«جدوى» للاستثمار تتوقع تخطي الإنفاق الفعلي مستوى الإنفاق المقرر في الميزانية السعودية

تترقب أن يبلغ الإنفاق الإجمالي نحو 195.4 مليار دولار في 2012

يشير تقرير «جدوى» الى أن الإنفاق الذي أقرته ميزانية 2012 سجل مستوى قياسيا يدل على استمرار لحكومة في تطوير البنيات التحتية البشرية والمادية («الشرق الأوسط»)
TT

توقع تقرير اقتصادي، أمس، تسجيل السعودية فائضا قدره 91 مليار ريال (24.2 مليار دولار) في ميزانية عام 2012، وهو ما يعادل 4.5% من الناتج الإجمالي المحلي المتوقع، وذلك على أساس تقدير بأن تأتي أسعار النفط الفعلية أعلى من المستويات التي استخدمت في الميزانية، مما يؤدي إلى تجاوز إيرادات النفط الفعلية الإيرادات المقررة بموجب الميزانية.

وتتوقع أن تسهم العائدات النفطية بمبلغ 744 مليار ريال (198.4 مليار دولار) في الميزانية، بالإضافة إلى 80 مليار ريال (21.3 مليار دولار) من العائدات غير النفطية.

وقالت شركة «جدوى» للاستثمار: سيتخطى الإنفاق الفعلي مستوى الإنفاق المقرر في الميزانية؛ حيث تشير إلى أن الإنفاق الفعلي تخطى تقديرات الميزانية بمعدل 24% في المتوسط خلال الأعوام العشرة الأخيرة.

وأضافت: «جاءت حدة تجاوز الإنفاق الفعلي للمستويات المقررة في ميزانية 2011 أعلى من ذلك المعدل، وبلغت 39%، وذلك بسبب التزامات الصرف التي تضمنتها المراسيم الملكية التي تم الإعلان عنها في شهري فبراير (شباط) ومارس (آذار) الماضيين».

وأشار التقرير، الذي جاء بعنوان «الميزانية السعودية 2012»، إلى أنه في ضوء تلك المراسيم غير المتكررة والرؤية بأن الإيرادات والمصروفات، حسب الميزانية، جاءت أقل تحفظا من المعتاد، فينتظر أن يأتي تخطي الإنفاق الفعلي للمستويات المقررة، ومتماشيا مع النمط التاريخي ويتوقع أن يبلغ الإنفاق الإجمالي نحو 733 مليار ريال (195.4 مليار دولار).

وأشار التقرير إلى أن التوقعات أن يبلغ مستوى سعر النفط اللازم كي تتعادل الإيرادات مع المصروفات العامة، ما يعرف بالسعر التعادلي، 74 دولارا للبرميل لخام الصادر السعودي، ما يعادل نحو 70 دولارا لخام غرب تكساس، و78 دولارا لخام برنت.

وذكرت «جدوى» أن حساب ذلك السعر جاء على افتراض أن يبلغ متوسط الإنتاج الكلي 8.8 مليون برميل يوميا، وأن يكون الاستهلاك المحلي في حدود 2.4 مليون برميل، وقد أدى إنتاج الغاز من حقل كران، الذي بدأ العمل في يوليو (تموز)، إلى تقليل تأثير ارتفاع حجم استهلاك الطاقة المحلي على الطلب المحلي للنفط، مشيرا إلى أن الإنتاج من حقل كران لن يبلغ طاقته الكاملة إلا في عام 2013، فيتعين أن يخفف هذا الحقل بعض العبء عن النفط كمصدر للطاقة للاستهلاك المحلي خلال عام 2012.

وتوقع التقرير أن يتواصل انتعاش الاقتصاد السعودي لسنة أخرى عام 2012، لكن النمو سيتباطأ بسبب انخفاض حجم إنتاج النفط، كما يتوقع أن يعزز نمو القطاع غير النفطي نتيجة لزيادة التوسع في تنفيذ المشاريع الاستثمارية الحكومية، خاصة في قطاع المساكن.

كذلك ستبقى القروض المصرفية داعمة للنمو، وسيتراجع الأثر السلبي للاضطرابات التي تشهدها المنطقة، وسوف يتراجع معدل التضخم قليلا بسبب انحسار ضغوط الإنفاق المحلي وتقلص الضغوط الخارجية، ويتوقع انخفاض أسعار النفط نتيجة لتباطؤ نمو الطلب بسبب ضعف الاقتصاد العالمي من جهة وزيادة العرض بسبب زيادة الإنتاج من ليبيا والعراق من جهة أخرى.

