لماذا تبقى شهية الهند والصين مفتوحة للذهب رغم تقلب أسعاره؟

العملاقان الآسيويان يستحوذان على 52% من الاحتياطي العالمي للمعدن الثمين

تعدّ الهند أكبر مستهلك للذهب في العالم، وتقدر قيمة سوق الجواهر عموما فيها بنحو 101 مليار دولار، تشكل المبيعات المحلية 60 منها (رويترز)
TT

على الرغم من التذبذب القياسي للأسعار في منتصف سبتمبر (أيلول)، فإن الهند والصين تعملان على رفع الطلب على الذهب على المستوى العالمي، حيث يستهلك العملاقان الآسيويان 52 في المائة من احتياطي الذهب العالمي.

وتعد الهند أكبر مستهلك للذهب في العالم، وتليها الصين، حيث تقدر قيمة سوق الجواهر عموما في الهند، التي يقع الماس من ضمنها، بنحو 101 مليار دولار، وتشكل المبيعات المحلية 60% من هذه السوق.

وتبلغ الأسعار العالمية الحالية نحو 1650 دولارا أميركيا للأوقية، بعد أن سجلت أعلى مستوى تاريخي لها، وهو 1921.15، يوم 6 سبتمبر (أيلول)، بنسبة ارتفاع مقدارها 6% منذ يونيو (حزيران).

ويبدو أن تعطش الهند للحصول على الذهب في ازدياد، حيث إنها قامت بشراء كمّ قياسي من الذهب بلغ 963.1 طن في عام 2010، بنسبة زيادة قدرها 66% عن العام الماضي، كما استهلكت الصين 579.5 طن من الذهب، بزيادة مقدارها 27% في مبيعاتها السنوية، وفقا للبيانات الصادرة عن مجلس الذهب العالمي الذي يقع مقره في لندن.

وقد أعلن مجلس الذهب العالمي في تحليله لاتجاهات الصناعة خلال الأشهر الثلاثة الماضية أن إجمالي الطلب العالمي على الذهب، الذي بلغ 919.8 طن متري، يقدر بقيمة شبه قياسية تصل إلى 44.5 مليار دولار.

وقد أصبحت الصين في هذا الشهر أول دولة آسيوية تستضيف آلة لبيع الذهب بشكل آلي، حيث توجد هذه الآلة الجديدة في منطقة تسوق «وانغفوتشنغ» في بكين، وهي منطقة شعبية قديمة يعود تاريخها إلى 800 عام، وبهذا تكون الصين قد انضمت إلى قائمة الدول التي يوجد بها أجهزة صراف آلي توزع السبائك والعملات الذهبية، التي تشمل الولايات المتحدة وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة ودولة الإمارات العربية المتحدة، حيث يمكن لعملاء المؤسسات المالية إدخال النقود الورقية أو بطاقات الائتمان في هذه الأجهزة لسحب سبائك الذهب أو العملات الذهبية التي يخلف وزنها وفقا لأسعار السوق، والحد الأقصى المسموح به للسحب هو 2.5 كغم من الذهب (مليون يوان «نحو 160000 دولار»).

وسوف تنضم المدينة الهندية مومباي قريبا جدا إلى نادي الدول التي تحتوي على أجهزة صراف آلية للذهب.

وعلى الرغم من ارتفاع أسعار الذهب، فإن الطلب الهندي والصيني على الذهب قد ارتفع بمقدار 38 في المائة و25 في المائة على التوالي خلال الربع الثاني من عام 2011، مقارنة بنفس الفترة من عام 2010، ومن المرجح أن يستمر هذا النمو نظرا لارتفاع مستويات الرخاء الاقتصادي، وارتفاع مستويات التضخم ومهرجانات شراء الذهب الكبيرة المقبلة.

وتظهر الأبحاث أن الطلب السنوي التراكمي على الذهب في الهند سيرتفع بحلول عام 2020 بمقدار 1200 طن (نحو 1.1 تريليون دولار)، وفقا لمستويات الأسعار الحالية، وهو ما يساوي تقريبا 1.2 تريليون دولار من صافي قيمة الأسهم في سوق الأسهم الخاص بالذهب.

ومن الصعوبة بمكان تحديد مخزون الهند الخاص من الذهب، ولكنه يقدر بأكثر من 18000 طن من الذهب الموجودة لدى الأسر الهندية، كما أنه يعد أكبر مخزون من الذهب الخاص في العالم، حيث تبلغ نسبته 11% من حجم المخزون العالمي من الذهب، وحجمه أكبر بنحو 40 مرة من حجم الذهب الموجود في حوزة المصرف المركزي الهندي.

وتعد ولاية كيرلا الهندية الجنوبية بؤرة مهمة لاستهلاك الذهب، حيث تستحوذ على 7% أو 8% من سوق الذهب الهندية. وتحتل الجواهر الذهبية في كيرلا المرتبة الثانية بعد الغذاء على مستوى المنتجات التي تباع في سوق التجزئة، ومثلما تنمو الثروات في ولاية كيرالا، نظرا لوجود عدد كبير من العمال المغتربين في دول الخليج العربي، لا يزال استهلاكها من الذهب في ارتفاع.

