الولايات المتحدة عاجزة عن تقديم نصائح عملية لحل أزمة الديون الأوروبية

بينما يحذر محافظ «المركزي الأوروبي» من محدودية دوره في مساعدة دول اليورو

مخاوف عالمية من انعكاسات أزمة الديون الأوروبية (أ.ب)
TT

على الرغم من دعواتها الملحة إلى حل فاعل لأزمة الديون العامة في منطقة اليورو، تبدو الولايات المتحدة عاجزة عن تقديم نصائح عملية بعدما دعت من دون جدوى حتى الآن إلى تدخل واسع النطاق للبنك المركزي الأوروبي.

وأعرب الرئيس الأميركي باراك أوباما أول من أمس (الأربعاء) عن «ثقة حذرة» في قدرة القادة الأوروبيين على اتخاذ «القرارات الصائبة» لتسوية أزمة الديون. وقال أوباما متحدثا في نيويورك خلال تجمع لجمع التبرعات «حين ترون ما يجري في أوروبا، سواء للمصارف أو لدول مثل إيطاليا تحتاج إلى إعادة تمويل دينها، فإن ذلك قد ينعكس بشكل كبير على ما يجري هنا».

وأضاف «لكنني متفائل إلى حد منطقي لأنهم (الأوروبيين) أدركوا أن عليهم القيام بالخيارات الصائبة. إننا نقدم لهم كل المساعدة الممكنة حتى يستقر الوضع، لأنه قد يكون له انعكاسات على العالم بأسره».

وكان أعلن، الاثنين، لدى استقباله رئيسي الاتحاد الأوروبي هيرمان فان رومبوي والمفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروسو أنه «من المهم للغاية بالنسبة لاقتصادنا» أن تسوي أوروبا هذه الأزمة. وشدد المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني على أن «موقفنا كان ولا يزال أنه من المهم للغاية أن تتصرف أوروبا بقوة وحزم منذ الآن» من دون أن يوضح الإجراءات الواجب اتخاذها بنظر الإدارة الأميركية.

وسئل متحدثون باسم وزارة الخزانة عن الخطوات المترتبة على منطقة اليورو تحديدا فامتنعوا عن الإدلاء بأي تعليقات لوكالة «فرانس برس».

وكانت الحكومة الأميركية شرحت بوضوح في سبتمبر (أيلول) ما تنتظره من الأوروبيين فدعتهم إلى تعبئة موارد البنك المركزي الأوروبي من أجل تخفيف الأعباء عن دول منطقة اليورو التي تواجه صعوبات مالية.

ويذكر مسؤولون في وزارة الخزانة وعلى رأسهم الوزير تيموثي غايتنر باستمرار بالتعاون المثمر الذي قام في الولايات المتحدة بين الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) والحكومة وأتاح الخروج من الأزمة المالية عام 2008.

وتترافق هذه الدعوات مع تأكيدات تصدر عن جميع المسؤولين الأميركيين منذ أسابيع بأن «أوروبا تملك كل القدرات التي تخولها تسوية الأزمة».

وفي قمة مجموعة العشرين في مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) في كان، قدم باراك أوباما نصيحة للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل كان يفترض أن تبقى ضمن حديث خاص بينهما غير أن أحد الميكروفونات التقطها «افترض أنه سيتوجب عليكم الآن أن تكونوا خلاقين».

ومغزى هذه النصيحة بحسب الخبير الاقتصادي الأميركي آدم ليريك أن الأميركيين «يريدون من البنك المركزي الأوروبي أن يصدر ألفي مليار يورو لشراء كل سندات الدولة الأوروبية التي يمكن العثور عليها، وهم لا يمكنهم أن يفهموا كيف أن الأوروبيين لا يقومون بذلك». غير أن الاندماج بين الاحتياطي الفيدرالي ووزارة الخزانة في واشنطن يقابله في أوروبا قيام جبهة موحدة بين البنك المركزي الأوروبي والحكومة الألمانية لرفض النصائح الأميركية.

وقال ياكوب كيركيغارد الخبير الاقتصادي الدنماركي في معهد بيتر انستيتيوت في واشنطن، إن البنك المركزي الأوروبي تعمد اتخاذ موقف مغاير لموقف الاحتياطي الفيدرالي.

