أصحاب الدخول المرتفعة لا ينفقون ببذخ شديد في أيام الركود

الحزن يخيم على المشهد وينعكس بصورة كبيرة على سوق الأسهم

دائما ما يتكرر مشهد عزوف أصحاب الرواتب الكبيرة عن البذخ في حالات الكساد
TT

أشارت بيانات الضرائب الفيدرالية إلى انخفاض حصة دخل النخبة - التي تمثل 1% من الأميركيين - في إشارة قوية إلى تفاوت الدخول، إلى 17% في عام 2009 من 23% عام 2007؛ حيث انخفض متوسط دخل هذه النخبة من 1.4 مليون دولار عام 2007 إلى 957 ألف دولار عام 2009.

وذكر محللون أن هذا الانخفاض يعكس، بصورة كبيرة، سقوط سوق الأسهم، إلا أن الكثير من الأشخاص يعتقدون أن الدخول المرتفعة انتعشت إلى حد ما عام 2010؛ حيث انتعشت «وول ستريت» وتزايدت أرباح الشركات. وقد غير هذا الانخفاض مشهدا غالبا ما يؤكده الأشخاص الذين ينتقدون تفاوت الدخول، وأصبح غير ملحوظ بدرجة كبيرة خارج دائرة المدونات.

ومن خلال التركيز على النخبة التي تمثل 1%، جعلت حركة «احتلوا وول ستريت» العدالة الاقتصادية مادة للمظاهرات في الشارع وموضع نقاش سياسي.

يقول ستيفن كابلان، خبير اقتصادي بكلية إدارة الأعمال بجامعة شيكاغو: «من الشائق أن يصبح هذا الأمر موضوعا ذا شأن الآن بعد أن عادت الأرقام إلى ما كانت عليه في التسعينات من القرن الماضي، ولم يبدُ حينئذ أن الناس يشكون من هذا الأمر».

وفي عام 2009، انخفض متوسط دخل النخبة التي تمثل 1%، بسبب التضخم، عن المعدل الذي كان عليه عام 1998، ومع ذلك فقد ظل أعلى مما كان عليه عام 1990؛ حيث بلغ متوسط الدخل وقتها 662 ألف دولار. وعلى الرغم من مجيء المظاهرات في أعقاب أسوأ انكماش اقتصادي منذ الكساد العظيم، تزايد تفاوت الدخول لمدة 3 عقود بسبب قوى سياسية واقتصادية. وكانت العولمة قد خلقت أسواقا أكبر للأشخاص الذين يحظون بمواهب نادرة، إلا أنها أضرت بالعمال الذين لم يحصلوا على قدر كاف من التعليم من خلال تحريضهم ضد العمالة الأجنبية الرخيصة، كذلك فقد أضرت التكنولوجيا الحديثة بالعمال غير المهرة؛ حيث تم استبدال الآلات بالكثير من هؤلاء العمال.

وتقوض دور النقابات، مما أدى إلى تدهور نفوذ طبقة العمال. كذلك نمت الصناعة المالية، مع تزايد المرتبات. ورضخت ثقافة الشركات للفجوة المتزايدة بين منزلة المدير التنفيذي والعمال في المصنع.

وأضاف: «أدى انخفاض معدلات الضرائب المفروضة على أصحاب الدخول المرتفعة إلى انقسام الدخل الصافي، وذلك من خلال السماح لأصحاب الدخول المرتفعة بالحفاظ على جزء كبير من رواتبهم وزيادة العلاوات لرفع الدخل إلى أقصى درجة».

وفي العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية، ازداد متوسط دخل النخبة التي تمثل 1% بدرجة أسرع من التضخم إلى حد ما وأكثر بطئا من دخول الطبقة المتوسطة بدرجة ملحوظة. وتسبب هذا المزيج في تفاوت الدخول خلال معظم الخمسينات والستينات وأوائل السبعينات من القرن الماضي.

وفي عام 1980، ذهب نحو 10% من الدخل قبل خصم الضرائب إلى النخبة التي تمثل 1%. وبحلول عام 2000، ازدادت هذه الحصة إلى نحو 22%. وانخفضت إلى 18% في عام 2003، بعد انهيار البورصة، لتنتعش مرة أخرى عام 2007 وتصل إلى مستويات لم تصل إليها منذ العشرينات من القرن الماضي.