ويتوقع أن يتراجع معدل نمو الاقتصاد السعودي إلى 2.7% عام 2012 بسبب انخفاض حجم إنتاج النفط مقابل انتعاش النمو في القطاعات غير النفطية. وسيظل الإنفاق الحكومي الكبير يعمل بمثابة المحرك للاقتصاد غير النفطي مدعوما بالقروض المصرفية الكبيرة. وسيكون قطاعا المرافق العامة والبناء والتشييد، باعتبارهما المستفيدين الرئيسيين من الإنفاق الحكومي الضخم، أسرع القطاعات نموا في الاقتصاد.

ويتوقع أن ينخفض معدل التضخم خلال عام 2012 إلى 4.4% في المتوسط، بفضل تراجع الضغوط التضخمية من الخارج، ويعتقد أنه ستكون هناك بعض الضغوط التضخمية المحلية نتيجة لارتفاع مستويات الإنفاق الحكومي والاستهلاكي على حد سواء.

ويتعين أن ينخفض تضخم الإيجارات مع دخول المزيد من العقارات إلى السوق؛ حيث إن ارتفاع الإيجارات خلال الشهور الماضية كان نتيجة لزيادة مؤقتة في مداخيل المستهلكين، وهو ما يعني أن الانخفاض لن يكون كبيرا.

ولا يتوقع أي تغيرات فيما يتعلق بسياسة ربط سعر صرف الريال بالدولار، وسيؤدي انخفاض إيرادات النفط إلى تراجع طفيف في فائض الحساب الجاري لكنه سيظل ضخما وسيعادل أكثر من 15% من الناتج المحلي الإجمالي.

وعلى الرغم من أن صورة الاقتصاد ستتحسن عام 2012، لكنه سيكون العام الرابع على التوالي الذي يعتمد فيه النمو الاقتصادي على الإنفاق الحكومي بدرجة كبيرة. ومع أن الحكومة تستطيع تحمل ذلك الإنفاق، فإن النمو الاقتصادي الذي يأتي نتيجة لذلك لن يكون مثيرا للإعجاب. أما المخاطر التي قد تقوض من تقديراتنا فتتركز حول الأوضاع في منطقة اليورو، ذلك أن أي تفكيك للعملة الموحدة للإقليم بطريقة غير منظمة ستترتب عليه تداعيات خطيرة لن تكون المملكة بمنأى عنها.

سجل حجم الإنفاق الذي أقرته ميزانية 2012 مستوى قياسيا آخر يدل على استمرار الحكومة في برنامجها لتطوير البنى التحتية البشرية والمادية. كذلك سجلت الإيرادات قفزة كبيرة على الرغم من عدم الإعلان عن مبادرات جديدة في إشارة إلى أن الحكومة أصبحت، فيما يبدو، أقل تحفظا بشأن تقديراتها لأسعار النفط. ولأول مرة منذ عام 2008 تقر المملكة ميزانية تتضمن فائضا.

وفي الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة والدول الأوروبية إلى خفض نفقاتها كي تتمكن من التحكم في العجز في موازناتها وتقليص ديونها، نجد أن هذا الأمر لا يشكل هاجسا للمملكة؛ حيث تشتمل الميزانية على فائض وإن كان صغيرا والدين العام منخفض جدا، وحتى إن طرأ عجز فيمكن تمويله بسهولة باستخدام احتياطي المملكة الضخم من الموجودات الأجنبية دون أن تضطر لإصدار دين جديد.

وتم تقدير الحجم الإجمالي للمصروفات حسب ميزانية عام 2012 عند مستوى 690 مليار ريال (184 مليار دولار) بما يفوق المصروفات المقررة في ميزانية عام 2011 بنحو 19%، مسجلة بذلك أعلى نمو سنوي في إنفاق تقره الميزانية منذ عام 2006.

أما التمويل اللازم لبناء 500 ألف وحدة سكنية، البالغ 250 مليار ريال، فقد تم تحويله سلفا من فائض إيرادات ميزانية عام 2011 إلى حساب خاص لدى مؤسسة النقد العربي السعودي حسب بيان الميزانية.

