العقوبات الدولية والعربية على سوريا تعوق الصادرات اللبنانية

أدت إلى تراجع التجارة والترانزيت والنقل البري والصناعات الزراعية

TT

زادت التطورات الأمنية في سوريا من ضغطها على الواقع الاقتصادي اللبناني الذي يتأثر بشكل مباشر بالأزمة الاقتصادية والتجارية السورية، نتيجة التضييق والعقوبات وتوقف عمليات الاستيراد من سوريا وتراجع صادراتها إلى الخارج.

وكانت العقوبات الصادرة عن جامعة الدول العربية الأكثر تحديا بالنسبة للداخل السوري، كما للاقتصاد اللبناني، في ضوء تنامي المخاوف لدى الأوساط الاقتصادية من أن تؤدي هذه العقوبات إلى تزايد الخسائر التي يتكبدها الاقتصاد، خصوصا في قطاعات الزراعة والصناعة والنقل البري والتجارة وعمليات الترانزيت، إذ تعد سوريا المنفذ البري الوحيد للبنان باتجاه دول الجوار، مثل تركيا والعراق وإيران ومصر والأردن ودول الخليج.

وقد برزت التداعيات السلبية لهذه العقوبات في لبنان قبل أن يسري مفعولها على الاقتصاد السوري، عبر تراجع أكثر من مؤشر اقتصادي محلي من خلال توقف حركة استيراد البضائع اللبنانية من قبل الشركات السورية من جهة، وتجميد حركة نقل المنتوجات اللبنانية الزراعية والصناعية عبر سوريا إلى دول الجوار من جهة أخرى، وذلك بفعل التوتر في البلدات السورية الحدودية، خصوصا في منطقة الشمال اللبناني.

ويرى الخبير الاقتصادي الدكتور سامي نادر تداخلا ملحوظا بين النشاطات الاقتصادية في لبنان وسوريا، أدى إلى ما يشبه المراوحة في أكثر من قطاع اقتصادي لبناني نتيجة الأزمة السورية، وهو ما أسهم في تدهور النشاطات الزراعية والتجارية في قرى شمالية، كما في بعض قرى البقاع خصوصا الحدودية منها مع مدينة حمص. وكشف أن شركات لنقل مواد البناء قد توقفت عن العمل نهائيا ومعظمها في مدينة طرابلس، وهي تتخصص في تصدير الإسمنت إلى سوريا عبر المعابر الشمالية والتي انعدمت الحركة التجارية فيها، وغابت مشاهد الشاحنات المحملة بالبضائع لتحل محلها مشاهد النزوح لمواطنين سوريين إلى المناطق اللبنانية. أما بالنسبة لتأثير العقوبات العربية على واقع هذه الحركة التجارية، فأوضح نادر أن التصدير تأثر أولا بفعل الوضع الأمني، إذ إن حركة النقل إلى حمص تجمدت نتيجة مخاوف القيمين على شركات النقل وسائقي الشاحنات لديها. وفي قطاع مواد البناء فإن كمية التطوير تراوح بين 25 ألف طن و30 ألف طن شهريا، وتدنت إلى 5 آلاف طن في أواخر العام الماضي، مما سبب أزمة داخل أكثر من شركة.

من جهة ثانية، فإن من شأن التزام الحكومة اللبنانية بالعقوبات أن يفاقم هذه الأزمة ويهدد بتوقف أكثر من شركة عن العمل بشكل نهائي. ولا يقتصر هذا التأثير على قطاع مواد البناء فقط، بل يمتد إلى الزراعة والصناعات الزراعية، إذ إن وقف العمل بحركة التبادل على الحدود السورية - اللبنانية والوصول إلى إغلاق الحدود البرية بشكل نهائي التزاما بالعقوبات، سيجعل الجمود والشلل يطالان هذا المجال من المصنوعات، مما سيوقف العديد من المصانع في منطقتي الشمال والبقاع حيث المعابر الحدودية إلى سوريا عن العمل، ويؤدي لاحقا إلى إصابة القطاع الزراعي بشكل عام بأضرار جسيمة، لأن تصدير الإنتاج الزراعي إلى دول الجوار سيتوقف.

