سباق مع الزمن لإنقاذ بلاد الإغريق من الإفلاس

حزمة إنقاذ اليونان التي تصل إلى 130 مليار يورو في الميزان

علم اليونان يرفرف على مقر ممثلية البرلمان الأوروبي في أثينا التي تعيش على وقع إضراب عام ضد خطة التقشف الحكومية (أ.ب)
TT

تنفس سكان اليونان الصعداء قبل ثلاثة أشهر وتعلقت آمالهم برجل من «التكنوقراط» لكي يخرج بلادهم من أزمتها المالية الطاحنة التي دفعتها إلى حافة الإفلاس.

ولكن الأغلبية، بحسب «رويترز»، عادت اليوم إلى حالة اليأس بعد أن اتضح أن رئيس الوزراء اليوناني لوكاس باباديموس غير قادر على قيادة سفينة البلاد في خضم الأزمة رغم أن الرجل خبير اقتصادي مرموق وقع عليه الاختيار لرئاسة حكومة ائتلافية، كانت الأولى في اليونان منذ عقود، وهي تضم الأحزاب الرئيسية، لإعادة الاقتصاد المتداعي إلى مسار النمو.

ولكن باباديموس نائب رئيس البنك المركزي الأوروبي سابقا يواجه مقاومة عنيفة لخططه الإصلاحية من الأحزاب الثلاثة الشريكة في الحكومة الائتلافية، وحالة من نفاد الصبر من قبل الدائنين الدوليين لبلاده بسبب تعثر خطوات تطبيق الإصلاحات المطلوبة.

ورغم نجاح الحكومة في تمرير سلسلة من زيادات الضرائب وخفض الإنفاق العام، فإنها لا تزال بعيدة عن تطبيق كل الإصلاحات المطلوبة لضبط الموقف المالي للبلاد بما في ذلك تقليص الجهاز الإداري المتضخم. فهناك مقاومة عنيفة من جانب النقابات العمالية، بل ومن أرباب الأعمال للعديد من الإصلاحات المطلوبة مثل خفض الحد الأدنى للأجور وتسريح آلاف العمال الحكوميين.

يقول يانيس فاروفاكيس رئيس قسم الاقتصاد والعلوم بجامعة أثينا: «يحاول باباديموس التوصل لاتفاق غير مستدام لذلك فهو يحصل على رد فعل يستحقه».

وأضاف: «لا يوجد أمل في أن يحقق برنامج التقشف والإصلاحات الاقتصادية حلا لأزمة الديون.. حتى لو حصلت اليونان على حزمة الإنقاذ الجديدة، فستظل تواجه خطر الإفلاس». والحقيقة أن باباديموس الهادئ الذي لا يظهر كثيرا في وسائل الإعلام، واجه صعوبات خلال الأشهر القليلة الماضية منذ توليه رئاسة الحكومة خلفا لرئيس الوزراء الاشتراكي المستقيل جورج باباندريو، حيث يعطي قادة الأحزاب السياسية اهتماما أكبر للحملات الانتخابية على حساب جهود حل الأزمة المالية.

في المقابل، يطالب الدائنون الدوليون اليونان بخفض الحد الأدنى للأجور وإلغاء مكافآت الموظفين وتحرير أسواق العمل اليونانية إلى جانب تسريح أعداد كبيرة من موظفي الدولة، وجميعها إجراءات تبدو انتحارية بالنسبة لأي حزب سياسي قبل الانتخابات المقررة في أبريل (نيسان) المقبل.

يأتي ذلك فيما تلقت أثينا تحذيرا حادا من باريس حمله لسان الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي وضيفته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، حيث أكد الزعيمان أن الوقت ينفد أمام أثينا من أجل قبول شروط حزمة القروض الجديدة.

وقالت ميركل إن اليونان لن تحصل على أي قروض إنقاذ جديدة ما لم تلتزم بشروط الترويكا الدولية (صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي والبنك المركزي الأوروبي).