وعلى الرغم من أن الإنفاق المقرر في الميزانية يقل كثيرا عن الإنفاق الفعلي للعام 2011 فإن ذلك لا يستدعي القلق؛ حيث إنه من الطبيعي أن يتخطى الصرف الحكومي الفعلي الإنفاق المقرر في الميزانية وفقا للتقرير؛ لذا أتى إجمالي الإنفاق المقرر في العام الجديد أقل من الإنفاق الفعلي للعام السابق، وكان عام 2000 آخر عام تجاوز فيه الإنفاق المقرر في الميزانية الإنفاق الفعلي للعام الذي سبقه.

ويعادل الفرق بين مستوى الصرف المقرر في ميزانية عام 2012 والصرف الفعلي في عام 2011 نحو 14%، مقارنة بمتوسط يبلغ 9% لسنوات العقد الماضي.

وجاء الاختلاف في الميزانية نتيجة لصرف مبالغ ذات طبيعة غير متكررة في عام 2011؛ حيث تم إنفاق 100 مليار ريال (26.6 مليار دولار) في شكل مكافأة راتب شهرين إضافيين منحت إلى موظفي الحكومة وتحويلات إلى صندوق التنمية العقاري وبنك التسليف السعودي، وهي مصروفات لن تتكرر عام 2012.

على الرغم من ذلك، فإن بنود حزم الإنفاق الإضافي التي تم اعتمادها سوف تنعكس على حجم الإنفاق المقرر لعام 2012، وأهم تلك البنود: رفع الحد الأدنى للأجور الذي سيكلف نحو 3 مليارات ريال (800 مليون دولار) هذا العام - تم تحميل عام 2011 معظم هذه التكلفة الإضافية - وبرنامج إعانة الباحثين عن العمل الذي سيبدأ تطبيقه في يناير (كانون الثاني) - بدلا من نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، كما كان مخططا في السابق - والذي تقدر تكلفته بنحو مليار ريال (266 مليون دولار) شهريا.

وتم رفع الإنفاق الاستثماري حسب الميزانية إلى 265 مليار ريال (70.6 مليار دولار)، وهو مستوى يأتي متسقا مع مستويات العامين السابقين، مما يدل على أن معظم الزيادة المقررة في المصروفات تندرج تحت بنود الإنفاق الجاري. وتشكل المرتبات والأجور أكبر مكون للإنفاق الجاري، ومن المؤكد أنها ستكون أكبر مساهم في هذا المستوى المرتفع من الإنفاق. كذلك يرجح أن ترتفع تكاليف التشغيل والصيانة بسرعة وستصبح من أهم البنود في بند المصروفات الجارية خلال السنوات المقبلة عندما تنتقل معظم المشاريع إلى مرحلة التشغيل.

وجاءت أولويات الصرف متسقة مع أولويات موازنات الأعوام الأخيرة؛ حيث حظي قطاع التعليم بالنصيب الأكبر من المخصصات التي تم الكشف عنها في الميزانية وشكلت مصروفاته 24% من إجمالي الإنفاق. وسجلت قطاعات النقل والصحة والشؤون الاجتماعية أعلى نسبة زيادة في المخصصات. وقدرت ميزانية عام 2012 إجمالي الإيرادات بنحو 702 مليار ريال نتوقع أن تسهم مبيعات النفط بنحو 85% منها، لكن لا تتوافر تفاصيل رسمية بهذا الخصوص. وكما جرت العادة لم يكشف عن متوسط سعر النفط ولا حجم الإنتاج اللذين بني عليهما تقدير الإيرادات النفطية في الميزانية، إلا أن «جدوى» ترى أن من شأن متوسط للإنتاج اليومي يبلغ 8.8 مليون برميل ومتوسط لسعر سلة الخامات السعودية يبلغ 69 دولارا للبرميل (ما يعادل نحو 65 دولارا لبرميل خام غرب تكساس و73 دولارا لمزيج برنت) أن يستوفيا الإيرادات النفطية المقررة في الميزانية.

ومن البديهي، بحسب التقرير، أن تتم صياغة الميزانية على أساس تقدير متحفظ لأسعار النفط، فخلال العقد الماضي جاء السعر الفعلي للنفط أعلى بواقع 70% في المتوسط عن السعر المستخدم في وضع تقديرات الميزانية (نرجح أن السعر الفعلي كان أعلى من السعر التقديري بواقع 85% بالنسبة لعام 2011)، وكانت آخر سنة انخفض فيها متوسط السعر الفعلي للنفط مقارنة بالسعر المستخدم في تقديرات الميزانية هي عام 1998. حاليا يتم بيع خام غرب تكساس بسعر 99.7 دولار أي أعلى بواقع 52% عن مستوى السعر الذي نعتقد أنه استخدم في صياغة تقديرات الميزانية.