ارتفاع أسعار النفط يعيد الأميركيين إلى المدافئ الخشبية

أسعار وقود التدفئة تشهد ارتفاعا مطردا منذ سنوات

TT

عندما بنى ديفيد هاريس منزله، على مساحة 2.000 قدم مربع، أعلى التل قبل تسع سنوات، كان يرغب في تشغيله بالغاز، لكن الشركة رفضت مد خط إلى المنزل، ومن ثم اضطر ككثيرين غيره إلى استخدام وقود التدفئة.

بيد أن الزيادة الكبيرة في أسعار النفط دفعت هاريس إلى استخدام موقد خشبي لمساعدته في خفض النفقات، وهو الآن يستهلك ثلث النفط الذي كان المنزل يستهلكه قبل استخدام الموقد الخشبي. لكن ذلك لم يمنع عامل التوصيل بشركة «كراولي فيول» من تسليمه إيصالا بقيمة 471.21 دولار بداية الشهر الحالي لإعادة التزود بالوقود الكافي حتى شهر أبريل (نيسان).

وقال هاريس: «لا تملك إلا الأمل في أن لا تزداد الأوضاع سوءا».

واقع الأمر، أن هاريس ليس وحده من يعاني من ارتفاع فواتير استهلاك الوقود، فهناك ما يقرب من ثمانية مليون منزل أميركي تستخدم وقود التدفئة، في الشريط الممتد من ماين إلى بنسلفانيا يعانون من المشكلة نفسها. ففي الوقت الذي تراجعت فيه أسعار الغاز الطبيعي إلى مستوياتها نفسها قبل 10 سنوات، تشهد أسعار وقود التدفئة ارتفاعا مضطردا منذ سنوات، ويتوقع أن تصل إلى ارتفاعات قياسية هذا الشتاء، يدفعها في ذلك ارتفاع أسعار النفط الخام وإغلاق العديد من معامل تكرير النفط في ولايات الشمال الشرقي الأميركية (تسع ولايات) وأوروبا. وتشير توقعات وزارة الطاقة الأميركية إلى احتمالية وصول سعر غالون البنزين إلى 3.79 دولار، خلال الأشهر القليلة المقبلة، وهو ما يزيد على متوسط أسعار غالون البنزين في الشتاء خلال السنوات الخمس الماضية بأكثر من دولار. ولا يتوقع كثير من المحللين انخفاض الأسعار على المدى البعيد، نتيجة التوقعات بأن تواصل أسعار النفط العالمية ارتفاعها وسط عدم الاضطراب السياسي في الشرق الأوسط وزيادة الطلب من الدول المتقدمة.

ومع انخفاض أسعار الكهرباء، تعلن الشركات أن الفواتير ستنخفض هذا الموسم بالنسبة للمستهلكين الذين يستخدمون الغاز والكهرباء للتدفئة. فقد أعلنت شركة «كون إديسون» هذا الأسبوع أن فواتير غاز التدفئة المنزلي في نيويورك يتوقع أن تنخفض بنسبة 11.5 في المائة هذا الشتاء، وفي نيوجيرسي قالت شركة «بي إس إي آند جي» إنها ستخفض فواتير فبراير (شباط) لمستهلكي غاز المنازل بما يقرب من 30 دولارا.

ويقول جاي هاكس، المدير السابق لإدارة معلومات الطاقة، الذي يعمل الآن مديرا لمكتبة ومتحف جيمي كارتر: «الأشخاص الذين لم يتمكنوا من التخلي عن وقود التدفئة، ستزداد معاناتهم بشكل أكبر خلال السنوات القليلة المقبلة. وسوف تكون هناك حوافز للتخلي عن وقود التدفئة لأن عناوين الأخبار والخبراء يقولون إن المستقبل القريب سيأتي بالغاز الطبيعي بأسعار جذابة».

وقد بلغ متوسط إنفاق الأسرة الأميركية التي تستهلك وقود التدفئة العام الماضي 2.298 دولار، مقارنة بـ724 دولارا للمنازل التي تستخدم الغاز الطبيعي، و975 دولارا لمستهلكي الكهرباء، بحسب وزارة الطاقة.

ويتوقع أن يرتفع معدل إنفاق مستهلكي وقود التدفئة هذا العام 3.7 في المائة عن العام الماضي، في الوقت الذي يتوقع فيه انخفاض متوسط إنفاق مستهلكي الغاز الطبيعي 7.3 في المائة، وكذلك انخفاض إنفاق مستهلكي الكهرباء بنسبة 2.4 في المائة، بحسب الوزارة.

كان الغاز الطبيعي الرخيص أحد عوامل الجذب لغوس كونتوداكيس، الذي أنفق 3.000 دولار للتحول للاستغناء عن النفط في المبنى السكني الذي يؤجره خارج بلينفيلد، بولاية كونيكتيكت. ويشير إلى أن المرجل كان سيستبدل على أية حال. وهو يمتلك بالفعل مطعما يعمل بالغاز «غوسز باب آند بيتزارما». وقال غوس: «نظرت في الفواتير وشاهدت الفارق وأقنعت نفسي بأن أتحول إلى الغاز وأريح المستأجرين لدي»، مشيرا إلى أن وقود التدفئة كان يكلفه ضعف ما يدفعه الآن لشركة «يانكي غاز».

لكن الكثير من مستخدمي النفط، الذين يعيشون الآن في مناطق مثل ألاسكا وماين وحتى المناطق الغنية من مانهاتن، لا يميلون إلى استخدام هذا الخيار. فالبعض منهم بعيد عن خطوط الأنابيب، إضافة إلى أن التحول إلى الغاز الطبيعي بالنسبة لآخرين مكلف بشكل كبير، فقد تصل تكلفة توصيل الأنابيب إلى المنزل عشرات الآلاف من الدولارات للمنزل الواحد. ونتيجة لذلك فهم محصورون في دورة إنفاق المزيد والمزيد من الأموال على وقود التدفئة في الوقت الذي يتراجع فيه إنفاق مستخدمي الغاز الطبيعي والكهرباء بصورة أقل.

