السعودية تسجل زيادة في حجم التدفقات الاستثمارية المباشرة خلال الأعوام الماضية

طفرة استثمارية شهدتها البلاد بين عامي 2005 و2010 مقارنة بالفترة السابقة لها

شهد حجم الاستثمارات الأجنبية قفزات خلال الخمس سنوات الماضية (تصوير: خالد الخميس)
TT

تحتل المملكة مكانة مرموقة في منظومة الاقتصاد العالمي، حيث تتمتع بدور جوهري ومؤثر في تحديد ملامح الاقتصاد العالمي وتوجهاته، وتأتي تلك المكانة عطفا على الإمكانات الاقتصادية والسياسية والجغرافية التي تمتلكها البلاد، مما ساهم في الرفع من تنافسية الاقتصاد المحلي.

وفي وقت تعتمد فيه صناعة الاقتصاد المحلي على أجهزة الدولة الرسمية، بالإضافة للدور الرئيسي للقطاع الخاص، فإن صفة الانفتاح الاقتصادي، وعدم الاعتراف بمبدأ الحدود، وغياب مفهوم البعد الزماني والمكاني، جعل الدول تفتح حدودها، وتتيح أراضيها للمستثمرين المحليين والأجانب، من خلال تقديم حزمة من الحوافز اللازمة لتشجيعهم على الاستثمار داخل الدولة.

وكانت المملكة كسائر دول العالم على إدراك لتلك المكاسب التي يأتي على رأسها الاستثمار الأجنبي، والذي يقوم بدور جوهري في تحسين هيكل التجارة الخارجية للسعودية، بالإضافة إلى مساهمته في تنويع القاعدة الإنتاجية، مما يؤهل مخرجات هذه القاعدة لغزو الأسواق العالمية والمنافسة فيها، الأمر الذي سيضاعف القدرة التصديرية للبلاد، وينعكس أثره على خزانة الدولة ومستوى نموها الاقتصادي.

يضاف إلى ذلك دور الاستثمار الأجنبي في توفير فرص العمل، ونقل التقنية وتوطينها، وتدريب العمالة ورفع كفاءتها، وإدخال المفاهيم الإدارية الحديثة في الأعمال ذات الطابع الاقتصادي.

فيما تعتبر المزايا المتوفرة في السعودية كبلد مضيف للاستثمارات الأجنبية من حيث انخفاض أسعار الطاقة، في وقت تمتلك 25 في المائة من إجمالي الاحتياطي العالمي وكميات كبيرة من الغاز وأنواع المعادن، وهذه ميزة تنافسية متاحة محليا للمشروعات المعتمدة على الطاقة.

إضافة إلى أن الاستثمار في المملكة يحقق للمشروعات الأجنبية، وكذا المحلية، معدلات ربحية عالية مع نسبة مخاطرة منخفضة بسبب الاستقرار السياسي والاقتصادي، فيما تتميز السعودية باستراتيجية موقعها الجغرافي، والذي يجعلها نقطة اتصال بين ثلاث قارات هي أوروبا وآسيا وأفريقيا، يستطيع المستثمر عبرها الوصول إلى أكثر من 250 مليون مستهلك في مدة لا تتجاوز ثلاث ساعات.

وتتميز المملكة بعلاقات اقتصادية خارجية، تؤكدها عضويتها في برنامج البنك الإسلامي لتمويل التجارة، وصندوق النقد الدولي، وصندوق الأوبك، والبنك الدولي، وبنك التنمية الآسيوي، وغيرها، بالإضافة إلى عضويتها في بعض المؤسسات الدولية ذات الصبغة الاستثمارية كالمؤسسة الدولية لضمان الاستثمار، والجمعية الدولية لوكالات ترويج الاستثمار، والمؤسسة العربية لضمان الاستثمار.

ويعتبر معدل النمو السكاني بالمملكة مرتفعا، إذ يبلغ نحو 3.2 في المائة، ويعد هذا العامل جاذبا للاستثمار، في ظل وجود نظام ضريبي يقدم تسهيلات منافسة، وقنوات تمويلية متعددة، وبنية تحتية متطورة تتمثل في شبكة طرق يتجاوز طولها 100 ألف كيلومتر، وشبكة جوية تتوزع على مناطق البلاد، وشبكة بحرية تنظمها 8 موانئ، فيما تضم 183 رصيفا، وشبكة اتصالات تدعم كل أنواع الاتصال الشبكي والهاتفي.

