«أزمة كراسي» في مقاهي تونس مع تزايد أعداد العاطلين عن العمل

البطالة تتركز في مناطق الوسط والوسط الغربي والجنوب

احتجاجات شباب في تونس (رويترز)
TT

تعيش الكثير من المقاهي في وسط وجنوب تونس أزمة كراسي، بسبب تزايد أعداد العاطلين الذين انضموا «للبطالة» (بتشديد الطاء ونصبها) كما يطلق عليهم في تونس، حيث تعد المقاهي المكان المفضل للعاطلين عن العمل بعد إقدام الكثير من المؤسسات، ولا سيما الأجنبية منها، على إغلاق أبوابها نتيجة تزايد الإضرابات العمالية.

وقد أعربت عشرات المؤسسات الأجنبية العاملة في البلاد عن امتعاضها من نقص الإنتاج، وارتفاع نسبة الإضرابات والاحتجاجات والاعتصامات الداعية لضمان حقوق العمال كالإجازة السنوية، والترسيم، ورفع الأجور، وساعات العمل النظامية، وساعات العمل الإضافية، وغيرها. ووفقا لإحصائيات الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة، فإن عدد الإضرابات غير الشرعية فاق الـ350 إضرابا منذ اندلاع ثورة 14 يناير (كانون الثاني). وهو ما ساهم في تراجع نسبة الاستثمار الأجنبي بنسبة 25 في المائة، وإغلاق نحو 114 مؤسسة أجنبية بسبب تراجع المردودية وتداعيات الأزمة الاقتصادية في أوروبا، علاوة على انحسار حركة التصدير إلى السوق الأوروبية التي سجلت بدورها انخفاضا كبيرا في الطلب على منتوجات الدول غير الأوروبية.

وكان المعهد الوطني للإحصاء قد أكد في بيان له أن معدل البطالة في تونس ارتفع إلى 18.3 في المائة في مايو (أيار) الماضي مقابل 13 في المائة في الفترة نفسها من السنة الماضية. وقال المدير المركزي للإحصاءات الديموغرافية والاجتماعية، الحبيب الفراتي، إن عدد العاطلين عن العمل في تونس ناهز 704 آلاف نسمة في مايو الماضي مقابل 491 ألفا في الفترة نفسها من العام الماضي. وأشار الفراتي إلى أن ارتفاع عدد العاطلين كان بسبب فقدان 137 ألف وظيفة في الفترة ما بين مايو 2010 إلى الشهر الخامس من العام الجاري، أغلبها في القطاع الزراعي (64 ألف وظيفة) ثم قطاع السياحة (16 ألف وظيفة)، ثم في قطاعات الصناعة والخدمات الأخرى (57 ألف وظيفة).

وذكر الفراتي أن البطالة في صفوف حملة الشهادات العلمية العليا زادت بنسبة 6.3 في المائة، حيث ارتفع عددهم من 157 ألف شخص في مايو من السنة الماضية إلى 217 ألفا في مايو من العام الجاري.

وتتمركز البطالة في مناطق الوسط والوسط الغربي والجنوب، حيث بلغت نسبة 28.6 في المائة في الوسط الغربي، و26.9 في المائة في الجنوب، و24.8 في المائة في الجنوب الشرقي، في حين تدنت نسبة البطالة في الشمال إلى 17.3 في المائة و17.8 في المائة. من جهته أكد البنك المركزي التونسي خلال اجتماعه الأسبوع الماضي، ارتفاع نسبة التضخم في تونس لتبلغ 3.4 في المائة في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بفعل استمرار الضغط المسجل على أسعار عدد من المنتوجات الغذائية.

إلى جانب ذلك تراجع عجز الميزان التجاري خلال الأشهر التسعة الماضية بنسبة 6.9 في المائة مقارنة مع النتائج المسجلة خلال الفترة نفسها من العام الماضي. واستنادا إلى تصريحات مدير مرصد التجارة الخارجية لطفي بوخذير، بلغت قيمة العجز التجاري خلال الفترة المذكورة نحو 5.907 مليار دينار. وأرجع بوخذير تراجع العجز إلى تحسن نسبة تغطية الصادرات بالواردات في نهاية شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، لتبلغ بذلك 76.1 في المائة مقابل 73 في المائة خلال الفترة نفسها من العام الماضي. وكانت قيمة الصادرات التونسية قد ارتفعت في الأشهر التسعة الماضية بنسبة 9.3 في المائة، بينما ارتفعت قيمة الواردات بنسبة 4.9 في المائة مقارنة بالنتائج المسجلة خلال الفترة نفسها من سنة 2010. وبلغت قيمة الصادرات 18.777 مليار دينار، بينما بلغت قيمة الواردات خلال الفترة نفسها 24.684 مليار دينار 18 مليار دولار)، وتحسن نسق الصادرات إجمالا بفضل تحسن التصدير باتجاه ليبيا، حيث بلغت قيمة الصادرات مع نهاية سبتمبر الماضي نحو 555 مليون دينار، مقابل 186 مليون دينار في الفترة نفسها من العام الماضي.

وعلى الرغم من الواقع المؤلم للاقتصاد التونسي، فإن هناك أملا في تحسن الأوضاع في العام المقبل 2012، حيث انتهت وزارة التخطيط والتعاون الدولي من إعداد مشروع الميزان الاقتصادي للاثني عشر شهرا التي تلي رأس السنة المقبلة.

وتكمن أهمية مشروع الميزان الاقتصادي للعام المقبل في مضمون التصورات والسياسات العامة المقترحة لمعالجة الظرف الاستثنائي الذي تمر به البلاد بعد الثورة، والمتمثل في تردي الأوضاع الاجتماعية بكثير من جهات البلاد وانخفاض الإنتاج.

ويرى الخبير الدولي في التشغيل والموارد البشرية، ورئيس منظمة «حلول للبطالة بالتنمية»، محمد جدلاوي، أن هناك آفاقا رحبة للتشغيل في تونس، في حالة تم استغلال الكنوز المدفونة في باطن أرض تونس، وصفها بـ«الأسرار»، وأول تلك الأسرار كما يؤكد، اكتشاف بحيرة مائية عذبة في أعماق الصحراء التونسية، يمكن استغلالها وتوفير «أكثر من 250 ألف وظيفة»، و«استخراج النفط بطاقة توفر 50 ألف وظيفة»، و«ثروات طبيعية سطحية يمكنها توفير 50 ألف وظيفة»، إلى جانب تصدير الطاقة الشمسية لقرب تونس من أوروبا، وينقل جدلاوي عن خبراء دوليين تأكيدهم أن حسن استغلال الموارد الطبيعية سيجعل تونس في حاجة لاستقدام عمال من الخارج.