وأضافت المستشارة الألمانية: «الوقت عامل جوهري»، وذلك في الوقت الذي يكافح فيه رئيس الوزراء اليوناني لوكاس باباديموس من أجل إقناع قادة الأحزاب السياسية الرئيسية المشاركة في حكومته الائتلافية من أجل قبول شروط المانحين الدوليين. أما ساركوزي، فقد طالب اليونان باحترام تعهداتها الإصلاحية أمام الترويكا الدولية.

واقترح الزعيمان وضع حساب مختلف لسداد فوائد الديون اليونانية. وقال ساركوزي: «نحن (ساركوزي وميركل) لا نتخيل ترك اليونان تشهر إفلاسها».

الأمر نفسه تكرر في بروكسل، حيث ذكرت المفوضية الأوروبية أن الوقت يوشك على النفاد لإنقاذ اليونان من العجز عن سداد ديونها بعد أن فشل ساسة البلاد في التوصل لاتفاق مطلع الأسبوع بشأن إجراءات التقشف التي يطالب بها الدائنون الدوليون مقابل تقديم المساعدة. وقال أمادو ألتافاج المتحدث باسم المفوض الأوروبي للشؤون الاقتصادية في بروكسل: «الحقيقة هي أننا بالفعل تجاوزنا المهلة» لحصول حزمة إنقاذ جديدة على الموافقة، «اليونان دولة عاشت كثيرا بما يتجاوز قدراتها المالية.. والنتيجة الطبيعية لهذا الموقف لا بد أن تكون الإفلاس».

وأعرب عن أسفه قائلا «إننا كنا نأمل في أن يتم اتخاذ القرارات الضرورية مطلع هذا الأسبوع.. هناك مواعيد نهائية لا يمكن أن نتجاهلها ببساطة». أضاف ألتافاج أن مؤسسات الاتحاد الأوروبي ستحاول الآن تسريع الإجراءات القانونية والمالية المطلوبة لإعداد حزمة إنقاذ. وتحتاج اليونان أموالا قبل موعد استحقاق ديون بقيمة 14.5 مليار يورو (19 مليار دولار) في 20 مارس (آذار) القادم.

في المقابل، استجابت الحكومة اليونانية للضغوط المتزايدة من المقرضين الدوليين وأعلنت خطة للاستغناء عن 15 ألف موظف حكومي خلال العام الحالي.

وقد أعلن ديميتريس ريباس وزير إصلاح القطاع العام خطة تسريح الموظفين في الوقت الذي تتواصل فيه المحادثات بين اليونان والترويكا الدولية بشأن حزمة القروض الثانية التي تسعى اليونان للحصول عليها بقيمة 130 مليار يورو (171 مليار دولار).

كانت اليونان قد وعدت بتسريح 150 ألف موظف حكومي بالتدريج حتى نهاية 2015.

في الوقت نفسه، هاجم رئيس اتحاد غرف التجارة الوطني اليوناني الحكومة بسبب رضوخها لضغوط الدائنين الأجانب وخفض الأجور مرة أخرى وإدخال تعديلات على قوانين العمل.

وقال فاسيليس كوركيديس رئيس الاتحاد في بيان إن «الخطوط الحمراء في المفاوضات تحولت إلى أشرطة حمراء».

يذكر أن اليونان تطلب حزمة قروض بقيمة 130 مليار يورو (171 مليار دولار) حيث تحتاج للحصول على الشريحة الأولى منها الشهر المقبل حتى لا تعلن عجزها عن سداد سندات يحين أجل سدادها بقيمة 14.5 مليار يورو.

ومهما كانت نتيجة مفاوضات حزمة القروض الجديدة، من المؤكد أنها لن تكون نهاية للأيام العصيبة التي يعيشها باباديموس قبل تسليم السلطة لحكومة منتخبة جديدة في أبريل المقبل.

وفي تطور لافت قال مسؤول إن الحكومة اليونانية تعد نص اتفاق على حزمة إنقاذ بقيمة 130 مليار يورو يجب أن تقدم للقيادة السياسية للحصول على موافقتها وذلك في إشارة إلى أن أثينا انتهت إلى حد كبير من محادثاتها مع المقرضين بشأن خطة الإنقاذ.