وفي إشارة إلى الانخفاضات الأخيرة في دخول النخبة، زعم كابلان أن متظاهري حركة «احتلوا» اتهموا الشخص الخاطئ من خلال التركيز على تفاوت الدخول، الذي ذكر أنها نتيجة حتمية للنمو. وقال: «إذا كنتم تريدون أن تقللوا من تفاوت الدخول، فكل ما تحتاجون إليه هو أن تجعلوا الاقتصاد يركد، أما إذا كنتم تريدون أن ينتعش الاقتصاد، كما نريد نحن، فسوف يكون هناك تفاوت في الدخول».

من ناحية أخرى، زعم هاري جيه هولزير، خبير اقتصادي بجامعة جورج تاون، أن معظم النمو الأخير في دخول النخبة يعكس امتيازا داخليا وليس إنتاجية حقيقية. وقال: «لقد أصبح المفهوم الذي يشير إلى أن أصحاب الدخول المرتفعة يستحقون تلك الأجور موضع شك، انظروا إلى الأضرار الجسيمة التي ألحقوها بالاقتصاد والتكلفة التي تحملها أبناء الطبقة المتوسطة من الأميركيين».

وأضاف: «هناك تزايد شديد في تفاوت الأجور في جميع أنحاء العالم، إلا أنه ليس بقدر التفاوت الذي يوجد في الولايات المتحدة».

وذكر منتقدو حركة «احتلوا وول ستريت» أن الدخول المنخفضة للنخبة تشير إلى أن المخاوف بشأن تفاوت الدخول باتت بالية. وكتب ميغان ماك أرديل في مشاركة له على إحدى المدونات في مجلة «ذا أتلانتيك»: «لا نريد أن نقضي أعواما في التركيز على قضية تفاوت الدخول، لنعلم فقط أن الأزمة المالية قامت بتثبيت هذا الأمر من أجلنا». وكتب جيمس باثوكاكيس، مدون في معهد «أميركان إنتربرايز إنستيتيوت»: «ادرسوا التاريخ يا حركة (احتلوا وول ستريت)».

وقال غاريد بيرنشتين، مسؤول سابق في إدارة الرئيس أوباما: بعد الانخفاضات السابقة المرتبطة بالسوق، وصل التفاوت في الدخول إلى معدلات مرتفعة جديدة. وقال بيرنشتين، الذي يعمل الآن في مركز الميزانية وأولويات السياسة: «إذا كنتم تعتقدون أنه تم حل مشكلة تفاوت الدخول في بداية العقد الأول من القرن الحالي، فأنتم مخطئون للغاية».

وبينما تزايدت الدخول إلى حد ما في عام 2010، تشكك معظم المحللين في أنهم عادوا إلى أوج عام 2007، منذ أن كانت الأسهم أقل بنسبة 20%. وزعم كابلان أن القيود الجديدة على وول ستريت ستجعل حصة دخول الأغنياء أقل من معدلاتها السابقة، وهي وجهة نظر شكك بيرنشتين في صحتها. يقول: «لا تزال القوى البنائية التي أدت إلى تفاوت الدخول كما هي».

وأصبحت حصة دخول النخبة التي تمثل 1% سمة أساسية لتفاوت الدخول بعد دراسة 2003 التي أجراها توماس بيكيتي وإيمانويل سايز، خبيرا اقتصاد تتبعا أصول تلك الاتجاهات حتى عام 1913. وقد ارتفع تفاوت الدخول بنسبة 24% عام 1928، بما يزيد قليلا على معدلها عام 2007. ويعتقد سايز، من جامعة كاليفورنيا ببيركلي، كما يعتقد آخرون، أن الأغنياء سيصبحون أكثر ثراء بعد وقت قصير.

وكتب في رسالة له عبر البريد الإلكتروني: «ما لم تقع كارثة اقتصادية أخرى، سيتعافى أصحاب الدخول المرتفعة بصورة أسرع من أصحاب الدخول الأخرى الذين يمثلون 99% من الشعب. ومن ثم لن تتلاشى مشكلة التفاوت في الدخول قبل أن تحدث تغييرات سياسية جذرية (تماما كما حدث خلال الإصلاح الاقتصادي في عهد الرئيس روزفلت)».

* خدمة «نيويورك تايمز»