هل تستطيع البورصة تناسي «ألم» نزف النقاط؟

الأزمة المالية العالمية «خلخلت» الثابت والمتحول فيها

جانب من بورصة نيويورك («الشرق الأوسط»)
TT

بدأ العام الجديد 2012 بداية رائعة بالنسبة لمستثمري البورصة، حتى إنه يكون من الجحود الإشارة إلى بقاء أي مشكلات لفترة طويلة، وعلى الرغم من أن الأسبوع الماضي كان روتينيا ومعتادا، فإن مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» ارتفع بنسبة تزيد على 4.6 في المائة في بداية العام، وتشهد الأسواق الناشئة تحسنا ملحوظا، حيث ارتفع مؤشر «هانغ سينغ» في هونغ كونغ بنسبة أكبر من 11 في المائة، حتى مع احتساب الوقت الضائع في عطلات رأس العام.

لقد تحققت بعض الأهداف التي وضعها بالفعل بعض المخططين الاستراتيجيين في الولايات المتحدة. على سبيل المثال، توقع جيم ماكدونالد، كبير المخططين الاستراتيجيين في «نورثرن تراست»، وصول مؤشر «ستاندرد آند بورز» عند نهاية العام إلى 1.330، وقد تجاوز هذا الرقم الأسبوع قبل الماضي. وقال ماكدونالد: «ربما تكون السوق قد حققت عائداتها للعام كله». ولم يغير من توقعاته حتى هذه اللحظة.

على الجانب الآخر يتخذ آخرون موقفا حذرا، حيث يتوقع جيف أبلغيت، كبير مسؤولي الاستثمار في «مورغان ستانلي سميث بارني»، أن تنحدر كل من أوروبا والولايات المتحدة نحو الركود خلال العام الحالي، لذا قال: «نعتقد أن خطر التعرض لتراجع لا يزال قائما في السوق». وهذا ما دفع الشركة إلى توصية عملائها بخفض استثماراتهم في الأسهم. باختصار يمكن القول إنه على الرغم من العائدات الجيدة التي تم تحقيقها حتى هذه اللحظة، فإنه ربما لم تحن بعد لحظة الاحتفال بالنسبة للمستثمرين، لكن لا تقلقوا، فيمكن أن تسعدوا. في الوقت الذي تتوارد فيه بعض الأنباء السارة، لا يزال الاقتصاد في وضع غير مستقر، ويتبنى العلامة بن برنانكي، رئيس مصرف الاحتياطي الفيدرالي، هذا الرأي، حيث قال الأربعاء: «لا أعتقد أننا على استعداد للإعلان عن دخولنا مرحلة جديدة أكثر قوة».

عبّر صناع سياسة مصرف الاحتياطي الفيدرالي الأسبوع الماضي عن تشاؤمهم من نهاية عام 2014، حيث يتوقعون أن يظل مستوى سعر الفائدة عند الصفر حتى ذلك الحين، وهو ما يضيف عاما إلى الفترة المحددة سابقا. وأصدر البنك المركزي لأول مرة توقعات تفصيلية على المدى الطويل. ويقول برنانكي إن الغرض من هذا الأمر هو إقناع المستثمرين بأن سعر الفائدة سيظل منخفضا وهو ما من شأنه تعزيز النمو. وتضفي المعلومات الجديدة بعض الإشراق والتفاؤل على التوقعات التشاؤمية، حيث يتوقع مسؤولو المصرف الفيدرالي ضعف النمو الاقتصادي بحيث لن يحدث أثرا ملموسا على البطالة. ويعتقد مصرف الاحتياطي الفيدرالي أن التعافي الاقتصادي الحقيقي من الكساد والأزمة المالية العالمية سيستغرق سنوات.

ربما تكون أزمة الديون الأوروبية قد تراجعت من موقع الصدارة في وسائل الإعلام، لكنها تظل محل انتباه عالمي، حيث يمكن أن تنفجر في أي لحظة. ويوفر البنك المركزي الأوروبي برئاسة ماريو دراغي الذي تولى منصبه منذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي سيولة نقدية كبيرة للمنطقة، ويساعد في استمرار حركة الأسواق بسلاسة والحفاظ على مستوى عائدات السندات الإيطالية والإسبانية عند حد يمكن السيطرة عليه. من الواضح أن البنك يحاول كسب الوقت. وعلى الرغم من اجتماعات القمة المتعددة والاتفاقيات والاجتماعات السرية، لم تُحل مشكلات أوروبا. شبّه جورج سوروس، الذي يعمل في مجال التمويل، في مقال في «نيويورك ريفيو أوف بوكس»، أوروبا بسيارة تتحرك على منزلق خطير. في البداية يذكر أنه من أجل تفادي وقوع كارثة، فعلى القادة الأوروبيين التركيز على المنزلق، وهو السياسات المالية المتوحشة التي تدفع أوروبا إلى الركود.

بمجرد استعادة بعض السيطرة فعلى أوروبا التوجه إلى مسار أكثر حكمة وعقلانية، على حد قوله. وينصح، وخبراء اقتصاد آخرون، بتقديم حافز اقتصادي. ويدعو سوروس الاتحاد الأوروبي إلى ضمان السندات، لكن هناك الكثير من الخيارات الأخرى.

