لأول مرة منذ تأسيس «المركزي الأوروبي».. منصب كبير الاقتصاديين يتولاه بلجيكي وليس ألماني

تخفيض مرتبات الوزراء في الحكومة البلجيكية في إطار خطة لتوفير ملياري يورو تنفيذا لمطالب أوروبية

مقر البنك المركزي الأوروبي بمدينة فرانكفورت في ألمانيا («الشرق الأوسط»)
TT

تسلم البلجيكي بيتر برايت مهام منصب كبير اقتصاديي البنك المركزي الأوروبي وذلك خلافا لما كان متعارفا عليه منذ تأسيس البنك قبل 13 عاما وهو شغل شخصية مالية ألمانية هذا المنصب الحساس. وعلقت برلين على الأمر بأنه لا يمكن اعتباره نكسه لألمانيا. وفي بروكسل، نفي وزير المالية تقارير إعلامية تحدثت عن وجود خطط لرفع مرتبات الوزراء بنسبة 8%، وأكد على أن الحكومة ستبدأ بنفسها وستخفض مرتبات الوزراء بنسبة 5% على طريق تنفيذ إجراءات تهدف إلى ترشيد الإنفاق الحكومي لتوفير مليار و200 مليون يورو في أقرب وقت بعد أن طالبت المفوضية الأوروبية بإجراءات لتوفير ما بين مليار وملياري يورو لتحقيق الشروط اللازمة للوصول إلى نسبة عجز في الموازنة تتلاءم مع المعايير الأوروبية وهي أقل من 3% من إجمالي الناتج القومي. ونفي الوزير ما تردد من أن مرتب رئيس الحكومة ونوابه سيرتفع إلى 248 ألف يورو في العام، والوزير إلى 238 ألف يورو، وقال إنه كان هناك اتفاق حكومي في منتصف الشهر الماضي عند تشكيل الحكومة على تخفيض المرتبات الوزارية وليس زيادتها.

ففي برلين، وقع الاختيار على البلجيكي بيتر برايت لتولي منصب كبير اقتصاديي المصرف المركزي الأوروبي بدلا من الألماني يورغن شتارك، الذي استقال منتصف العام الماضي احتجاجا على موافقة البنك المركزي على شراء سندات مالية من دول أوروبية متعثرة. وشغل شخصية مالية بلجيكية هذا المنصب يحدث لأول مرة؛ حيث إنه كان من المعروف ومنذ تأسيس البنك المركزي الأوروبي قبل 13 عاما أن تشغل شخصية ألمانية المركز الذي يعتبر من أهم مراكز البنك المركزي الأوروبي. وأكدت الحكومة الألمانية أن عدم تعيين مسؤول ألماني في منصب كبير اقتصاديي البنك المركزي الأوروبي الذي يخرج لأول مرة منذ تأسيس البنك من أيدي ألمانيا «ليس نكسة».

وأعربت المستشارة الألمانية أجيلا ميركل في تصريح صحافي عن رضاها لعدم تعيين الألماني يورغ راسموسن في منصب كبير اقتصاديي البنك المركزي الأوروبي قائلة إنها «تستطيع وبشكل جيد قبول عدم تعيينه في هذا المنصب الحساس». من جهته، قال نائب المتحدث باسم الحكومة الألمانية جورغ شترايتر في مؤتمر صحافي إن بلاده «لا تعتبر شغل شخصية غير ألمانية هذا المنصب نكسة لألمانيا» تعليقا على وصف القرار من قبل حزب الخضر الألماني المعارض. بدوره، علق كبير اقتصاديي البنك المركزي الأوروبي السابق يورغن شتارك على تعيين البلجيكي بيتر برايت خلفا له بأن «ألمانيا تعرف أن تسلم المناصب في المؤسسات والهيئات الأوروبية لا يخضع لمبدأ الوراثة ولا يحق لدولة ما الإصرار على تعيين شخصيات في مناصب أوروبية كما تشتهي».

وفي بروكسل، وبينما استمرت ضغوط المفوضية الأوروبية على الحكومة البلجيكية الجديدة بسبب موازنة العام الحالي وطالبتها بخطة لتوفير ما بين مليار إلى ملياري يورو حتى يمكن الوصول إلى نسبة عجز أقل من 3% حسب المعايير الأوروبية، وذلك وسط تقارير إعلامية بلجيكية أشارت إلى أن هناك اتجاها لاتخاذ إجراءات لتجميد الإنفاق الحكومي لتوفير مليار و200 مليون يورو، على أن تتخذ إجراءات أخرى إضافية حول هذا الصدد عقب إجراء أول تقييم للموازنة في فبراير (شباط) المقبل، قال نائب رئيس الوزراء ووزير المالية البلجيكي ستيفان فاناكير إنه لا صحة مطلقا لما تناولته تقارير إعلامية من أن الحكومة بصدد رفع مرتبات الوزراء بنسبة 8%، «بل على العكس؛ هناك اتفاق بين الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي على تخفيض مرتبات الوزراء بنسبة 5%. وربما كان الأمر بمثابة خطأ غير مقصود في نص أحد المستندات التي عرضت على الاجتماع الوزاري الأخير». وكانت صحيفة «نيوز بلاد» البلجيكية قد ذكرت أن مرتب رئيس الوزراء ونوابه سيرتفع إلى 248 ألف يورو في العام بدلا من 224 وأن الوزير سيرتفع مرتبه إلى 238 ألف يورو في العام بدلا من 220 ألف يورو ووزير الدولة إلى 227 ألف يورو بدلا من 210. وعلق حلف التحالف الفلامنكي المعارض على هذا التقرير بقوله: «لا يصح أن نرى حجم الوزير في زيادة، بينما يلجأ البعض إلى النحافة والتخسيس».

