مصر: عقبات أمام الحصول على قروض من صندوق النقد

العملة ربما تنخفض إلى 8 جنيهات للدولار

TT

تواجه مصر مهمة شاقة في سبيل الحصول على حزمة مساعدات من صندوق النقد الدولي بقيمة 3.2 مليار دولار يقول اقتصاديون إنها ضرورية لتجنب أزمة في ميزان المدفوعات والتي حتى لو نجحت مصر في الحصول عليها ستكون قليلة للغاية.

ودفع عام من التوترات السياسية والمشاكل الاقتصادية في البلاد معدل البطالة وعجز الميزانية وميزان المدفوعات للارتفاع وقلص الاحتياطي الأجنبي. ويرى كثير من الاقتصاديين أنه لا مفر من خفض قيمة الجنيه. وذلك حسبما ذكرت «رويترز».

وأعلنت مصر الأسبوع الماضي أنها طلبت رسميا من صندوق النقد قرضا بقيمة 3.2 مليار دولار، مؤكدة أنها تريد الأموال في أسرع وقت ممكن وتأمل في توقيع الاتفاق في غضون بضعة أسابيع، إلا أن الصندوق يقول إن الاتفاق يجب أن يحظى أولا بتأييد سياسي واسع النطاق في البلاد ويكون مصحوبا بالتزامات مالية من مانحين دوليين آخرين. وأضاف أن بحث التفاصيل الفنية للقرض سيستغرق من شهرين إلى ثلاثة. وربما لا يكون لدى مصر هذه السعة من الوقت.

وقال رضا أغا، الاقتصادي لدى «رويال بنك أوف سكوتلاند» البريطاني «أظن أن فترة شهرين إلى ثلاثة تعني السير على حبل مشدود. بوسعهم النجاح في ذلك، فلديهم ما يكفي من الاحتياطيات، لكن فترة شهرين إلى ثلاثة ستضغط عليهم». وربما لا يكون من السهل إقناع المانحين الأجانب بتقديم قروض لمصر لحين اتضاح شكل الحكومة بعد الانتخابات الرئاسية المقررة في يونيو (حزيران).

ولن يكون من السهل أيضا حشد مساندة سياسية واسعة لاتفاق قد يدفع مصر إلى أن تقطع على نفسها تعهدات اقتصادية للصندوق، خاصة أن الأحزاب السياسية ستناور من أجل تأمين مصالحها في أول برلمان منتخب ديمقراطيا منذ نحو 60 عاما والذي عقد أولى جلساته يوم الاثنين.

ويبدو أن المخاطر التي يواجهها الاقتصاد المصري كبيرة. وفقد البنك المركزي الذي يحاول الحفاظ على استقرار الجنيه مقابل الدولار نحو تسعة مليارات جنيه من الاحتياطيات الأجنبية منذ يونيو (حزيران) حينما رفضت الحكومة اتفاقا مماثلا لذلك الذي تسعى للحصول عليه الآن. وتسارع تضاؤل الاحتياطي الأجنبي قبل الانتخابات البرلمانية وأثناء سلسلة من الاحتجاجات السياسية العنيفة في نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول)، إذ أنفق البنك المركزي ملياري دولار على الأقل في كل شهر من الشهور الثلاثة الأخيرة. وبنهاية ديسمبر هوت الاحتياطيات إلى مستوى منخفض خطير عند 18 مليار دولار.

ويقول محللون إن الحكومة قد تضطر إلى خفض قيمة الجنيه أمام الدولار في الشهور المقبلة ربما لمرة واحدة إلا أن إبرام اتفاق مع الصندوق سيمنحها القوة المالية لتنفيذ خفض محدود ومحكم. ومنذ الانتفاضة التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك في فبراير (شباط) الماضي هبطت قيمة الجنيه أقل من أربعة في المائة إلى 6.04 جنيه للدولار على الرغم من تراجع حاد في عائدات السياحة والاستثمارات الأجنبية، وهما مصدران أساسيان للعملة الأجنبية في مصر. وقال سعيد الهرش الخبير في «كابيتال إيكونوميكس» «نعتقد أنه سيكون هناك بعض الخفض في قيمة الجنيه. الخطر يكمن فيما لو حدث بشكل غير منظم وليس بطريقة تسيطر عليها الحكومة وصندوق النقد».

