هزيمة أم نصر؟

علي المزيد*

TT

في مؤسسة مالية أهلية كبرى في السعودية، حدث اختلاس مالي معتبر قدره فقط ربع مليار ريال (66.6 مليون دولار) بطله مدير فرع للبنك السعودي، ولن أتحدث عن هزالة الرقابة البنكية في البنك، المتمثلة في سحب المبالغ الكبيرة دون أن يتحرك أحد؛ إذ يفترض أن تتحرك الجهة الرقابية في البنك لسؤال مدير الفرع عن سبب تحرك المبالغ الكبيرة من فرعه، وعلى ضوء الإجابة يتم التحرك من إدارة البنك؛ إذ إن من يرغب في الاختلاس دون تواطؤ وفي مثل حالة صاحبنا يقوم بتحويل 30 مليونا فقط (8 ملايين دولار) ثم يتبعها بمثلها ليختبر نظام البنك الرقابي ثم يسحب المبالغ الكبيرة.

الاختلاس ليس قصتنا، فهو أمر طبيعي في البنوك، ويحدث لأنه جزء من مخاطر العمل المصرفي؛ لذلك تحتاط البنوك باستقطاع مخصصات من الأرباح لمواجهة هذه الاحتمالات وغيرها، وكذلك تطور الأنظمة لسد الفجوات.

وبعد ذلك يلتفت البنك للخارج، ليقوم من هو على هرم السلطة التنفيذية منتصرا على جراحه، ليعلن أمرين، الأول: أن البنك تعرض لسرقة ويحدد مقدار السرقة أو الاختلاس ليكون ملاك البنك على بينة من أمرهم، خاصة إذا كان البنك شركة مساهمة لم تطرح أسهمها في السوق السعودية بعدُ ليكون جمهور المكتتبين المرتقبين على علم بما حدث وطريقة المعالجة إذا رغبنا في الشفافية، وهي المطلب، وبهذه الطريقة يعلم حملة الأسهم الحاليون بما حدث. الأمر الثاني: أنه في حالة الإعلان يحاط المودعون بما يجري لتُعزز ثقتهم بقدرة البنك على معالجة الموضوع بدلا من سماع الشائعات وسحب أرصدتهم.

الأمر الأهم في القصة ألا أحد يتحمل المسؤولية في الأزمات، على الرغم من حرص المديرين على الظهور أمام عدسات التصوير في حالة المشاريع المفرحة للبنك، وحرصهم على أخذ العمولة عن النجاح، فلماذا لا يتحملون المسؤولية؟ لم يتكرم علينا المدير العام التنفيذي للبنك ويخرج معلنا مسؤوليته عما حدث، لكن المؤلم أن هذه الإدارة قدمت هدية عنوانها تحميل المسؤولية لمن لم يحظَ بشرف المسؤولية.. لقد حملت كامل المسؤولية لصغار الموظفين في هذه القضية، وذلك بإنهاء خدماتهم دون إعطائهم حقوق نهاية الخدمة. ولم تكتفِ الإدارة بذلك فقط، بل منحتهم شرف المسؤولية عبر تقديم أوسمة إضافية لهم؛ إذ منعتهم من العمل في مؤسسات أخرى، وذلك بوضعهم في القائمة السوداء لتأكيد مسؤوليتهم عما حدث، وليُحكم عليهم بالإعدام والبطالة. هل هذا نصر أم هزيمة؟ «الله كريم يا عبد الكريم» هذا هو ما يردده المقصولون وليس المفصولين من عملهم.

* كاتب اقتصادي