المصريون خارج ميدان التحرير يريدون «ثورة اقتصادية»

الصادرات انخفضت 80% منذ يناير والناس يبحثون عن وظائف

متظاهرون من هيئة النقل العام يتظاهرون في أحد أحياء القاهرة («نيويورك تايمز»)
TT

عبد الله رزق موظف شاب في شركة لقطع غيار السيارات في وسط القاهرة يؤيد قلبا وقالبا مطالب الشباب الذين يتظاهرون في ميدان التحرير على بعد خطوات من مكتبه لكن هذه «الثورة الثانية» تؤثر على سير أعماله.

يقول عبد الله لوكالة الصحافة الفرنسية وهو شاب في السادسة والعشرين من مكتبه القريب من شارع رمسيس الرئيسي في وسط القاهرة، «في يناير شاركت في المظاهرات المطالبة برحيل نظام مبارك وكل ما يمثله. لكن اليوم لم نعد في حاجة إلى ثورة». ويضيف «نريد اقتصادا منتجا.. هذا هو التغيير الذي نحتاجه».

وهو يعبر بذلك عن شعور الكثير من المصريين الذين يتعاطفون مع المتظاهرين المطالبين منذ أيام برحيل المجلس العسكري لكنهم يريدون في الوقت نفسه عودة الاستقرار حتى تمضي البلاد قدما. ويسود الوجوم العاملين في العشرات من شركات الاستيراد والتصدير المتخصصة في المعدات والآلات الميكانيكية التي يمتلئ بها هذا الشارع بوسط القاهرة وهم يقفون خارج محلاتهم في انتظار الزبائن. ويقول عبد الله إن «صادراتنا انخفضت بنسبة 80 في المائة منذ يناير (كانون الثاني) الماضي مع انطلاق الانتفاضة الشعبية ضد نظام مبارك». وهو يرى أن المواجهات التي أوقعت 41 قتيلا في ستة أيام في مختلف أنحاء البلاد «حقيقة ليست في مصلحة البلد (..) مصر ليست ميدان التحرير».

ويقول «بالتأكيد هناك فساد وظلم وكل هؤلاء الناس الذين نريد أن يغادروا السلطة»، في المجلس العسكري برئاسة المشير محمد حسين طنطاوي الذي يطالبه المتظاهرون بتسليم الحكم فورا لسلطة مدنية، ويضيف «لكن لا يمكن تغيير الأمور في ليلة وضحاها.. يجب أن نصبر قليلا». ومع عودة التوتر خفضت وكالة التصنيف الائتماني «ستاندرد أند بورز» التصنيف السيادي لمصر درجة من «بي بي» إلى «بي+» مع توقعات سلبية.

وقد عانى عبد الله لمدة أربع سنوات بعد تخرجه من البطالة التي كانت من الأسباب الرئيسية التي دفعت الشباب إلى التظاهر ضد مبارك. ويقول إن «أصدقائي وهم من خريجي كليات الهندسة والآداب لا يجدون عملا والكثير من الشبان يفكرون في ترك البلد».

وإضافة إلى أعمال العنف والانفلات الأمني والغموض السياسي يزداد الأمر تعقيدا بسبب الإضرابات الفئوية وتضرر القطاع السياحي، الحيوي للبلاد، الذي يتوقع أن يسجل عام 2011 فاقد ربح خسائر تقدر بثلاثة مليارات دولار في الوقت الذي يعتمد على السياحة مباشرة أو غير مباشرة نحو 10 في المائة من القوى العاملة. ولا تتجاوز توقعات النمو لعام 2011-2012 نسبة 2 في المائة مقابل ما بين 5 إلى 7 في المائة في السنوات الأخيرة من عمر النظام السابق. وفي الوقت الذي ترتفع فيه الأسعار ويقدر فيه العجز في الميزانية بـ9.5 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي لعام 2010 - 2011 مقابل 8.1 في المائة العام الماضي.

وإذا كان متظاهرو التحرير يرون أن النظام السياسي لم يتغير عما كان عليه في عهد مبارك فهناك الكثيرون الذين يرون أن التفاوت الكبير في العائدات الذي زاد من عمق الهوة بين الأثرياء والفقراء لا يزال قائما. ويقول إبراهيم وهو بقال في الحادية والثلاثين يعمل في شارع رمسيس «الفساد والسرقة موجودان منذ 30 عاما وهذا لم يتغير بعد الثورة»، مضيفا «الأغنياء لا يهتمون بأمر الفقراء». ويقدر أن نحو 40 مليون مصري أي 51 في المائة من السكان يعيشون تحت عتبة الفقر أي بأقل من دولارين في اليوم.

وعلى الضفة الأخرى من النيل في سوق شارع سليمان جوهر يتسوق الناس في هدوء بعيدا عن أجواء ميدان التحرير الثورية. إلا أن مصطفى بائع الطماطم والبطاطس الذي لا يبيع حاليا أكثر من جوالين في اليوم مقابل خمسة سابقا، يأسف لحالة «الكساد الشديدة في السوق». ويلخص الوضع قائلا «نريد الاستقرار.. نريد رئيسا».

وهنالك بعض المستثمرين الأجانب بدأوا في بيع أصولهم في مصر. وفي هذا الصدد قالت صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية أمس الجمعة إن شركة «آر دبليو اي» الألمانية للمرافق تعتزم بيع أصول نفط وغاز في مصر في محاولة لدعم ماليتها مع سعي ألمانيا لوقف إنتاج الطاقة النووية.

وذكرت الصحيفة نقلا عن مصادر مطلعة أن «ار دبليو اي - دي أي إيه» وحدة النفط والغاز التابعة للشركة اختارت أصولا مصرية باعتبارها الأكثر ترجيحا أن تباع لجمع المال دون أن يكون لذلك أثر على نتائج أعمال الشركة القوية باستثناء ذلك. وتسعى الشركة الألمانية للتخلص من بعض أصولها لجمع 11 مليار يورو (14.65 مليار دولار). وقالت «آر دبليو اي» في أغسطس (آب) الماضي إنها لن تبيع وحدتها للنفط والغاز «دي إي إيه» بشكل مباشر لكنها أشارت إلى احتمال تفكيكها ببعض التراخيص.

وتضررت «آر دبليو اي» بقرار الحكومة الألمانية الذي اتخذ في أعقاب كارثة فوكوشيما النووية في اليابان بالتخلص تدريجيا وبالكامل من الطاقة النووية بحلول عام 2022 مما يعني أن «آر دبليو اي» سيتعين عليها إنتاج الكهرباء بتكلفة أعلى في حين قد تتراجع أسعار الجملة بسبب التباطؤ الاقتصادي وارتفاع كفاءة الطاقة. ويتوقع مصرفيون أن تبلغ حصيلة بيع الأصول المصرية ملياري يورو. وأضاف التقرير أن الأصول التي لم يتم تطويرها بعد ستكون الأسرع في التخلص منها إذ إنها ستوفر للشركة تكاليف الاستثمار في حين تستمر في تحقيق الأرباح من الأصول التي تم تطويرها بالفعل في حقول النفط والغاز المصرية. وتابع التقرير أنه من الممكن كذلك بيع أصول الشركة في بحر الشمال لمنافسين من المنطقة في إنتاج النفط والغاز.