في أفضل الأحوال، سوف تؤدي سلسلة من المناورات الصعبة الاستثنائية إلى وقوع كارثة أكبر. يجب أن نضع في الاعتبار عدم وجود أي دافع للعجلة، بل عدد كبير من السياسيين والإداريين من 27 دولة في الاتحاد الأوروبي وعدد هائل من المؤسسات متعددة الجنسيات والكيانات المالية والدول غير الأوروبية المرتبطة بأوروبا، للكثيرين آراء خاصة فيما يمكن أن يتم. لا عجب إذن أن يستمر الخوف قريبا من السطح على الرغم من الهدوء النسبي الذي تتسم به الفترة الحالية.

ويدرس الباحثون في مصرف «إتش إس بي سي» في لندن وجامعة أكسفورد هذه الظاهرة، ويقولون إن فكرة التأرجح بين ارتفاع أسعار الأصول التي تتضمن مخاطرة وانخفاضها هي المهيمنة على الأسواق المالية العالمية منذ حدوث الأزمة المالية العالمية، وقد كتبت عن أبحاثهم في أبريل (نيسان). لقد بدأت الأصول المالية العالمية تتحرك بإيقاع واحد. ويقول ستيسي ويليامز، المخطط الاستراتيجي في لندن، إنه منذ ذلك الحين أصبحت العلاقات المتداخلة أكثر ترابطا، مشيرا إلى وصولها لمستويات مرتفعة للغاية قبل الكريسماس بفترة وجيزة. من المؤكد أن العام الجديد قد جاء ومعه هدوء نسبي وتراجع في مستوى تشابك العلاقات. وقال إن البورصة الأميركية مرتبطة إلى حد كبير بالبورصات الأخرى ومتشابكة داخليا أيضا. وأوضح أنه في نهاية العام الماضي انفجرت الأسهم الفردية بحسب مؤشر «ستاندر آند بورز 500» بدرجة كبيرة غير مسبوقة، حتى إن كل الأسهم بدت كأنها تسير على نمط واحد. إنه كابوس بالنسبة إلى منتقي الأسهم التقليديين على الأقل على المدى الطويل، حيث تخفي قوى السوق الكبرى ما يميز أي شركة. يجعل هذا الموقف من الصعب تطبيق استراتيجيات صناديق التحوط التي تستهدف القضاء على الفروق بين قطاعات البورصة، في مراهنة على أن قطاع المرافق سوف يتفوق مثلا على القطاعات الصناعية، وتتطلب مثل هذه الاستراتيجيات درجة من المعرفة والخبرة غير متوفرة لدى هؤلاء المتداولين، على حد قوله.

على مدى الأسابيع القليلة الماضية، أصبح الكثيرون يفضلون تداول الأسهم التي تتضمن مخاطرة والتي ترتفع أسعارها والتي تتضمن أسهما وصفها ويليامز بـ«أصول جوهرية تتضمن مخاطرة ويرتفع سعرها». في مرحلة ما، إذا سادت فكرة التأرجح بين ارتفاع أسعار الأصول التي تتضمن مخاطرة وانخفاضها، سيتجه المستثمرون نحو التخلص من الأسهم ويراهنون على الأصول التي تعد مخازن آمنة للقيمة، ومن ضمنها سندات الخزانة الأميركية حتى هذه اللحظة.

ماذا على المستثمر العادي، الذي لا يزعم امتلاكه للمعرفة المالية، في مثل هذه الظروف؟ الأمر نفسه الذي ينبغي أن يقوم به في أغلب الأحوال وهو الاحتفاظ بمحفظة استثمارية متوازنة ومتنوعة، ويحاول ألا يقلق كثيرا بشأن الصخب اليومي في السوق. بطبيعة الحال، يجب على المستثمرين الذين يحاولون الادخار، قدر الإمكان، من أجل التقاعد أو لشراء منزل أو لدفع مصروفات تعليم أبنائهم، تقييم مدى المخاطرة ووقت الانتظار الذي يمكنهم تحمله للحصول على عائدات لأصولهم. ويوصي أبلغيت المستثمرين حاليا بـ«تقليل» عدد ما يمتلكونه من أسهم والتمسك بملاذ آمن مثل النقود وسندات الخزانة قصيرة الأجل.

يتطلب الاستثمار على المدى الطويل في البورصة بعض الثقة في «السلامة الاقتصادية المستقبلية» للرأسمالية، على حد قول ويليامز، وهو ما يبدو أنه طلب بعيد المنال أحيانا. مع ذلك، لا يزال يراهن بحساب تقاعده مثل الكثيرين، ويأمل أن تتراجع حدة التقلبات الكبيرة التي شهدتها السوق خلال السنوات الماضية. ويقول: «إذا كنت تحاول أن تمتلك المعرفة والخبرة، فتأكد من قدرتك على ذلك»، وإلا ففكر جديا في الابتعاد عن المخاطرة.

* خدمة «نيويورك تايمز»