تقليص الأعمال أصبح أمرا اعتياديا في «وول ستريت»

بعد نتائج «غولدمان ساكس» و«مورغان ستانلي» الضعيفة

صورة من «نيويورك تايمز»
TT

بعدما أعلنت مؤسسات كبرى، مثل «غولدمان ساكس» و«مورغان ستانلي»، عن تحقيقها لنتائج ضعيفة خلال العام الماضي، أصبح إلزاما على المسؤولين في «وول ستريت» أن يواجهوا شكوكا كبيرة، ويسألوا أنفسهم الكثير من الأسئلة، مثل: هل هذا التراجع مؤقت؟ أم أن الشركات الرابحة لن تعود إلى التداول المرتفع مرة أخرى؟ وكان كثيرون في «وول ستريت» يتمنون أن تتمكن المصارف في عام 2011 من إثبات أنها لا تزال قادرة على تحقيق أرباح كبيرة في البيئة المالية الأكثر واقعية واعتدالا، منذ اندلاع الأزمة الاقتصادية العالمية في عام 2008.

وبدلا من ذلك، انخفضت أرباح «غولدمان ساكس» بنسبة 67 في المائة خلال العام الماضي، في الوقت الذي شهدت فيه العملية المصرفية الاستثمارية لـ«بنك أوف أميركا»، التي تشمل «ميريل لينش»، انخفاضا بنسبة 53 في المائة في صافي الدخل، كما تراجعت أرباح «مورغان ستانلي» بنسبة 42 في المائة.

وقد تختفي بعض العوامل التي أثرت على الأرباح خلال العام الماضي، مثل أزمة الديون الحكومية الأوروبية وتباطؤ نمو الاقتصاد الأميركي. ومع ذلك، لا يزال «وول ستريت» يواجه ضغوطا دائمة، فيما يتعلق بالربحية، ولا سيما من تلك اللوائح الأكثر صرامة، التي تهدف إلى جعل النظام المالي أكثر أمانا، حيث لا يمكن للشركات في «وول ستريت»، على سبيل المثال، اقتراض مبالغ مالية كبيرة وتدخل بها في رهانات، وهو ما أدى إلى تغيير قواعد اللعبة ككل، ربما إلى الأبد. وقال براد هينتز، وهو محلل بارز بمؤسسة «سانفورد سي بيرنشتاين آند كومباني»: «بغض النظر عن طريقة خفض تلك القروض، لن يكون (غولدمان ساكس) في المستقبل هو (غولدمان ساكس) في عام 1999، عندما طرح أسهمه للاكتتاب العام، أو (غولدمان ساكس) في عام 2006، عندما كان في أوج نشاطه». وحيث إن الأرباح لا تفي بالأهداف الداخلية للمصرف، فقد يضطر المديرون التنفيذيون في «وول ستريت» إلى العودة لتقليل التعاملات حتى يتم وقف هبوط الأرباح. وردا على سؤال من أندرو هارير، من وكالة «بلومبرغ نيوز»، يوم الأربعاء الماضي، عما إذا كان «غولدمان ساكس» يفكر في تقليص حجمه حتى يتغلب على ظروف العمل الصعبة، قال فينيار: «هذا سؤال صعب وحرج للغاية».

ويشعر موظفو «وول ستريت» بالضغط الشديد خلال موسم المكافآت الحالي، ففي عام 2011، قام مصرف «غولدمان ساكس» بتخصيص 12.22 مليار دولار لدفع مكافآت لنحو 33300 موظف، بمعدل 367000 دولار للشخص الواحد. وفي عام 2006، دفعت الشركة 16.46 مليار دولار للموظفين، أي ما يقارب 621000 دولار لكل موظف. وفي «مورغان ستانلي»، الذي حقق خسائر خلال الربع الرابع من العام الماضي، حصل الموظف الواحد على نحو 125000 دولار.

وقد أدى هذا التخفيض في النفقات إلى شعور العمال بالضيق، حيث لم يعد المصرفيون والتجار الصغار اللذين تخرجوا للتو في جامعات «رابطة اللبلاب» يعولون كثيرا على الحصول على مقابل أكثر من أقرانهم في الصناعات المرموقة الأخرى، مثل الاستشارات الإدارية والقانونية. وعلاوة على ذلك، تم تسريح الكثير من العمال، لا سيما كبار الموظفين وموظفي الدرجات المتوسطة، كما طالت هذه التسريحات موظفين صغارا، خلال العام الحالي، في مؤسسات مثل «كريدي سويس»، كما انخفضت العلاوات والمكافآت لكل العاملين تقريبا.

