مصر تسعى لاقتراض 15 مليار جنيه من السوق المحلية وتتفاوض على 15 مليار دولار من الخارج

مخاطر الدين تتزايد في ظل احتياج لا ينتهي بعد الثورة

جانب من البورصة المصرية، حيث يترقب المتعاملون تدفق السيولة خلال العام الجديد («الشرق الأوسط»)
TT

تعتزم وزارة المالية طرح مزادات لتوفير 15 مليار جنيه (2.48 مليار دولار) تنوي اقتراضها من البنوك التي لها حق الدخول في المزادات التي تطرحها الحكومة لاقتراض دين قصير الأجل «أذون خزانة وسندات»، في إطار استمرار الحكومة في إجراءاتها الرامية إلى توفير السيولة المناسبة لمواجهة احتياجات البلاد في ظل العجز المرتفع للموازنة العامة للدولة.

ومن المقرر أن يطرح البنك المركزي المصري بالإنابة عن وزارة المالية أذون خزانة على البنوك بقيمة 10 مليارات جنيه (1.6 مليار دولار)، منها 3.5 مليار جنيه (580 مليون دولار) لأجل 273 يوما، تم طرحها أمس، أما القيمة المتبقية من المبلغ فسيتم طرح أذون خزانة بها (اليوم) 29 ديسمبر (كانون الأول)، منها 3 مليارات جنيه (497 مليون دولار) لأجل 182 يوما، و3.5 مليار جنيه (580 مليون دولار) لأجل 364 يوما.

أما السندات طويلة الأجل فقررت وزارة المالية بالتعاون مع البنك المركزي طرح اثنين منها يوم 2 يناير (كانون الثاني) المقبل، وتستهدف من ورائها اقتراض 5 مليارات جنيه (829 مليون دولار) منها 3 مليارات جنيه (497 مليون دولار) لأجل 3 أعوام ومليارا جنيه (331 مليون دولار) لأجل 5 أعوام.

وفي سياق متصل تعكف الحكومة المصرية على دراسة العرض المقدم لها من البنوك العامة في السوق المصرية لإقراضها ما تحتاجه بالدولار الأميركي نظرا لتوافر فائض لديها من العملة، بعد قبولها 2.5 مليار دولار في وقت سابق من خلال أطروحتين للدولار تما مطلع الشهر الحالي خاصة أن متوسط سعر الفائدة عليهما كان 3.8 وهو سعر ملائم جدا إذا ما تمت مقارنتهما بسعر الفائدة على السندات بالجنيه المصري، والتي وصلت إلى 15% في الأطروحات الأخيرة.

كانت الحكومة المصرية قد قامت لأول مرة منذ اعتمادها على آلية أذون الخزانة والسندات في الاقتراض في تسعينات القرن الماضي، بطرح سندات بالدولار لتقليل من مخاطر تراجع الاحتياطي النقدي الذي فقد 16 مليار دولار منذ ثورة 25 يناير التي أطاحت بالنظام السابق، مسجلا 20 مليار دولار نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بعد أن كان 36 مليار في ديسمبر الماضي.

وحذر محمد النادي مدير الاستثمار بالمصرف العربي الدولي من استمرار الاعتماد على آلية الاقتراض قصير الأجل خاصة من خلال السندات بالدولار مخافة ارتفاع أسعار الدولار أمام الجنيه المصري، مما يشكل تكلفة باهظة على الحكومة عند سداد تلك الديون ويزيد من تراجع الاحتياطي الذي يستخدم في سداد الديون التي بلغت الخارجية منها نحو 35 مليار دولار، ومتوقع أن تزيد في ظل المفاوضات الجارية مع عدة دول عربية وصندوق النقد الدولي بما يتراوح من 10 إلى 15 مليار دولار.

