موسم أعياد الميلاد يخفق في تنشيط السياحة في مصر

رغم اختيارها أول دولة عربية تحمل صفة «الدولة الشريك» لبورصة برلين الدولية في 2012

أثر الوضع السياسي والأمني في القاهرة على السياحة وأدى لتناقص عدد السياح الأجانب الذين كانوا يتوافدون على معالم العاصمة المصرية (رويترز)
TT

كانت القاهرة في كل عام تتزين قبل أعياد الكريسماس ورأس السنة وكان معظم نجوم الغناء في الوطن العربي يتجهون إلى العاصمة المصرية أو إحدى المناطق السياحية بمصر لإحياء حفلاتهم بها، وكانت الفنادق الكبرى تعلن عن حفلاتها التي يحييها النجوم، وفي بعض الأحيان كانت تصل أسعار التذاكر إلى ألف دولار، وبسبب تداعيات الوضع الأمني في مصر في أعقاب ثورة 25 يناير التي اندلعت مطلع العام الحالي اختفت الاستعدادات المعهودة باحتفالات أعياد رأس العام.

وما زال قطاع السياحة يئن من التدهور الذي أصابه في مقتل على مدار الشهور الماضية، وأنهت الأحداث الأخيرة التي وقعت في شارع قصر العيني بداية من يوم 18 ديسمبر (كانون الأول) الحالي أمل القطاع في أن يعوض موسم أعياد الكريسماس جزءا من الخسائر الذي تكبدها. وأسفرت أحداث شارع قصر العيني عن مقتل 13 شخصا وسقوط مئات الجرحى نتيجة اشتباكات وقعت بين المتظاهرين وقوات الأمن من الشرطة والجيش نتج عنها حريق مبان تاريخية وحيوية في الدولة مثل المجمع العلمي وهيئة الطرق والكباري.

ويقول أيمن الطرانيسي مدير الاتحاد المصري للغرف السياحية إن موسم أعياد الكريسماس ورأس السنة الجديدة كان يعد من أعلى المواسم السياحية التي كانت تشهدها مصر، وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن أعداد السائحين في هذا الموسم انخفضت بنسبة قاربت 50 في المائة بالمقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وعلى الرغم من أن السياحة الشاطئية في مدن البحر الأحمر مثل شرم الشيخ والغردقة لم تكن متأثرة بأحداث القاهرة فإن الطرانيسي أوضح أن السياحة بكل أوجهها تأثرت في الوقت الحالي بشكل كبير. ويقول الطرانيسي: «كانت هذه الفترة مثل السوق الذي يسلم لسوق آخر فكان الموسم لا ينتهي عند يوم 7 يناير (كانون الثاني) بانتهاء إجازات السائحين الأجانب من غرب أوروبا أو أعياد المسيحيين في مصر، بل يمتد حتى منتصف الشهر بسبب احتفالات السائحين الروس بأعيادهم، وبالنسبة للسياحة الداخلية فهي متأثرة بدورها، فقدرة الإنفاق لشريحة واسعة من المصريين متأثرة بشكل كبير بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية». وأشار الطرانيسي إلى أن السياحة من دول الخليج إلى مصر تكون أكثر في أشهر الصيف وحتى منتصف شهر سبتمبر (أيلول) إلا أنها تأثرت بدورها فتوجهت أنظارها نحو تركيا ولبنان واليونان، وبالنسبة لموسم أعياد رأس السنة فالسياحة الخليجية تتوجه بشكل أكبر إلى الدول الأوروبية وعلى رأسها إنجلترا.

أضاف الطرانيسي: «يعمل في قطاع السياحة قرابة 4 ملايين عامل وموظف بطريقة مباشرة وبطريقة غير مباشرة، فالسياحة تعتبر دخلا أساسيا لنحو 20 مليون مصري، بالإضافة إلى أن هناك 78 صناعة تدخل في السياحة مثل الإسمنت وحديد التسليح وصناعة المياه المعدنية والمياه الغازية وبالتالي ستتأثر هذه الصناعات بدورها، وفي العام الماضي حققنا 150 مليون ليلة سياحية، فعلى سبيل المثال إذا اشترى السائح الواحد زجاجتي مياه فالمجموع الكلي سيكون 300 مليون زجاجة وهذا الكلام عن قطاع واحد فقط».

وأعرب الطرانيسي عن قلقله من استمرار الوضع على حاله، فعلى الرغم من أن مصر تعتبر وجهة سياحية أساسية فإنها معرضة لفقدان هذه الميزة إذا طالت مدة الاضطرابات الأمنية، فالسياح إذا استبدلوا بمصر مناطق أخرى في الوقت الحالي فهناك إمكانية أن تكون وجهتهم الجديدة هي الأساس بعد ذلك حتى لو كانت تكلفتها أعلى، إلا أن الطرانيسي يرى أنه بعودة الأمن والاستقرار إلى الشارع المصري فالسياحة ستعود إلى سابق عهدها بشكل تلقائي. ويعتبر قطاع السياحة من أهم مصادر النقد الأجنبي في مصر، وأثرت الأوضاع الاقتصادية المتدهورة على احتياطي النقد الأجنبي لدى مصر، وكشفت دراسة مصرفية حديثة للباحث المصرفي أحمد آدم عن وصول الانخفاض الفعلي في الاحتياطيات الرسمية وغير الرسمية من النقد الأجنبي إلى 22.9 مليار دولار في 11 شهرا وسط تأكيدات من المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يدير شؤون البلاد منذ تنحي الرئيس المصري السابق حسني مبارك في فبراير (شباط) الماضي بوصول الاحتياطي النقدي الأجنبي إلى 15 مليار دولار بنهاية شهر يناير (كانون الثاني) المقبل.

