بولندا تتجنب مصاعب منطقة اليورو.. حتى الآن

عدم الانضمام إلى منطقة اليورو كان نعمة بالنسبة للدولة الشيوعية السابقة

شهدت السوق البولندية أكبر اكتتابات جديدة في أوروبا خلال الربع الثالث (رويترز)
TT

هل صارت بولندا الاقتصاد القوي الأخير في أوروبا؟

عبر نمو اقتصادي قوي، واستثمارات أجنبية متنامية، وبنايات شاهقة مترفة الجديدة، صممها دانييل ليبسكايند، معيدا صياغة أفق وراسو، تشعر المدينة بكل تأكيد أنها عالم مختلف عن كل نظيراتها في أوروبا التي تعثرت بسبب أزمة الديون والمخاوف من الكساد.

تبين أن عدم الانضمام إلى منطقة اليورو كان نعمة بالنسبة لبولندا - ودرسا في كيفية قدرة العملة الوطنية على امتصاص الصدمات العالمية، لكن المديرين التنفيذيين وقادة الحكومات يبدون قلقا واضحا إزاء المدة التي ستتمكن من خلالها هذه الدولة البالغ عدد سكانها 38 مليون نسمة، والتي كانت الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي تمكنت من تفادي الكساد عام 2009، من النجاة مجددا من مصاعب منطقة اليورو.

تقول لوسينا ستانتزاك، مديرة فرع البنك الأوروبي لإعادة الأعمار والتنمية: «لا تزال بولندا بمعزل عن معاناة منطقة اليورو. لكن السؤال هو، هل ستتمكن بولندا من الحفاظ على هذا المسار؟ الحقيقة هي أن التباطؤ في أوروبا الغربية سيؤثر على بولندا بصورة أو بأخرى».

وقد بدأت المشكلة بالفعل، فهناك توقعات بأن يباع الكثير من المصارف البولندية خلال سعي الشركات المالكة لها في أوروبا الغربية، مثل كومرتز بنك لجمع الأموال. في الوقت ذاته انخفضت سوق الأسهم الرئيسة في البلاد 24 في المائة منذ أبريل (نيسان) لدى إعادة المستثمرين الدوليين بشكل لا إرادي بولندا إلى نفس فئة دول أوروبا الشرقية المريضة مثل المجر أو رومانيا؟ وعلى الرغم من وجود أزمة ائتمانية في بولندا، فإن حصول الشركات الصغيرة على القروض يواجه صعوبة متزايدة.

وتقول آنا كاترزينا نيتيكسزا، رئيس شركة «إيفكوم»، شركة استشارات في وارسو تقدم استشارات للشركات حول كيفية التقدم للحصول على تمويلات الاتحاد الأوروبي أو إدراج نفسها في بورصة وارسو للأسهم: «لا تحصل الشركات الصغيرة على القروض ما لم يكن لديها تاريخ يمتد إلى عشر سنوات ومصنع، وإذا لم يكن لديك ضمان، أو شيء صلب فلن تحصل على التمويل».

وعلى الرغم من تمسك بولندا بموقفها المؤيد لأوروبا، كان هناك استياء واضح لدى بعض البولنديين، وخاصة حزب المعارضة الرئيسي القانون والعدالة بزعامة ياروسلاف كازينسكي، رئيس الوزراء السابق، والذي جذبت مظاهرته المعارضة لتكامل أوروبي أوثق أكثر من 3.000 شخص في شوارع وارسو يوم الثلاثاء، وفقا لتقديرات الشرطة التي ذكرتها وكالة «أسوشييتد برس».

بيد أنه حتى الآن تبدو وارسو واحدة من المدن القليلة التي لا تزال مزدهرة في الاتحاد الأوروبي. وكانت المدينة قد سويت بالأرض أثناء الحرب العالمية الثانية، لكن غاب عنها المظهر الجمالي لدى إعادة بنائها من قبل الشيوعيين، لكن المدينة تمر حاليا بمرحلة توسع كبير.

وربما تساعد الطرق الدائرية ووسائل النقل الجماعي والجسور، في تخفيف الاختناقات المرورية المزمنة. وسيقدم أخيرا المجمع السكني المتموج الذي يرتفع 54 طابقا والذي صممه ليبنسكي، البولندي المولد والمقيم في نيويورك، منافسا لقصر العلوم والثقافة الذي بناه الروس كنصب تذكاري لستالين، على ريادة أفق وارسو.

ويشكو بيوتر كزارنسكي، الرئيس التنفيذي لعمليات مصرف رايفيسين إنترناشيونال المجري، من أن انتقاله اليومي إلى العمل والتي ينبغي أن تستغرق 20 دقيقة عادة ما تستغرق ساعة ونصف الساعة بسبب طرق المدينة المزدحمة.

ويقول كزارنسكي: «ولدت في وارسو، وقد عاشت عائلتي لعدة أجيال في وارسو، ولم أر مثل هذا النطاق الهائل من الاستثمارات».

هناك مؤشرات أخرى على الثروة، حيث تنتشر في المدينة منافذ بيع ماركات عالمية مثل «غوتشي» وموزعون لسيارات «فيراري»، وتحتل الأخيرة جزءا من مبنى كان في السابق مقرا للحزب الشيوعي.

