تقرير يتوقع تحقيق إيرادات في الميزانية السعودية بنحو 296 مليار دولار

الخبير تركي الحقيل يقدر صرف 225 مليار دولار في الإنفاق الحكومي

منذ عام 2003 شهد الاقتصاد السعودي موجة انتعاش ضخمة، ولم تنل منه الأزمة المالية العالمية التي عصفت باقتصادات العالم عام 2008 («الشرق الأوسط»)
TT

منذ عام 2003 والميزانية العامة في السعودية تحوز سنويا لقب «أضخم ميزانية في تاريخ المملكة»، وهذا العام ومع اقتراب إعلانها سيبرز هناك تصنيف جديد يضاف للحجم القياسي للميزانية، وهو حجم الإنفاق خارج حدود الميزانية، الذي يعد الأضخم من نوعه خلال الأعوام الـ30 الماضية بنسبة لامست 43.5 في المائة.

لكن الأمر الإيجابي أن زيادة الإنفاق واكبتها زيادة أكبر في الإيرادات، وبحسب تقرير أعده خبير اقتصادي فإن الإيرادات الضخمة التي حققتها السعودية خلال العام الحالي ستسجل فائضا يصل إلى 267 مليار ريال (71.2 مليار دولار)، فالبيانات الاقتصادية تشير إلى أن السعودية حققت إيرادات بلغت 1.11 تريليون ريال (296 مليار دولار)، ونما صافي الأصول الخارجية إلى 1.96 تريليون ريال (523.6 مليار دولار).

وقال تركي الحقيل، الخبير الاقتصادي، في تقرير حصلت عليه «الشرق الأوسط»، إن التحدي الأكبر أمام الاقتصاد السعودي خلق 700 ألف فرصة عمل منذ الآن وحتى حلول إعلان ميزانية عام 2017، كما تحتاج السعودية التي لم تحقق تنويعا في قاعدتها الاقتصادية إلى برميل نفط بـ114 دولارا لكي تفي بالتزاماتها.

ومنذ عام 2003، شهد الاقتصاد السعودي موجة انتعاش ضخمة، ولم تنل منه الأزمة المالية العالمية التي عصفت بالاقتصادات العالمية في عام 2008، كما تبدو تصريحات المسؤولين السعوديين خلال الفترة الحالية مطمئنة، في الوقت الذي تشكل فيه أزمة الديون الأوروبية تحديا حقيقيا للاقتصاد العالمي.

العام الماضي كان حجم الدين العام 167 مليار ريال (44.5 مليار دولار) وبنسبة تصل إلى 10.2 في المائة من الناتج المحلي، ويقدر تركي الحقيل حجم الدين العام في ميزانية العام المقبل بـ157 مليار ريال (42.1 مليار دولار) وبنسبة تصل إلى 7.8 في المائة من الناتج المحلي.

ويقدر الخبير الاقتصادي حجم الإنفاق بنهاية العام الحالي بنحو 843 مليار ريال (224.8 مليار دولار)، ويتابع الخبير البنكي توقعاته لصورة الاقتصاد السعودي خلال الأيام القليلة المقبلة بالقول «رغم هذه الطفرة المتوقعة في الإنفاق العام السعودي خلال العام الحالي، فإن الميزانية ستسجل فائضا ماليا كبيرا بفضل ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات قياسية كمتوسط سعر»، ويضيف «ارتفع متوسط سعر الخام السعودي هذه السنة إلى 109 دولارات للبرميل حتى منتصف شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي بارتفاع نحو 37 في المائة عن الفترة نفسها من عام 2010».

ويبين الحقيل أن السنة المالية الحالية شهدت ارتفاع متوسط الإنتاج النفط السعودي إلى 9.22 مليون برميل حتى نهاية الربع الثالث حسب تقرير منظمة «أوبك»، وذلك ضمن الجهود التي بذلتها السعودية باعتبارها أكبر مصدر للنفط في العالم، لتعويض النقص في إنتاج أحد أعضاء منظمة أوبك، ليبيا، وأيضا لتلبية الطلب العالمي على الطاقة.