وعلى صعيد متصل وقع الاختيار على مصر لتكون أول دولة عربية تحمل صفة الدولة الشريك لبورصة برلين الدولية في 2012، والتي ستعقد خلال الفترة من 7 إلى 11 مارس (آذار) المقبل، وتستضيف بورصة برلين أكثر من 170 ألف زائر أغلبهم من المهنيين، وتعد البورصة الملتقى العالمي الأكبر في مجال السياحة، حيث يلتقي في أروقتها قمم صناعة السياحة العالمية من منظمات سياحية متخصصة ومنظمي البرامج والرحلات ووكلاء السياحة والسفر وسلاسل الفنادق العالمية، وغيرها من عناصر صناعة السياحة والصناعات المرتبطة بها، كما تتيح صفة الدولة الشريك لمصر تكثيفا إعلاميا خاصا سواء من حيث المواد الدعائية والملصقات أو من حيث الأنشطة والتفاعليات قبل وأثناء وبعد الحدث مما يمنح الأهمية للدولة الشريك للبقاء على رأس قائمة اهتمامات القطاع السياحي العالمي على مدار العام. وأكد يوجيم بوشي رئيس اتحاد الشركات الألمانية، في المؤتمر الذي عقد بالقاهرة أول من أمس بمناسبة توقيع الاتفاقية، أن السياح الألمان سيأتون إلى مصر أيا كانت القوى السياسية التي سوف تحكم مصر، مؤكدا أن الألمان لا يخافون من أي قوى تأتي عن طريق الشارع لتحكم مصر. وأوضح بوشي أن الألمان يزورون كوريا الشمالية رغم الاختلاف الكبير بين الدولتين ورغم عدم وجود مقاصد سياحية في كوريا كما أنه لا يمكن إغفال مصر من خريطة السياحة العالمية.

وقال بوشي إن منظمي الرحلات يتكيفون مع العادات والتقاليد المطبقة في أي بلد ويشرحون هذه العادات للزوار للتكيف مع مختلف الجوانب، ولهذا فهم مستمرون في التعاون مع مصر بعد الثورة، وأضاف بوشي: «إننا سوف نوقع عقد شراكة مع مصر خلال فعاليات بورصة برلين، كما أننا لا يمكن أن ننكر أن ما نراه على شاشات التلفزيون سيؤثر على الزائر إلى مصر ولكن نحن متفائلون بعودة سريعة للسياحة المصرية وزيادة السياح الألمان إلى المقاصد المصرية، فمصر لديها ما يؤهلها لاستقبال 25 مليون سائح سنويا بما يتميز به موقعها على البحر الأحمر والنيل الذي يعد من أكثر الأماكن جذبا للسياح. وفي سياق متصل، كشفت إحصائيات صادرة عن بيان للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عن تراجع عدد السائحين الأجانب إلى مصر خلال الربع الثالث من العام الحالي بنحو 24 في المائة ليصل إلى 2.8 مليون سائح مقابل 3.6 مليون سائح في الفترة نفسها من 2010.

وأوضح بيان المركزي أن السائحين القادمين من أوروبا الغربية كانوا أكثر تأثرا بالأحداث الأخيرة في مصر، حيث انخفض عدد السائحين القادمين منها خلال الربع الثالث بنسبة 33.1 في المائة مقارنة بنفس الربع عام 2010 يليها في القائمة السائحون القادمون من الشرق الأوسط بنسبة 21.6 في المائة.

وأشار البيان إلى أن أوروبا الغربية أكثر المناطق إيفادا للسائحين لمصر خلال الفترة من يوليو (تموز) حتى نهاية سبتمبر (أيلول) بما نسبته 39.9 في المائة، تليها أوروبا الشرقية بنسبة 24.6 في المائة ثم الشرق الأوسط بنسبة 16.6 في المائة وأخيرا أفريقيا بنسبة 3.6 في المائة.

وأشار البيان إلى انخفاض عدد الليالي السياحية التي قضاها السائحون خلال الربع الثالث ليصل إلى 37.4 مليون ليلة بنسبة انخفاض قدرها 12.9 في المائة، مقارنة بنحو 43 مليون ليلة خلال الفترة نفسها من العام الماضي.

وكانت أوروبا الغربية أكثر المناطق التي شهدت انخفاضا في عدد الليالي السياحية بنسبة 22.6 في المائة، مقارنة بنفس الربع في العام الماضي، تليها أميركا الشمالية بنسبة 28.1 في المائة، وأوضح البيان أن أكبر عدد من الليالي السياحية التي قضاها السائحون خلال الربع الثالث كانت من نصيب أوروبا الغربية بما نسبته 38 في المائة، يليها الشرق الأوسط بنسبة 26.6 في المائة، وأوروبا الشرقية بنسبة 23.8 في المائة، ثم أفريقيا بنسبة 5.3 في المائة.