اقتصاديون: مصر قد تواجه أزمة عملة وأزمة ميزانية في مستهل العام الجديد

قد تطلب من صندوق النقد قروضا تتراوح بين 10 إلى 15 مليار دولار

يترنح الاقتصاد المصري منذ أن تسببت الانتفاضة في خروج السائحين والمستثمرين («الشرق الأوسط»)
TT

لا تمتلك مصر خيارات كثيرة غير العودة إلى صندوق النقد الدولي ليساعدها في الحصول على ما يصل إلى 15 مليار دولار، لتفادي أزمة مالية شاملة، لكن يبدو أن المجلس العسكري الحاكم يحاول تأجيل الأمر لتجنب اللوم على طلب أموال من مؤسسة أجنبية أثناء إدارته لشؤون البلاد، وذلك حسب ما ذكرت «رويترز».

ويقول اقتصاديون إن برنامج تمويل قيمته ثلاثة مليارات دولار كانت مصر قد تفاوضت بشأنه مع صندوق النقد الدولي، ثم رفضته في يونيو (حزيران)، قد لا يكون كافيا الآن لإدارة خفض محكوم في قيمة العملة والسيطرة على عجز الميزانية.

ومما يضيف إلى متاعب الاقتصاد، الذي أنهكته أشهر من الاضطرابات والعنف، أن مؤسسة «موديز» خفضت التصنيف الائتماني لمصر درجة واحدة هذا الأسبوع، وحذرت من أن البلاد قد تكون مقبلة على خفض آخر بسبب الضبابية السياسية. وقال سيد هيرش، الخبير الاقتصادي لدى «كابيتال إيكونوميكس»: «هذا لا يكفي، لأنه حين جرى التفاوض على ثلاثة مليارات دولار في يونيو كان الوضع مختلفا جدا». وأشار وزيران تسلما حقيبة المالية أثناء العملية الانتقالية في مصر، وكلاهما الآن خارج المنصب، بالإضافة إلى وزيرة التخطيط التي ما زالت في منصبها، ورئيس الوزراء الجديد جميعا، إلى أن مصر تدرس أو تحتاج مساعدة من صندوق النقد الدولي. لكن في أغلب المرات حين يبدو أن المسؤولين الحكوميين يقتربون من التوقيع، يبدي الجيش تردده».

وقال اللواء مختار الملا للصحافيين هذا الشهر إن الأسهل على المجلس العسكري أن يقبل قروضا من الخارج ويوزعها على الشعب المصري ليعيش حياة أفضل، ثم يسلم السلطة ويتحمل الشعب المصري سداد هذه الديون. ويرتبط صندوق النقد الدولي في أذهان كثير من المصريين الذين يتابعون الوضع المالي للبلاد بشروط صارمة أضرت جزءا كبيرا من المجتمع على الرغم من أن اقتصاديين يقولون ويعترف مسؤولون في أحاديث خاصة بأن هذه الإجراءات ساعدت الاقتصاد ككل. واعترف مسؤولون أيضا فيما بينهم بأن التمويل الأخير لم يتضمن شروطا كثيرة، وهو ما قالته أيضا مصادر مطلعة على محادثات مع مؤسسات في واشنطن.

وقال رئيس الوزراء المصري كمال الجنزوري - الذي عينه الجيش، وكان رئيسا للوزراء أيضا في التسعينات، حين كانت مصر تنفذ برنامجا لصندوق النقد الدولي - الأسبوع الماضي، إن الحكومة لن توافق على قرض من صندوق النقد حتى تصبح صورة الميزانية أكثر وضوحا. لكنه قال إن الضرورة قد تقتضي ذلك، وحذر من أن البلاد تحتاج بعض إجراءات التقشف لتصحيح وضعها المالي مع حماية المواطنين الأشد احتياجا.

لكن المجلس العسكري الحاكم وحكومته يخشون من خفض الإنفاق نظرا لأن الانتفاضة التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك في فبراير (شباط) ترجع جزئيا إلى غضب شديد لدى كثير من المصريين الذين شعروا أنهم يزدادون فقرا بينما تزداد النخبة المرتبطة بالسلطة ثراء. ويترنح الاقتصاد المصري منذ أن تسببت الانتفاضة في خروج السائحين والمستثمرين، ويقول بعض الاقتصاديين إنه إذا لم تحصل مصر على تمويل خارجي قريبا فقد تواجه أزمة عملة وأزمة ميزانية في الربع الأول من 2012.