وبنهاية العام يمكن أن تسجل السعودية بحسب توقعات الخبير الاقتصادي متوسطا سنويا لسعر النفط يصل إلى 110 دولارات للبرميل، وكذلك متوسطا سنويا لمعدل الإنتاج يصل إلى 9.18 مليون برميل يوميا، أي بزيادة قدرها نحو 12.5 في المائة عن المتوسط السنوي لمعدل إنتاج الخام السعودي في عام 2010.

ويشير تركي الحقيل «عندما كشفت السعودية في شهر ديسمبر (كانون الأول) من عام 2010، عن أكبر ميزانية في تاريخها، وأيضا أكبر نسبة من الناتج الإجمالي المحلي بين اقتصادات مجموعة العشرين، تمثلت إحدى سماتها الرئيسية في محاولة الحد من تجاوز الميزانيات المعلنة مع مواصلة توسيع الإنفاق العام، بهدف تلبية المتطلبات التنموية للبنية التحتية الضخمة للبلاد».

يشار إلى أن حجم الميزانية العامة للعام الحلي بلغ 580 مليار ريال (154.6 مليار دولار)، في الوقت الذي عادة ما تبني فيه السعودية ميزانياتها على أسعار متحفظة للنفط الذي يشكل 88 في المائة من إيرادات الدولة، حيث بنت الحكومة السعودية ميزانيتها للعام الحالي على أساس سعر متوسط للبرميل للخام السعودي نحو 58 دولارا، مع إنتاج متوسط 8.7 مليون برميل يوميا. ويرى الحقيل أن ذلك يعني أن حجم الإنفاق العام نما بمعدل سنوي قدره 4.7 في المائة، وهو من أدنى معدلات النمو السنوي للإنفاق العام السعودي في العقد الأخير، الذي ازداد خلاله حجم هذا الإنفاق بأكثر من 100 في المائة.

وقد تغيرت كل التقديرات الذي وضعها الاقتصاديون، حيث شهد الربع الأول من العام الحالي إعلان خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز عن أوامر ملكية خلال فترة لم تتجاوز الـ20 يوما بنحو 485 مليار ريال (129.28 مليار دولار)، وهنا يقول الحقيل إن هذه المبالغ ستنفق على مدى بضع سنوات، لأنها تشتمل على تمويل مشروعات سكنية جديدة، بالإضافة إلى دعم برامج التمويل العقاري وتوفير العديد من فرص العمل الجديدة ورفع الرواتب والأجور ومنح مكافآت مالية لموظفي القطاع العام، وتقديم معونة بطالة إلى المواطنين الباحثين عن عمل.

ويشدد الحقيل على تحسن ظروف سوق الطاقة العالمية بالنسبة للسعودية كدولة منتجة، وأن التوقعات تشير إلى أنها ستحقق إيرادات تصل إلى 1.11 تريليون ريال (296 مليار دولار)، ويقول إن ذلك ما سيمكن الحكومة من تسجيل فائض مالي قدره 267 مليار ريال (71.2 مليار دولار)، أو ما يعادل 11.4 في المائة من إجمالي الناتج المحلي. ويتابع «علاوة على ذلك، سجل صافي الأصول الخارجية للمملكة حتى شهر سبتمبر (أيلول) 1.96 تريليون ريال (523.6 مليار دولار)، مما يعني أن الحكومة السعودية تستطيع تمويل البرامج الاجتماعية والاقتصادية الداعمة لمواطنيها سواء ما تم صرفه هذه السنة أو الذي سوف يتم صرفه في السنوات القادمة من دون أن تستدين»، كما توقع أن يسجل الدين العام الحكومي نحو 158 مليار ريال (42.1 مليار دولار) أو 7.8 في المائة من إجمالي الناتج المحلي بعد أن كان قد سجل نحو 660 مليار ريال في 2003، أو 82 في المائة من الناتج المحلي.

ويقول الخبير الاقتصادي إن تزامن ارتفاع معدل إنتاج النفط مع الزيادة الهائلة في الإنفاق العام، يعزز فرص ارتفاع معدل نمو الاقتصاد السعودي في العام الحالي، متوقعا أن يحقق الناتج الإجمالي المحلي نموا يصل إلى 6.3 في المائة (النمو الاقتصادي)، وسينجم معظم النمو الإضافي عن الزيادة في معدل إنتاج النفط. كما توقع للنمو الذي تقوده الحكومة أن يؤدي إلى نمو القطاع غير النفطي، وقال إن هذا عامل رئيسي آخر ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار.