رئيس نقابة المزارعين في البقاع إبراهيم ترشيشي قال لـ«الشرق الأوسط» إن المصانع والمشاغل، سواء زراعية أو صناعية، بدأت تعاني جراء الثورة في سوريا، وإن هذه المعاناة قد ارتفعت في الأشهر الماضية بسبب استمرار التوتر في حمص، لأن غالبية هذه المصانع تركز على التواصل الاقتصادي مع سوريا عبر حمص ومع الدول العربية عبر سوريا. وأضاف أن الحكومة السورية اتخذت سلسلة إجراءات منذ بدء الأزمة تسببت في أضرار جسيمة على الاقتصاد اللبناني أولا جراء وقف استيراد المنتوجات المحلية ولو تراجعت عن ذلك لاحقا، وثانيا جراء منع مرور بضائع خليجية وتركية عبر أراضيها إلى لبنان، مما دفع بالعديد من المستوردين إلى استيراد البضائع جوا وبحرا من دول المصدر، وهذا رتب كلفة إضافية على التجار والصناعيين اللبنانيين. وفي هذا المجال، فإن إحصاءات المجلس الأعلى للجمارك أظهرت ارتفاعا سنويا في العجز التجاري إثر ارتفاع فاتورة الاستيراد خلال العام الماضي مقابل تراجع حركة الصادرات، وذلك بسبب تعثر حركة النقل البري والترانزيت من لبنان إلى بعض دول المنطقة عبر سوريا. ومن المتوقع أن يستمر ضعف الطلب الاستهلاكي في بعض الأسواق العربية، بالإضافة إلى توتر الأوضاع في سوريا، في التأثير سلبا على حركة الصادرات اللبنانية إلى كل من مصر والعراق والإمارات العربية المتحدة وسوريا.

وإذ استبعد ترشيشي أن يطبق لبنان العقوبات الاقتصادية العربية على سوريا، لأن إقفال الحدود البرية سيصيب الشركات والأفراد ولن يقتصر على العلاقات بين البلدين فقط، شدد على أن القطاع الزراعي قد يكون الأكثر تضررا لأن تصدير الإنتاج الزراعي إلى الخارج سيجمد بالكامل ويصاب بالشلل، وكذلك فإن لبنان لا يملك هامشا من الحلول لاستبدال وسائل نقل بحرية وجوية بوسيلة النقل البري، نظرا للإمكانات المحدودة لدى العاملين في هذا القطاع وغياب الدعم الرسمي ونوعية المنتجات الزراعية والغذائية والتي تتحمل الظروف المحيطة بعمليات النقل البحري. وإزاء هذه المعطيات توقع الخبير الاقتصادي الدكتور نادر أن يواصل لبنان سياسة النأي عن تطبيق العقوبات الاقتصادية العربية على سوريا، كونه يتحمل تداعياتها السلبية بشكل شبه منفرد، وذلك قبل الالتزام بها. ويكاد التأثير الأكبر إلى جانب الضرر الاقتصادي الزراعي والصناعي يتمثل في قطاع الترانزيت الذي يشهد تراجعا منذ اندلاع الثورة السورية، كون سوريا تشكل المجال البري الوحيد باتجاه دول المنطقة، وإذا أقفل خط الترانزيت بالكامل نتيجة إغلاق الحدود البرية فإن هذا القطاع سيختنق. ولفت إلى أن الانعكاسات المباشرة لهذه العقوبات على الاقتصاد اللبناني مرشحة للتزايد في المرحلة المقبلة مع ارتفاع وتيرة العنف في سوريا، حيث بدأت تسجل أزمة اقتصادية وتجارية مما سيرتد على لبنان مع انعدام الأسواق الضرورية للصادرات الزراعية والصناعية.