ويزيد من مخاطر الدين من خلال السندات وأذون الخزانة أنه بحلول شهر يناير القادم سترتفع مطالبات البنوك المقرضة للحكومة لسداد ديون الحكومة التي استحق موعد سدادها، ، حسب الخبير المصرفي أحمد سليم، الذي يضيف أن في مثل تلك الفترة من العام الحالي تم طرح سندات وأذون خزانة بآجال قصيرة، مما أدى لقرب موعد سدادها، وأشار سليم إلى أن إجمالي ما ستسدده الحكومة للبنوك خلال الفترة من يناير إلى مارس (آذار) 140 مليار جنيه (23.2 مليار دولار).

وكانت مؤسسة موديز قد توقعت أنه من دون مساعدة مالية سيجد البنك المركزي المصري صعوبة متنامية في المحافظة على سيولة كافية من الاحتياطيات، وقالت إن الضغط على ميزان المدفوعات المصري الذي حدث بسبب الاضطرابات السياسية الداخلية سيتفاقم جراء الأزمة الاقتصادية في أوروبا. وكانت احتياطيات النقد الأجنبي قد تراجعت إلى نحو 20 مليار دولار مقارنة بنحو 36 مليار دولار في ديسمبر الماضي، وذلك نتيجة حالة عدم الاستقرار وتراجع الاستثمار الأجنبي المباشر وإيرادات السياحة.

وقالت موديز إنها خفضت تصنيفها الائتماني للسندات الحكومية المصرية درجة واحدة إلى B2 من B1، وعزت ذلك إلى اضطراب الوضع السياسي في البلاد وتأثيره السلبي على ثقة المستثمرين، وذكرت موديز أيضا أنها وضعت تصنيف السندات الحكومية المصرية قيد المراجعة لخفض آخر محتمل، وأنها تعتقد أنه من دون مساعدة مالية سيجد البنك المركزي المصري صعوبة متنامية في المحافظة على سيولة كافية من الاحتياطيات.

وكان صندوق النقد الدولي قد أعلن يوم الثلاثاء الماضي اعتزامه الاجتماع مع السلطات المصرية لمناقشة المشكلات الاقتصادية التي تواجهها البلاد لكنه أضاف أن أي تمويل يجب أن يقدم بناء على معايير تحظى بتأييد سياسي واسع.

وكانت مصر التي تضرر اقتصادها جراء الانتفاضة التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك في فبراير (شباط) رفضت تمويلا قيمته 3.2 مليار دولار من الصندوق في يونيو (حزيران) الماضي، لكن وزراء مصريين أشاروا إلى أن السلطات قد تكون مستعدة في الوقت الحالي للعودة إلى مائدة التفاوض.

وقال ممثل للصندوق في بيان صدر أول من أمس إن فريق صندوق النقد الدولي يتطلع إلى محادثات في يناير مع السلطات بشأن برنامجها الاقتصادي لمواجهة الوضع الاقتصادي والمالي الصعب في مصر.

ويقول خبراء اقتصاديون إنه بعد تفاقم الأوضاع الاقتصادية قد تحتاج مصر الآن ما يصل إلى 15 مليار دولار لتفادي أزمة مالية شاملة.

وحول الاقتراض الخارجي واعتباره المخرج الآمن حاليا للاقتصاد المصري من كبوته، قال هشام عز العرب رئيس البنك التجاري الدولي (أكبر بنوك القطاع الخاص في مصر) لـ«الشرق الأوسط» إن «الحكومة السابقة التي تولت تسيير الأعمال لم تساعد في تحريك الاقتصاد، بل ممكن أن تكون أضرت به، حيث كان من الممكن إنقاذه مما وصل إليه، وأداء تلك الحكومة هو الذي جعلنا نقول الآن إن الاقتراض الخارجي أصبح ضرورة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وتقليل حجم الخسائر وتقصير مدة التعافي».

وخلال اجتماع للجنة الوزارية الاقتصادية الذي جرى مطلع الأسبوع الحالي أشار إلى أنه لا مفر من الاقتراض الخارجي بما يتراوح بين 10 و15 مليار دولار لمواجهة عجز الموازنة الذي ينتظر وصوله إلى 182 مليار جنيه (30.18 مليار دولار) بدلا من 134 مليار جنيه (22.2 مليار دولار) والتي كانت مقدرة في وقت سابق.