وفي سعيها لتنظيم عملية دخول الاستثمارات الأجنبية للبلاد أصدرت المملكة في منتصف السبعينات الهجرية أول نظام للاستثمار الأجنبي في المملكة عام 1955، ثم تلاه نظام آخر صدر عام 1962 تميز بإيجاد عدد من الحوافز التشجيعية للمستثمر الأجنبي، أهمها تمتعه بالمزايا نفسها التي يتمتع بها المستثمر الوطني بشرط ألا تقل نسبة رأس المال الوطني في إجمالي المشروع عن 25 في المائة.

وكان عام 1978 موعدا لصدور النظام الثالث للاستثمار الأجنبي، وشُكِّلت أمانة الاستثمار الأجنبي تحت إشراف وزارة الصناعة والكهرباء، واستمر العمل بهذا النظام حتى عام 2000، حيث صدر النظام الحالي للاستثمار الأجنبي.

وشكل إنشاء المجلس الاقتصادي الأعلى، وحسم انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية، وقرار تأسيس الهيئة العامة للاستثمار للعناية بشؤون الاستثمار وتنشيطه وإقرار العديد من الأنظمة الجديدة وتطوير الأنظمة القائمة، وفتح المجال للاستثمار في قطاعات مختلفة، وكذلك إقرار إقامة مدن اقتصادية وزعت على المناطق الأقل نموا لتحقيق التنمية الإقليمية المتوازنة خطوات مهمة شكلت دعما كبيرا لمسيرة الإصلاح للاقتصاد السعودي وتحسين البيئة الاستثمارية، مما يؤكد عزم الحكومة المضي قدما على طريق الإصلاح لتحويل اقتصادها من اقتصاد مغلق غير متنوع إلى اقتصاد مفتوح جاذب لكل أنواع الاستثمار من شتى دول العالم.

ونجد أن التدفقات الاستثمارية الأجنبية بدأت قبل أكثر من 80 عاما حين وقَّعت اتفاقية مع شركة «ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا» للتنقيب عن البترول في المنطقة الشرقية، ومع بداية الخمسينات بدأ إنتاج النفط يرتفع حتى بلغ مليوني برميل يوميا فصار له دور محوري في اقتصاد البلاد انعكس على أفرادها ورفاهية مواطنيها.

بعد ذلك، تواصل تدفق الاستثمارات الأجنبية، خصوصا في حقبة الثمانينات من القرن الماضي، والتي تميزت بدخول استثمارات كبيرة في مجال البتروكيماويات، أما في خلال حقبة التسعينات فقد عانت السعودية من عدم الاستقرار بسبب حرب الخليج الأولى، وانحباس تدفق الاستثمارات إليها للأزمة المالية لدول شرق آسيا، (1997 إلى 1999)، إضافة إلى انخفاض أسعار النفط.

تأتي حقبة الألفية الثالثة، والتي رافقها انتعاش لأسعار النفط؛ فقد شهدت تدفقات استثمارية كبيرة، خصوصا في قطاعات الاتصالات وتقنية المعلومات، والبتروكيماويات، والعقارات، والتأمين، والبنوك.

أما حجم الاستثمارات فقد شهد قفزات في رصيد الاستثمار الأجنبي الوارد إلى المملكة، ففي عام 2005، سجل نحو 45 مليار ريال، ليقفز إلى 69 مليار ريال في العام الذي يليه، ثم إلى 91 مليار ريال عام 2007، ثم 143 مليار ريال في العام التالي، وفي عام 2009 انخفض حجم التدفق الاستثماري إلى المملكة بنسبة 7 في المائة، فكان مجموع المبلغ الداخل إليها في هذا العام 133 مليار ريال، وهذا الرقم جيد إذا علم أن متوسط نسبة انخفاض تدفق الاستثمارات الأجنبية على مستوى العالم بلغ 39 في المائة، مقارنة بالعام السابق، في الوقت الذي بلغ فيه رصيد الاستثمارات الأجنبية في المملكة بنهاية عام 2010 نحو 639 مليار ريال.