وفي «غولدمان ساكس»، حصل بعض المحللين الشباب، وهي المجموعة التي يمكن أن تحصل على مكافآت نقدية في نهاية العام تصل إلى 80000 دولار عندما تكون الأمور في حال أفضل من ذلك، على أقل من 20000 دولار هذا العام، وفقا لشخص مطلع على مكافآت هذا العام. وفي «وول ستريت»، يعتمد الأمر بصورة أكبر على معيار للأداء المالي، وهو معدل العائد على حقوق المساهمين، الذي يقيس الأرباح التي يكون المصرف قادرا على تحقيقها، فلو نجح المصرف في تحقيق أرباح بقيمة مليار دولار على أسهم بقيمة 10 مليارات دولار، فيعني ذلك أن العائد على حقوق المساهمين قد وصل إلى 10 في المائة. وفي منتصف العام الماضي، كان هدف «غولدمان ساكس» للعائد على حقوق المساهمين هو 20 في المائة، على الرغم من أن المصرف قد تراجع منذ ذلك الحين عن تحديد الهدف مسبقا، مشيرا إلى أن ذلك يعود إلى حالة عدم اليقين في أعماله. ووصل العائد الفعلي للمصرف العام الماضي إلى 3.7 في المائة فقط، مقارنة بـ33 في المائة في عام 2006، في حين وصلت النسبة في «مورغان ستانلي» إلى 4 في المائة في عام 2011، مقارنة بـ23.5 في المائة في عام 2006. وأكد المحللون أن «غولدمان ساكس» يدفع نسبة تتراوح بين 10 في المائة و15 في المائة لموظفيه. ونتيجة لذلك، لم يستطع المصرف تغطية تكلفة رأس المال في عام 2011.

وفي حقيقة الأمر، تلخص حالة «مورغان ستانلي» المأزق الخطير الذي تواجهه الشركات الكبيرة في وول ستريت، الذي يتلخص في أن توظيف الأموال في مشاريع مختلفة قد لا يساعد على الربحية. وبدلا من إعادة بناء المكاتب التجارية التي تعرضت للكثير من المخاطر، قام «مورغان ستانلي»، خلال السنوات القليلة الماضية، بتحويل تركيزه إلى إدارة الثروات التي تعد مجالا أكثر ثباتا واستقرار، ولكن يمكن أن يؤدي ذلك إلى تقليل العائدات بشكل كبير.

وفي مقابلة معه يوم الخميس الماضي، قال روث بورات، وهو المدير المالي لمورغان ستانلي: «هل من المتوقع أن يشهد منتصف العشرينيات من القرن الحالي عودة العائد على حقوق المساهمين كما كان في الماضي؟ الإجابة هي: لا، ولكن من الممكن أن يشهد ارتفاعا خلال الفترة بين عامي 2013 و2019. وتعمل الشركات في «وول ستريت» في ظل بيئة تنظيمية أكثر صرامة مما كانت عليه في عام 2008، وكانت أول ردود أفعال أحد المنظمين على الأزمة هي جعل المصارف تزيد من رأسمالها، حتى تكون أقل عرضة للخسائر، وطلب من المصارف أن تستخدم كما أقل من القروض قصيرة الأجل لكي تقوم بتمويل مشاريعها، وهو ما يجعلها أقل عرضة لتدافع العملاء على سحب الودائع منها. وبنهاية العام المالي 2007، كانت أصول «مورغان ستانلي»، التي تصل لقيمة 1.05 تريليون دولار قد حصلت على دعم من أسهم بقيمة 30 مليار دولار فقط. وفي نهاية عام 2011، كانت الأسهم قد وصلت إلى 60.5 مليار دولار، في حين انخفضت الأصول إلى نحو 750 مليار دولار.

