رئيس وزراء اليونان يلمح إلى تحمل الدائنين الخسائر

في حال تعذر الوصول إلى اتفاق مع البنوك

لوكاس باباديموس رئيس الوزراء اليوناني (أ.ب)
TT

مستهدفا بشكل مباشر صناديق التحوط وآخرين من حملة الدين اليوناني، يقول رئيس الوزراء لوكاس باباديموس: إنه سينظر في وضع تشريع يلزم الدائنين بتحمل الخسائر على ممتلكاتهم، في حالة تعذر الوصول إلى اتفاق في إطار المفاوضات الحاسمة التي بدأت أمس.

وفي مقابلة مدتها 90 دقيقة عشية يوم الاثنين مع صحيفة «نيويورك تايمز»، وهي أول مقابلة من نوعها مع صحيفة منذ توليه منصبه في نوفمبر (تشرين الثاني)، أهاب باباديموس أيضا بالساسة اليونانيين تمرير الإجراءات الاقتصادية التي يطالب مقرضون أجانب اليونان باتخاذها مقابل منحها حزمة إنقاذ، مشيرا إلى أن المصالح الأساسية المقترنة بعلاقات سياسية قد ساعدت في عرقلة التغييرات المطلوبة لإنعاش اقتصاد الدولة المحتضر.

غير أنه أضاف أن القادة الأوروبيين لم يتحركوا بالسرعة الكافية للتعامل مع مشكلة الدين عندما ظهرت على السطح لأول مرة في أوائل عام 2010. وقال: إن المقرضين الأجانب الذين تتعامل معهم اليونان كان عليهم أن يطرحوا إجراءات النمو في وقت سابق في برنامجهم الموجه لدولة مثقلة بإجراءات التقشف، والتي يتوقع أن يتضاءل حجم اقتصادها بنسبة 6% هذا العام، والتي تبلغ نسبة البطالة فيها 18% وآخذة في الزيادة.

وبدت أكثر تعليقات باباديموس حدة موجهة لحاملي السندات الخاصين الذين قد باتوا أكثر تأرجحا في آرائهم بشأن مصير اليونان عن ساستها أو حتى رئيس وزرائها. وقال باباديموس إنه إذا لم تحصل اليونان على مشاركة نسبتها 100% في برنامج من المقرر أن يقوم من خلاله حملة السندات طواعية بشطب ديون قيمتها 130 مليار دولار من إجمالي الدين اليوناني البالغ 450 مليار دولار، ستنظر الدولة في تمرير قانون يلزم حاملي السندات من القطاع الخاص بتحمل الخسائر.

وقال باباديموس «إنه شيء يجب وضعه في الحسبان في ضوء التوقعات المتعلقة بحجم المشاركة المطلوب الوصول إليه». واستكمل قائلا: «إنه أمر متوقف على النسبة».

يذكر أن رئيس الوزراء عمل من قبل نائبا لرئيس البنك المركزي الأوروبي، وهو شخصية غير سياسية تم الإتيان بها لقيادة حكومة مؤقتة والموكل إليه مسؤولية تأمين حزمة إنقاذ جديدة كجزء من اتفاق قرض. وأتت تعليقاته بعد توقف المحادثات الأسبوع الماضي بين اليونان ودائنيها بشأن شروط اتفاق «تطوعي»، والذي بموجبه يوافق حاملو السندات من القطاع الخاص على تقليل قيمة ممتلكاتهم من السندات بنسبة 50% أو أكثر. وقد طالبت مجموعة الترويكا – التي تضم البنك المركزي الأوروبي والاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي - بأن يكون هذا الاتفاق شرطا لزيادة حجم المساعدات المقدمة لليونان.

وسيشهد الكثير من المستثمرين الخاصين، مثل صناديق التحوط وصناديق التقاعد والبنوك عما قريب تخلفا طوعيا عن السداد، نظرا لأن معظم ممتلكاتهم مؤمنة من خلال مبادلات التأمين ضد مخاطر التعثر في سداد الدين. إلا أن القادة الأوروبيين يعارضون مثل هذا التغيير في الموقف الائتماني للمقترضين، الذي من شأنه أن يثير رد فعل له عواقب غير متوقعة، بل وربما كارثية، بالنسبة للنظام المالي العالمي. ورغم ذلك، فإن رئيس الوزراء قال: إنه توقع أن تسير المحادثات بنجاح تام. وقال: «المحادثات ليست مباشرة، لأنها تهدف إلى إعادة هيكلة طوعية للدين العام وتحقيق عدد من الأهداف بالتزامن، أهداف تشمل المبادلات». وأضاف: «في هذا الوضع المعقد أقول إننا اقتربنا جدا من الوصول لاتفاق».