وأردف قائلا «إذا ما جاء الخفض محكما فربما ينزل الجنيه إلى سبعة جنيهات للدولار. في حالة الخفض غير المحكم يمكن أن ترى الجنيه يهبط إلى ثمانية للدولار أو أكثر. بالتأكيد سيواكب هذا ارتفاع في أسعار الفائدة وأزمة اقتصادية». وقال «جيه.بي مورغان» في مذكرة بحثية إنه يعتقد أن الحكومة ستواصل الدفاع عن العملة من خلال رفع أسعار الفائدة وبيع أذون الخزانة المقومة بالدولار وربما اللجوء إلى إجراءات إدارية.

وضيق البنك المركزي على المصريين سبل شراء الدولار. فقام هذا الشهر بتشديد الإجراءات على المستوردين الذين يريدون تحويل أموال للخارج فطلب مزيدا من الوثائق للتأكد من أن التحويلات مشروعة.

وإذا استمرت التوترات السياسية ربما تواجه مصر أيضا مشكلات في إقناع المانحين الأجانب بتقديم التمويل. وتلقت القاهرة عروضا مبدئية لدعم الميزانية وغيرها من أشكال المساعدات تزيد قيمتها الإجمالية على عشرة مليارات دولار من قطر والسعودية والإمارات العربية المتحدة وغيرها، لكن لم تحصل منها إلا على النزر اليسير.

وقال دبلوماسي غربي إن الحكومة التي يدعمها المجلس العسكري رفضت الصيف الماضي الاقتراض من أي دولة خليجية ولم تحصل إلا على مليار دولار كمنح من السعودية وقطر.

ولن تتضح معالم السياسات الدبلوماسية والاقتصادية لمصر بالكامل لحين الانتهاء من وضع الدستور خلال الشهور القليلة المقبلة وإجراء الانتخابات الرئاسية وربما لن تتضح حتى في ذلك الحين. ويقول أغا «ربما يظل المانحون بعيدا لحين تشكيل حكومة متكاملة. فكر في الأمر من وجهة النظر السعودية أو القطرية أو أي من وجهة نظر أي مانح آخر. هل ترغب حقا في إنفاق مليارات الدولارات في وقت لا تعرف فيه الموقف السياسي لرئيس الوزراء أو الرئيس القادم». وخلال الفترة الحساسة للانتقال الديمقراطي في مصر لن ترغب الأحزاب السياسية أن تتحمل المسؤولية عن اتفاق مع صندوق النقد لا يحظى بشعبية في الشارع. وبالتالي فأي حزمة يقدمها الصندوق ستخضع بالتأكيد لتدقيق كبير في برلمان يزخر بالنواب الجدد الذين أظهروا حرصهم على تحدي الحكومة ورغبتهم في إثبات مسوغاتهم الديمقراطية.

وذكرت جماعة الإخوان المسلمين التي فازت بنحو نصف مقاعد مجلس الشعب أنها تدرس تأييد اتفاق مع صندوق النقد شريطة ألا ينطوي على شروط وبعد دراسة البدائل أولا. لكن محللين يقولون إنه في الأجل القصير قد يجد الإخوان خطورة في التصديق على الاتفاق وهم يعملون لبناء تحالفات سياسية ويناورون من أجل الحصول على وضع قوي في الحكومة التي ستتشكل عقب انتخابات الرئاسة. ومع ذلك قد تثبت جماعة الإخوان في الأجل المتوسط أنها ليست سهلة الانقياد. وصرح بعض المسؤولين في الجماعة بأنهم يتطلعون إلى تركيا كنموذج للحكم الرشيد والسياسة الاقتصادية في مصر.

ويقول جيم أكيوريك، الاقتصادي في «دويتشه بنك» في اسطنبول، إنه بدلا من الاتفاق مع صندوق النقد على برنامج مساعدات بقيمة 3.2 مليار دولا لمدة 18 شهرا سيكون من الحكمة أن تقتدي مصر بما فعلته تركيا منذ عشر سنوات وتطلب برنامجا أكبر لمساعدتها في تطبيق إصلاحات اقتصادية ربما في صورة اتفاق مدته ثلاث سنوات وبمبالغ أكبر.

ويضيف «حققت تركيا إنجازات مذهلة ببرنامج الصندوق وكانت لسنوات نموذجا في التطبيق والالتزام بالانضباط المالي وغيره... 3.2 مليار دولار مجرد قدر بسيط مما تحتاجه مصر لتحقيق النمو الاقتصادي».