وفي ضوء هذه التغييرات، فإن العودة إلى العائد على حقوق المساهمين كما كان في السابق قد أصبح شيئا مستحيلا. وبعدما قفزت قيمة الأسهم بمقدار الضعف، أصبح لزاما على «مورغان ستانلي» الآن أن يقوم بمضاعفة أرباحه، من خلال مجموعة صغيرة من الأصول، حتى يتمكن من العودة إلى العوائد التي كان يحققها خلال منتصف العقد الأول من القرن الحالي.

وفي الوقت الذي قد تقل فيه حدة التحديات التي كانت موجودة في عام 2011 خلال العام الحالي، يتعين على «وول ستريت» التعامل مع اللوائح الجديدة في عام 2012 حتى يتمكن من تحقيق الأرباح المستهدفة. وتستهدف القواعد الجديدة الشركات التي عادة ما يحقق فيها «وول ستريت» هوامش ربحية كبيرة، مثل تداول السندات والتداول في الأدوات المالية المسماة بالثانوية. ربما تستنزف قاعدة «فولكر»، التي تهدف إلى منع البنوك من القيام بمراهنات مالية على حساباتها، عائدات تداول السندات سريعا. ومن شأن الجهود الرامية إلى دعم سوق المشتقات - مثل التحقق من أن عمليات التداول مدعومة بضمانات كافية - أن تستفيد من أرباح هذه العملية. وتشير تقديرات هينتز إلى أن أحد بنوك «وول ستريت» يحقق في الوقت الراهن هامش ربح نسبته 35 في المائة على عمليات تداول المشتقات التي يجريها، لكنه يرى أن القواعد الجديدة يمكن أن تقلل تلك النسبة إلى 20 في المائة.

وعلى الرغم من النظرة التشاؤمية، فإن أقوى شركات «وول ستريت» ستقدم دون شك عطاءات داروينية لتحقيق أرباح مع تداعي الشركات الأضعف. وبإمكان بنوك الولايات المتحدة انتقاء قطاعات عمل جديدة في أوروبا، على سبيل المثال. ففي نوفمبر (تشرين الثاني)، أعلن البنكان السويسريان «يو بي إس» و«كريديت سويس» عن تخفيضات كبيرة في عمليات تداول الأوراق المالية التي يجريانها، وصرح البنك الإيطالي «يوني كريديت» مؤخرا بأنه ينهي صفقات تداول الأسهم التي يجريها في أوروبا. وربما تقرر بعض بنوك الولايات المتحدة الابتعاد عن أنشطة معينة، بما يسمح لبنوك أخرى باختيار نوع العمل التجاري المناسب لها.

ربما يشهد الجزء الأول من هذا العام انتعاشا في المجال التجاري، مع عودة المستثمرين للمخاطرة في السوق مجددا. وقد حدث هذا في الجزء الأول من عام 2009، حينما خفت حدة المخاوف. «يمكنك أن تشهد ربعين ناجحين مع عودة الطلب المحصور مرة أخرى»، قال روجر فريمان، محلل بارز لدى «باركليز كابيتال». غير أنه يقول إن العائد ربما يتضاءل تدريجيا، إذا ما تم تطبيق قوانين جديدة. لكن جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لبنك «جي بي مورغان تشيس»، أدلى بتعليق أكثر تفاؤلا من خلال حديثه إلى الصحافيين، في مؤتمر عبر الهاتف، يوم الجمعة الماضي. فمن خلال إشارته إلى أنه دائما ما كانت هناك تقلبات في قطاع الأعمال المصرفية الاستثمارية، قال: «أعتقد أنه حينما تعود الأمور إلى نصابها الصحيح، قد تعاود هذه الأرقام ارتفاعها مجددا».

وأشار المدير المالي لـ«بنك أوف أميركا»، بروس آر تومسون، إلى اعتقاده بأن الهبوط المستمر في عائد التداول مؤقت، ولا يمثل تحولا طويل الأمد في بورصة «وول ستريت». «دائما ما يثار هذا السؤال حول ما هو طبيعي مقابل ما هو غير طبيعي»، هذا ما قاله، مضيفا أن الأسابيع القليلة الأولى من عام 2012 قد شهدت انتعاشا في نشاط التداول. إذا لم تثبت صحة تفاؤله، وظلت العائدات منخفضة، يلوح في الأفق مزيد من التقليل لهذه العمليات. وقال تومسون: «التداول بخسارة ليس بالشيء الذي سنظل نريده».

* خدمة «نيويورك تايمز»