وأوضح بهذا الصدد أن البنك المركزي الأميركي سعى لدفع معدلات الفائدة المفروضة على الدولة الفيدرالية إلى أدنى مستوياتها لكن نظيره الأوروبي رفض إعطاء دفع مماثل لإيطاليا.

وقال «لم يقوموا بذلك وبالتالي ازداد الضغط السياسي».

وحتى استقالة رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني الذي اعتبره البنك المركزي الأوروبي غير مجد في عمله، لم يمنع معدلات الفوائد المفروضة على قروض إيطاليا من الاستمرار في الارتفاع. واضطرت روما الثلاثاء إلى دفع فوائد تتراوح ما بين 7.28 في المائة و7.89 في المائة لسندات تستحق بين 2014 و2022.

وإذ تجد نفسها مضطرة إلى الوقوف موقف المتفرج أمام تدهور اقتصاد إحدى دول مجموعة السبع، تبدي الولايات المتحدة خشيتها من عواقب الاضطرابات الاقتصادية في منطقة اليورو على نمو الاقتصاد الأميركي.

وقال دينيس لوكهارت أحد مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي الثلاثاء «أعتقد أنه يمكن القول إن أزمة الديون العامة الأوروبية دخلت في الأسابيع الأخيرة مرحلة جديدة».

وتابع «إنني أتخوف من المخاطر بالنسبة للقطاع المالي، ليس بسبب الانكشاف المباشر للمؤسسات المالية الأميركية على الدول أو المصارف الأوروبية الأكثر تعرضا (لمشكلة الديون العامة)، بقدر ما هو بسبب التوقعات الأكثر غموضا في الأسواق ومخاطر انتقال الأزمة».

ودعت زميلته جانيت يالن إلى «إجراءات شديدة» ضد «مشكلات الميزانية والمالية التي تشكل خطرا ليس على النمو فحسب بل على الاستقرار المالي العالمي» من دون أن توضح هذه المخاطر.

وقال ليريك ردا على أسئلة «فرانس برس» إن القادة الأوروبيين «يدركون أنهم كلما أفصحوا علنا عما يريدون من الأوروبيين القيام به، تراجعت فرص أن يلتزم (الأوروبيون) بذلك».

وفي بروكسل، قال رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراجي أمام البرلمان الأوروبي أمس (الخميس) إن طوق النجاة الذي يلقيه البنك إلى حكومات الدول المتعثرة في منطقة اليورو من خلال برنامجه لشراء السندات «سيكون محدودا فقط».

أوضح دراجي: «بالطبع، مثل هذه التدخلات يمكن فقط أن تكون محدودة. الحكومات يتعين عليها بشكل فردي وجماعي استعادة مصداقيتها في مواجهة أسواق المال».

وبحسب «رويترز»، يقول سياسيون وخبراء اقتصاد كثيرون في فرنسا إن البنك المركزي الأوروبي يستطيع فقط أن ينقذ منطقة اليورو من الانهيار على المدى القصير عبر تعزيز عملياته لشراء السندات الإيطالية والإسبانية أو حتى القيام بدور المقرض كملاذ أخير.

لكن دراجي الذي يؤيد وجهة النظر الألمانية شدد على أن الحل الأفضل هو الاتفاق بدلا من ذلك على تشديد قواعد الموازنة بشكل أكبر لدول منطقة اليورو «من أجل البدء في استعادة المصداقية» لحكومات الدول حتى وإن استغرق تطبيقها بعض الوقت.

وقال إننا «قد يتم سؤالنا بشأن ما إذا كان (كتاب القواعد) المالية الجديدة سيكون كافيا لإحداث استقرار في الأسواق وكيف يمكن أن تكون رؤية طويلة الأجل موثوق فيها مفيدة على المدى القصير. إجابتنا هي أن هذا بالتأكيد العامل الأكثر أهمية للبدء في استعادة المصداقية».

من المتوقع أن يدرس زعماء منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي دعوات تقودها ألمانيا لتطبيق قواعد أكثر صرامة في منطقة اليورو عبر إجراء تغيير في معاهدات الاتحاد الأوروبي في قمتين تعقدان يومي 8 و9 من ديسمبر (كانون الأول) الحالي.

وعلق رئيس البنك المركزي الأوروبي قائلا إننا «ينبغي أن نبقي خياراتنا مفتوحة. ويجب عدم رفض تعديلات مهمة على المعاهدة. بل من الممكن أيضا تصور إجراء ذلك بشكل أسرع».