ويحذر الخبراء من أن هذه الديناميكية تنجح في المنازل عبر الطيف الاقتصادي، لكن فجوة التكاليف تلوح كأزمة بالنسبة للفقراء، لأن الحكومة الفيدرالية خفضت من تمويل برامج مساعدات الطاقة.

ويقول مارك وولف، المدير التنفيذي لاتحاد المديرين المساعدين للطاقة الوطنية: «نحن مشغولون بشأن مشكلة الصحة العامة، إذا لم توجد أموال إضافية. لم نواجه موقفا كهذا من قبل على الإطلاق، فلم ندخل شتاء بأسعار وقود تدفئة مرتفعة للغاية»، مشيرا إلى أن أسعار وقود التدفئة كانت تصل إلى أعلى مستوى لها في وسط أو بالقرب من نهاية الموسم.

من ناحية أخرى، يشهد استخدام وقود التدفئة، الذي ارتفع في أعقاب الحرب العالمية الثانية بديلا للفحم، تراجعا ملحوظا. فنتيجة للارتفاع في استخدام كل أنواع الوقود الأخرى، انخفض عدد المنازل التي تستخدم وقود التدفئة من نحو 20 في المائة في عام 1975 إلى 7 في المائة اليوم، مدفوعا بإنشاءات المنازل الجديدة وتحول السكان من الغرب إلى الجنوب بالقرب من حقول الغاز الطبيعي وخطوط الأنابيب. كما خفضت الحوافز الحكومية لإنشاء العوازل من استهلاك وقود التدفئة.

وعلى مدى عقود، كانت أسعار النفط والغاز ترتفع جنبا إلى جنب، لكن الزيادة الكبيرة في إمدادات الغاز الأميركية خلال السنوات الأخيرة جعلت الغاز أرخص بشكل كبير. في الوقت ذاته، حذرت وزارة الطاقة الشهر الماضي من أن وقود التدفئة أصبح أكثر ندرة في الشمال الشرقي هذا الشتاء. فأغلقت الشركات مصانع التكرير التي تنتج وقود التدفئة نتيجة تراجع هامش الربح. فأعلنت شركتا «سونوكو» و«كونوكو فيليبس» مؤخرا عن وقفهما اثنين من معامل التكرير الرئيسة في بنسلفانيا ومعملا ثالثا للتكرير تمتلكه شركه «سونوكو» ربما يتعرض للإغلاق الصيف المقبل.

وفي سبيل الاستفادة من انخفاض أسعار الغاز الطبيعي والحوافز الحكومية للشركات، تدرس المزيد من شركات وقود التدفئة التحول إلى الغاز الطبيعي.

يقول توماس دزيكي، من ريتشموند هيل، بكوينز، إن الفاتورة التي وصلت قيمتها إلى 750 دولارا لملء خزان النفط الذي يسع 150 غالونا الشتاء الماضي هي ما دفعه إلى الاتصال بشركة «ناشيونال غريد» للتحول إلى الغاز الطبيعي. وقال إنه أنفق 8.500 دولار من أجل تحويل منزله المكون من ثلاثة طوابق إلى العمل بالغاز. والآن يبلغ حجم استهلاكه الشهري ما بين 30 إلى 50 دولارا، يقول عنه إنه منخفض للغاية حتى إنك ترغب في الاتصال بهم لتقول «عذرا، يبدو أنكم لم تقدروا قيمة استهلاكي بشكل صحيح». بالنسبة للمباني الضخمة في نيويورك، هناك ضغوط متزايدة للتحول نتيجة تشريعات التلوث الجديدة التي ستمنع استخدام وقود التدفئة الأثقل.

لكن تكلفة التحول ربما تكون باهظة، ربما لأن على شركة «كون إديسون»، الشركة المحلية، حفر الشارع لتركيب مواسير أضخم من تلك التي تستخدم لغاز الطهي. وتقول نانسي سكميت، مستشار الاستثمار في قطاع الطاقة، التي تستخدم شركتها، «آبر إيست سايد كوب»، أكثر أنواع الوقود كثافة: «أشعر بالإحباط كمستهلكة». ويدرس مجمعها السكني الذي يتكون من نحو 50 وحدة سكنية إمكانية التحول إلى الغاز الطبيعي أو الوقود الخفيف للتوافق والقواعد الجديدة. وتقول سكميت، التي تلقت تدريبا بوصفها مهندسة بيئية: «أنا أدفع أسعارا أعلى لوقود رديء، ولدى وقود متوفر أكثر نظافة، وأرغب في أن يتحقق ذلك».

وتشير إلى أن التقديرات تتوقع وصول تكلفة توصيل مجمعها السكني بالخطوط الحالية إلى مليوني دولار. وتعمل شركة «كون إد» على مساعدة تنظيم المباني إلى مجموعات من أجل التحول إلى الغاز لخفض النفقات والتقليل من الإزعاج.

يشير بوب لافلام، الذي استحوذ على شركة «كراولي فيول» في نورث بروكفيلد من عائلة زوجته قبل 23 عاما، إلى أن وقود التدفئة يواجه مستقبلا مجهولا، فيقول: «الناس تبحث عن البدائل، حتى إن أحد موظفي تحول إلى استخدام الغاز، وهذا مؤشر على أمر ما».

* خدمة «نيويورك تايمز»