ويعود حب الهنود للمعدن الأصفر إلى أكثر من 4000 سنة، عندما قام شعب حضارة وادي السند بتحويل الذهب لأول مرة إلى جواهر، حيث يتوقع قادة صناعة الجواهر زيادة في الإقبال على شراء الذهب في الهند بنسبة 25% خلال موسم المهرجانات المستمر حتى ديسمبر (كانون الأول)، كما أنه من ضمن التقاليد الهندية وجود يومين «ميمونين» لشراء الذهب كل عام، وهما «دانتيراس» (دش الحظ) في أكتوبر (تشرين الأول)، و«أكشيا تريتيا» (يوم الذهب) في مايو (أيار).

وقد بلغ من هيمنة الذهب على الهند أنه أصبح يشكل استثمارا رئيسيا حتى في المناطق الريفية في الهند، حيث تشكل المدن الصغيرة أكثر من 60% من مشتريات الذهب في الهند.

ويتناقض اهتمام الهند الملحوظ بالذهب بشكل غريب مع حقيقة كون أكثر من 400 مليون شخص من سكان هذا البلد يعيشون على أقل من دولار واحد في اليوم، لدرجة أن مكاتب البريد هي أيضا قد أصبحت الآن تقوم ببيع الذهب، إلى جانب الطوابع والبطاقات البريدية، حيث تسعى هيئة بريد الهند لبيع نحو طن من القطع النقدية الذهبية في الشهرين المقبلين من الاحتفالات، من خلال 700 مكتب بريد، وتعد هذه الكمية ضعف كمّ العملات الذهبية التي باعتها الهيئة في الفترة من 2009 - 2010.

ويجادل بعض خبراء الاقتصاد بأن هذا الهوس الهندي بالذهب له بعض الآثار الضارة، حيث إنه لو تم استثمار الأموال المستخدمة في شراء الذهب في البنوك أو الأسهم بدلا من حبسها على هذا النحو في أصول غير منتجة، فإن ذلك قد يؤدي إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي في الهند بشكل ملحوظ، فالهنود عادة ما يستثمرون أموالهم في الجواهر الذهبية، وينتهون إلى ربطها بقيمة عاطفية، مما يجعلهم يتمسكون بها بدلا من تدوير رؤوس أموالهم بشكل مستمر.

وعلى الرغم من أن الهند قد تكون أكبر سوق في العالم لتجارة الذهب، فإن شراء الذهب في الصين قد تضخم بدرجة كبيرة بحيث أصبحت الصين من أسرع أسواق الجواهر الذهبية نموا في العالم، فالصينيون لا يشترون كميات متزايدة من الذهب فحسب، ولكنهم أيضا يفضلون شراء الذهب الخالص عيار 24 قيراطا، حيث يتم إهداء هذه الجواهر الذهبية عالية الجودة في المناسبات الخاصة المختلفة، مثل أعياد الميلاد، وشراؤها للعروس يوم زفافها. وستقوم 6.6 مليون من العرائس في عام 2010 بجعل الذهب جزءا من طقوس الزواج الخاصة بهن، حيث يمثل المعدن الأصفر دليلا على النية في استمرار علاقة الزواج لفترة طويلة الأجل، وهو أمر من الأهمية بمكان، كما يقول موقع مجلس الذهب العالمي.

وفي حين أن الجواهر تمثل نسبة كبيرة من مشتريات الذهب في البلاد، فإنه يمكن أيضا للصينيين شراء الذهب من المصارف المحلية. وقد دخل مجلس الذهب العالمي في شراكة مع البنك الصناعي والتجاري الصيني، وهو أكبر بنك من حيث الودائع في العالم، حيث بدأ الاثنان في تقديم «خطة تراكم الذهب» التي تتيح للمستثمرين شراء وتكوين مقادير صغيرة من الذهب على مرّ الزمن. وقد أصبح لدى البنك الصناعي التجاري الصيني ما يقرب من 1.7 مليون حساب، منذ إطلاق هذه الخطة في ديسمبر 2010 هذا الصيف، وهو ما أدى إلى تراكم أكثر من 12000 كغم من الذهب.

ولا يقوم المستثمرون الصينيون بشراء الذهب لخوفهم من حدوث تضخم فحسب، ولكنهم يقومون بشراء الذهب أيضا للتحوط ضد حدوث انكماش خطير، حيث بلغ الطلب الصيني على الذهب 706 أطنان في العام الماضي، وهو ما يعني أن الاستثمارات المحلية في الذهب والطلب على الجواهر من الممكن أن يتجاوز بسهولة حجم الطلب الإجمالي على الذهب في العام الماضي بنسبة 10% (نحو 70 طنا) هذا العام.

ولم تنجح المستويات القياسية التي بلغتها أسعار الذهب في تغيير هذا الاتجاه، حيث كافحت شركات التعدين المحلية لتغذية الطلب المتزايد في البلاد.

ووفقا لمجلة «فوربس» يفوق نصيب الهند والصين من الذهب نصيب أميركا الشمالية كلها، والذي يمثل 8 في المائة، ونصيب أوروبا وروسيا، الذي يمثل 13 في المائة، ونصيب كل من الشرق الأوسط وتركيا، الذي يمثل 12 في المائة.

وقد انخفض الطلب على الذهب في شمال أميركا بنسبة 12 في المائة خلال النصف الأول من عام 2011 بسبب تراجع الاقتصاد الأميركي وارتفاع الأسعار.