذلك ضغوط على موازين المدفوعات نتيجة انخفاض التدفقات المالية الداخلة (وخاصة الإيرادات السياحية والاستثمار الأجنبي المباشر)، مقابل ارتفاع التدفقات المالية الخارجة بسبب سحب جزء من الاستثمارات».

وقال «إن انخفاض التدفقات المالية والاستثمارات والزيادة في عجز الموازنة يستتبع تدهورا في مجالات أخرى كانخفاض النمو الاقتصادي وارتفاع التضخم، والبطالة، وازدياد المديونية العامة، وكذلك انخفاضا في الاحتياطات الأجنبية، وانخفاضا في قيمة العملة وارتفاع أسعار الفوائد، إضافة إلى انخفاض في نمو ودائع القطاع المصرفي، وهبوط في الأسواق المالية، وانخفاض في التصنيف السيادي».

وفي النطاق ذاته نبهت توصيات صادرة عن «ملتقى لبنان الاقتصادي» أعلنتها مجموعة الاقتصاد والأعمال، إلى أنه «سيكون للبطالة المنتشرة بين أوساط شريحة الشباب العربي الذين يشكلون نحو 40 في المائة من السكان، تأثيرات خطيرة على مجمل البلدان العربية، والنظام التعليمي في البلدان العربية هو من بين الأسوأ عالميا».

واعتبرت أن «تردي الأوضاع الاقتصادية وسوء توزيع الثروات شكلا دافعين أساسيين لتفجر النقمة الشعبية بوجه الأنظمة العربية، والتنمية الاقتصادية التي لا تحقق نتائج ملموسة لدى الطبقات العاملة في البلدان العربية لن توفر الأمن والسلم الاجتماعيين». كما أن «(الربيع العربي) كشف عن مدى الاهتراء في بعض المؤسسات العربية المشتركة التي باتت تحتاج إلى إعادة نظر جذرية في دورها وأهدافها، وهذه المؤسسات بحد ذاتها تحتاج إلى (ربيع) مماثل».

ودعت لـ«الاستثمار في ليبيا والمشاركة في عملية إعادة إعمار البلاد التي تفتقر إلى الكثير من البنية التحتية والمشاريع الإنمائية رغم كونها دولة تمتلك الموارد وتزخر بالفرص. كذلك التشديد على وجوب احترام الأموال الليبية من قبل الدول التي تملك فيها ليبيا مشاريع استثمارية وضرورة حفظ حقوق الشعب الليبي فيها».