وثمة شعور متنام في أوروبا بأن عجز اليونان عن سداد ديونها أمر حتمي لا مفر منه، إن لم يكن الآن، فربما في مارس (آذار)، حينما يحين أجل سداد دين لا يمكن للدولة سداد قيمته من دون الحصول على مزيد من التمويل من جانب مجموعة الترويكا. وقال باباديموس: «إنني على وعي بذلك». وأضاف: «أعتقد أن الحقائق تكشف عن أن الشركاء الأوروبيين قد اتخذوا إجراءات استثنائية من أجل مساعدة اليونان في مواجهة مشكلاتها».

ويبدو باباديموس، الذي عاش في فرانكفورت وعمل نائبا لرئيس البنك المركزي الأوروبي من عام 2002 حتى تقاعده في عام 2010. نموذجا للتكنوقراطي – هادئ ومهذب ومتزن وعقلاني. وعلى عكس نظيره التكنوقراطي، رئيس وزراء إيطاليا، ماريو مونتي، الذي يتمتع بمواهب سياسية فطرية حاذقة ويبدو نجمه بازغا على المشهد السياسي الإيطالي، من الواضح أن باباديموس يجد صعوبة كبيرة في التكيف مع ضغط الحياة السياسية.

إنه لم يعقد مؤتمرا صحافيا في اليونان، وانهالت عليه على حين غرة أسئلة أحد المراسلين عن مدى تأثير الأزمة على أصدقائه وأفراد أسرته أو عن المكان الذي أودع فيه مدخراته الشخصية. «لم أنقل أي شيء خارج اليونان»، هكذا أجاب باباديموس. واستنكر الادعاء بأنه غير ملم بجوانب الموقف. «إنني على وعي تام بالتدابير المطلوبة والتضحيات التي يقوم بها الشعب. لا يجب فقط أن تنظر إلى الأرقام، حقيقة أن نسبة البطالة 18%. يمكنك أن تسير في المدينة وتشاهد بنفسك».

وطلب من اليونانيين موازنة تضحياتهم. وقال: إنه إذا سارت الأمور برمتها على ما يرام، يمكنهم توقع «إنهاء العمل بإجراءات التقشف» العام المقبل. وأضاف أن الإجراءات القاسية كان الهدف منها ضمان تثبيت الأجور في المستقبل، ومن بينها أجور أصحاب الدخل المنخفض.

ولم يحظ باباديموس بقدر كبير من الدعم من جانب حكومته، والتي عجزت حتى الآن عن تمرير أو تنفيذ تشريع تلزم به مجموعة الترويكا مقابل منح قدر أكبر من المساعدات المالية لليونان. غير أن خبراء يقولون: إن باباديموس يبذل قصارى جهده بالنظر إلى التركة الثقيلة التي آلت إليه.

«إنني لا أقول إنه كانت هناك ثورة، لكني أعتقد أن ثمة تغييرا بطيئا يجري مجراه»، هذا ما قاله لوكاس تسوكاليس، رئيس المؤسسة اليونانية للسياسة الأوروبية والخارجية، معهد بحثي يتخذ من أثينا مقرا له. وأضاف: «اليونان تواجه مشكلات ضخمة، وأيضا معارضات للمضي قدما في الإصلاحات، وفي الأغلب معارضات لتنفيذ ما تم تمريره بالفعل من قوانين وتشريعات – ولكنها تتقدم ببطء».

لكن التوقيت هو كل شيء. قال باباديموس إن المهمة الموكلة إليه كانت تأمين حزمة إنقاذ جديدة واتفاق إقراض جديد، وليس حل جميع مشكلات اليونان، كما أن حكومته مؤقتة.

قال باباديموس: «يمكنني القول إن السيناريو الأساسي هو أن تعقد الانتخابات في يوم ما من شهر أبريل (نيسان)».

وحتى ذلك الحين، على حد قوله: «أثق أنه بإمكاننا التغلب على هذه الأزمة، شريطة أن نبقى متحدين في جهودنا لمواجهة أزمة الدين ومشكلاتنا ذات الصلة بالتنافس. أعتقد أن الشعب اليوناني متحد؛ من المهم أيضا أن تكون القوى السياسية متحدة بما يتماشى مع إرادة الشعب اليوناني».

* خدمة «نيويورك تايمز»