واعتبرت المفوضية الأوروبية أن الأرقام الرسمية المقدمة من قبل الحكومة البلجيكية لا تعكس حقيقة الوضع الاقتصادي للبلاد، وأن جهودا إضافية وعاجلة تبدو ضرورية وإلا فإن بلجيكا ستتعرض لغرامة مالية كبيرة من قبل المفوضية بسبب تجاوزها معايير الاندماج النقدي الأوروبي. وأوضحت أنها ستقوم يوم الأربعاء المقبل بنشر معطيات مفصلة عن كل الدول التي تواجه عجزا محتملا في موازناتها وستنشر تفاصيل الأداء المالي لكل دولة ضمن أولى مراجعاتها المالية السنوية لهذا العام. وأكدت الحكومة البلجيكية في ردها على الرسالة أنه سيكون بوسعها توفير مليار يورو عند الضرورة عبر تجميد النفقات غير الضرورية وبشكل فوري، مطالبة في الوقت ذاته بمهلة زمنية قد تمتد لبضعة أشهر. ومن المرجح أن تجبر الحكومة البلجيكية على تجميد عدد من النفقات الاجتماعية والرفع من الضرائب واعتماد خطة تقشف جديدة قد تثير ردود فعل اجتماعية سلبية.

من جانب آخر، أفاد عضو المصرف المركزي الأوروبي ومحافظ مصرف «بلجيكا ليك كون»، أن دول الاتحاد الأوروبي بدأت في تدابير محددة للتحكم في العجز العام لدول اليورو. وبين في تصريح للمحطة الأولى للإذاعة البلجيكية، أن هذا الأمر يستوجب مهلة منطقية قبل أن يؤتي ثماره.

يأتي ذلك، بعد أن اعتبرت المفوضية الأوروبية أن الكساد يشكل خلال العام الجديد خطرا حقيقيا أمام دول الاتحاد الأوروبي، بما فيها دول منطقة العملة الأوروبية الموحدة؛ اليورو، وفي هذا الصدد، عبر الناطق باسم المفوضية الأوروبية أوليفيه باييه، عن أن الجهاز التنفيذي الأوروبي يناشد حكومات الدول الأعضاء التصرف بحكمة في مجال تصحيح عجز الموازنة بالتوازي مع تعزيز النمو الاقتصادي. وأشار الناطق إلى أن المؤشرات الاقتصادية الأوروبية تشير إلى أن معدل النمو في دول اليورو سيكون للعام 2012 مقدرا بـ0.5%، مؤكدا أن هذا الرقم يجب أن يخضع للمراجعة في بعض الدول، وأنه «يجب التركيز على المعطيات والإحصائيات وليس التقديرات، لأن بعض الدول أظهرت تفاؤلا نسبيا بشأن نسبة النمو الاقتصادي لديها»، وأوضح باييه أن المفوضية تأمل أن تركز الدول الأعضاء على إجراءات لتحفيز النمو والحفاظ على سوق العمل، وأنه «يجب العمل على الحفاظ على الاستثمارات في مجالات الطاقة النظيفة والتربية والشباب والبحوث والتحديث»، وأقر المتحدث بصعوبة إقامة توازن بين إجراءات التقشف الرامية إلى تصحيح عجز الموازنات في الدول الأوروبية، والعمل على تحفيز النمو الاقتصادي، وأن «الأمر لن يتم إلا بواسطة إصلاحات هيكلية حقيقية وإجراءات حكيمة تساهم في تخفيض النفقات في مجالات محددة والحفاظ عليها في مجالات أخرى»، وحذر المتحدث من خطورة التباطؤ في إجراءات الإصلاحات مما يجعل من خطر الكساد أكثر خطورة وحدة. يذكر أن بعض البلدان الأعضاء في منطقة اليورو، مثل بلجيكا، قد دخلت مرحلة الكساد؛ إذ سبق لمسؤولي المصرف المركزي أن أعلنوا الأمر مطالبين الحكومة بمراجعة إجراءاتها، وأنه «قد تم تقدير معدل النمو بـ0.5% للعام الحالي، بينما هو في حقيقة الأمر 0.8% ومن هنا تأتي ضرورة اتخاذ تدابير عاجلة إضافية»، حسب مصادر المصرف.