وإلى جوار معرض «فيراري» دخلت 38 شركة جديدة إلى بورصة وارسو للأوراق المالية خلال الأشهر الثلاثة التي اختتمت في شهر سبتمبر (أيلول). لذلك حلت بولندا خلف الصين وقبل الولايات المتحدة في عدد الاكتتاب العام الأولى خلال الربع الثالث، في الإحصاء الذي قامت به شركة «إرنست أند يونغ» للاستشارات.

وإذا ما صنفت بحسب الأموال التي جمعتها ستأتي بولندا في المركز الرابع بنحو ملياري دولار خلف الولايات المتحدة، لكن قبل بريطانيا وألمانيا. ويتوقع أن تشهد بولندا نموا بنحو 2.5 في المائة خلال عام 2012، بحسب منظمة التعاون الاقتصادية والتنمية، وهو ما يعتبر تراجعا ملحوظا في النمو الذي جاوز الأربعة في المائة خلال عام 2011، لكنها لا تزال قوية مقارنة بأوروبا الغربية التي تتجه نحو الكساد.

وتتفوق بولندا على الكثير من دول أوروبا الغربية فيما يتعلق بالاستقرار السياسي. ففي أكتوبر (تشرين الأول) أعاد البولنديون انتخاب الحكومة التي يقودها رئيس الوزراء دونالد تاسك. وكانت تلك هي المرة الأولى منذ سقوط الستار الحديدي التي يمنح فيها البولنديون أصواتهم لصالح فترة ثانية للحكومة، وهو ما يتناقض مع أوروبا الغربية، حيث أدت الاضطرابات المتعلقة بأزمة الديون إلى سقوط زعماء في دول كثيرة.

من الناحية الرسمية، لا تزال بولندا تتحرك باتجاه تبني اليورو، لكن الاتفاقية التي سمح بموجبها لبولندا بالانضمام إلى الاتحاد عام 2004 تجعل العضوية إلزامية.

ويقول أندريه راتسزكو، عضو مجلس إدارة بنك بولندا الوطني، البنك المركزي: «وجهة النظر الرسمية مؤيدة للانضمام إلى منطقة اليورو، لكن من الصعب التكهن بتوقيت هذه الخطوة».يعتمد التوقيت على مدى سرعة بولندا في تلبية المعايير الاقتصادية ومعايير الميزانية المطلوبة، إلى جانب مدى وسرعة إصلاحات منطقة اليورو. ويشير المسؤولون إلى أن عام 2015 ربما يكون أقرب موعد لانضمام بولندا لمنطقة اليورو، لكنهم لم يحددوه كهدف لهم. ويشير اقتصاديون إلى استفادة بولندا من تراجع قيمة الزلوتي مقابل اليورو، وهو ما ساعد أن تظل أسعار صادرات بولندا تنافسية في الأسواق العالمية؟ ولم تضع ميزات وجود عملة وطنية على رجال الأعمال المحليين.

فيقول لودويك سوبولوسكي، المدير التنفيذي لبورصة وارسو للأوراق المالية: «نحن ننوي الانضمام إلى اليورو، لكن الأفضل أن ننتظر حتى تتعافى منطقة اليورو بشكل أكبر».

بيد أن بولندا منفصلة اقتصاديا عن أوروبا الغربية، فأكثر من نصف الصادرات البولندية تذهب إلى منطقة اليورو، وأكثر من ربعها إلى ألمانيا والتي تعتبر أكبر شريك تجاري لبولندا.

من ناحية أخرى، تهيمن على سوق الصيرفة البولندية مؤسسات مثل يونيكريدت الإيطالي، وسانتاندر الإسباني وكومرتز بنك الألماني التي تمر بضغوط كثير من قبل المشرعين لتعزيز احتياطياتها الإضافية. وعلى الرغم من التأكيدات التي أطلقتها المصارف بوقوفها إلى جانب فروعها، فإن قادة بولندا يخشون من إفراغ الوحدات البولندية من رأس المال أو اللجوء إلى بيعها إلى مشترين غير مرغوب فيهم بدرجة كبيرة.

ويتوقع أن تتقدم المصارف الروسية بعروض للشراء إذا ما طرحت بعض المصارف البولندية للبيع في المزاد، وهو الاحتمال الذي يثير قلقا بالغا لدى الكثير من البولنديين.

ويقول راتزسكو إن «أي مشتري محتمل ينبغي أن يكون مصرفا معروفا في أوروبا لا يواجه مشكلات كثيرة».

لكن عدد المصارف المعروفة التي لا تواجه مشكلات كثيرة يتضاءل يوميا. ويقول آلان جارمان، الرئيس التنفيذي لفرغ «إتش إس بي سي» في بولندا: «قد لا تكون قائمة المشترين طويلة كما كانت في السابق».

ومن خلال سوق محلية كبيرة، يمكن لبولندا من الاكتفاء الذاتي أكثر من دولة صغيرة مثل المجر. ومن ثم الأزمة الحالية، بالنسبة دولة كبولندا عانت الكثير على مدار التاريخ، تعتبر هينة.ويقول كزارنسكي: «لقد تدربنا جيدا على التعامل مع البيئة سريعة التغير، وإذا ما سألت كل صاحب مشروع عن الأعوام الـ21 الأخيرة من التحول سيقول إن كل عام كان به أتراح وأفراح».

* خدمة «نيويورك تايمز»