ويقول اقتصاديون إن المشكلات السياسية والاقتصادية تفاقمت منذ أن رفضت مصر قرض صندوق النقد الدولي في يونيو. ولقي عشرات المحتجين حتفهم في اشتباكات مع الجيش، واتسع العجز في الميزانية، وزادت تكلفة الاقتراض المحلية، وتراجعت احتياطيات النقد الأجنبي، وانخفض الطلب على الصادرات المصرية مع ضعف الاقتصاد العالمي.

وقال اقتصاديون إنه يجب إعادة التفاوض بشأن أي تمويل من صندوق النقد وزيادته وأن أي تأخيرات ستؤدي إلى تفاقم الأزمة. ومن المرجح أن تتزايد خسائر الجنيه المصري، وهو ما سيرفع التضخم وأسعار الفائدة على الأوراق المالية الحكومية، وقد يسبب مزيدا من الاضطرابات مع سقوط عدد أكبر من المواطنين في براثن الفقر، كما سيؤدي إلى هبوط الاستثمار الأجنبي المباشر بشكل أكبر. وقال عدد من الاقتصاديين إن أي برنامج تمويل من صندوق النقد الدولي يجب أن يتراوح بين عشرة مليارات دولار و15 مليار دولار.

وقال هيرش: «أعتقد أن الحكومة كانت تأمل أن تكون الأوضاع الاقتصادية الآن مختلفة عما هي عليه». وقد يستخدم جزء من تمويل صندوق النقد لمساعدة الحكومة على تمويل عجز الميزانية الذي يبلغ حاليا نحو 11 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك بأسعار فائدة أقل. وبسبب اعتماد الحكومة على السوق المحلية فقط لجمع التمويل، ارتفعت في الأسابيع الأخيرة أسعار الفائدة على بعض أوراقها المالية إلى أكثر من 15 في المائة مقارنة مع 1.5 في المائة كانت ستدفعها مقابل قروض صندوق النقد.

وارتفاع تكلفة الدين يؤدي بدوره إلى اتساع العجز، ويجبر الحكومة على اقتراض المزيد. وقد يستخدم جزء آخر من تمويل صندوق النقد في مساعدة البنك المركزي على إجراء خفض محكوم في قيمة الجنيه المصري، وساعد البنك المركزي على المحافظة على قوة الجنيه منذ الانتفاضة عن طريق سحب نحو 16 مليار دولار من الاحتياطيات الأجنبية التي بلغت بنهاية نوفمبر (تشرين الثاني) 20 مليار دولار فقط، وتراجعت الاحتياطيات بمقدار نحو أربعة مليارات دولار خلال الشهرين الماضيين وحدهما.

وهذا التراجع السريع يجعل سياسة العملة لدى البنك المركزي غير قابلة للاستمرار، ويقول اقتصاديون إنه قد تحدث أزمة عملة خلال الربع الأول وهو وقت حرج سياسيا للمجلس العسكري، حيث من المقرر أن يقود البلاد إلى الحكم المدني.

وقال اقتصادي في سفارة دولة غربية: «هذا خطير لأنه سيكون قبل تسلم البرلمان لصلاحياته، وقبل الانتخابات الرئاسية». وبحسب الجدول الذي حدده المجلس العسكري، سيبدأ انعقاد البرلمان في أبريل (نيسان)، وتعقبه عملية سياسية شائكة لكتابة دستور جديد، ثم إجراء انتخابات رئاسية في نهاية يونيو.

وقال هيرش إنه إذا نفذت الحكومة خفضا محكوما لقيمة الجنيه بدعم من تمويل صندوق النقد فإن الجنيه سيتراجع إلى 6.50 جنيه للدولار بنهاية يونيو من سعره الراهن، لكن إذا كان الانخفاض خارج السيطرة فقد يصل إلى ثمانية جنيهات للدولار. وسينعكس ضعف الجنيه في ارتفاع التضخم بما في ذلك ارتفاع أسعار واردات المواد الغذائية الأساسية، مثل الشاي والسكر، الذي سيؤثر بشدة على محدودي الدخل. وقال دبلوماسي: «الوضع السياسي لن يكون مواتيا لإصلاح الاقتصاد، ومن المحتمل أن التأثير السياسي لأي تقشف في الأشهر الستة المقبلة سيكون شديدا جدا».