وعلى ذلك بنى الخبير الاقتصادي توقعاته بأن يحقق الاقتصاد السعودي نموا إجماليا للناتج المحلي للقطاع العام (الحكومي) في العام الحالي بمعدل 5.6 في المائة، ليسجل أكثر من 5 في المائة على مدى ثلاث سنوات متتالية.

أيضا توقع أن تصل نسبة التضخم السنوية إلى 5 في المائة هذه السنة مقارنة مع 5.3 في المائة في 2010، إلا أنه شدد على أنها تظل نسبة مرتفعة ويجب الحد من الارتفاعات خاصة في المواد الغذائية والإيجارات السنوية، كما نبه إلى أنه يجب تفعيل الجهات الرقابية، وتفعيل حماية المستهلك، وفك الاحتكار وأيضا تغريم المتلاعبين وتشهيرهم.

ويرى الحقيل أنه إذا استمر النمو الحالي للإنفاق العام، بصورة مطردة، فإن سعر النفط اللازم لموازنة الميزانية العامة قد يرتفع إلى 114 دولارا للبرميل بحلول عام 2017، ويمكن استبدال الإنفاق العام الحالي الضخم بإنفاق يولد منافع إضافية مضاعفة في كل القطاعات الاقتصادية. فيما دعا الحكومة السعودية إلى استثمار هذه المداخيل الضخمة في توسيع قاعدتها الصناعية، التي تعتبر العمود الفقري للاقتصاد والمنقذ عند حدوث الأزمات.

ومن الآن وحتى نهاية عام 2016، فإنه أمام الاقتصاد السعودي أحد اقتصادات الدول العشرين الكبرى وأكبر اقتصاد عربي جملة من التحديات، ليس أهمها وأصعبها ضرورة استحداث 700 ألف فرصة عمل للشباب السعودي، خصوصا أن ثلثي المواطنين لا تتجاوز أعمارهم الـ30 عاما، و47 في المائة منهم دون سن العشرين.

يقول الخبير الاقتصادي إنه مع النمو والزخم الذي يعيشه الاقتصاد السعودي في الفترة الراهنة، وبالإضافة إلى تحدي البطالة، فإن أمامه جملة تحديات أخرى يتوجب على المشرعين وواضعي السياسات الاقتصادية أخذها على محمل الجد، ليس أقلها مواصلة جهود التنويع الاقتصادي، والارتقاء بالاستفادة من الموارد البشرية المحلية إلى أكبر حد، والتركيز على سوق العمل، فالسعودية تحتاج إلى اخصائيين وفنيين وتقنيين أكفاء في المجالات العلمية، كالعلوم الهندسية وعلوم الحاسوب والطب وسواها.

ويشير إلى دور وزارة التعليم العالي التي تعمل على سد الفجوة القائمة في الكفاءات العلمية الوطنية، لكنها ستحتاج إلى سنوات عديدة لكي تتمكن من تخريج ما يكفي من هذه الكفاءات الوطنية لتقليص حاجة اقتصاد البلاد إلى الكفاءات الأجنبية، كما يلمح إلى خطر البطالة المقنعة التي تتمثل في توظيف المواطنين فقط من أجل تحسين البيانات الرسمية، أي من دون أن يكونوا أطرافا فاعلة في أنشطة الشركات التي توظفهم، فتوظيف سعوديين غير أكفاء لمجرد إدراج أسمائهم في قوائم الموظفين سيولد، على المدى البعيد، تحديات إنتاجية إضافية ولن يسهم في تصحيح أي خلل في سوق العمل.

ويلفت النظر إلى أنه ينبغي أن يتمثل الهدف البعيد المدى في تطوير نظام تعليمي متطور وسوق عمل قادرة على الاعتماد على رصيد بشري وطني يتمتع بمهارات عالية، لكن تحقيق هذا الهدف يتطلب تحولا جوهريا في ثقافة العمل والتأهيل المهني على مستوى المجتمع السعودي ككل.