كوريا الجنوبية تؤكد سعيها لتعزيز إمداداتها النفطية من السعودية

الرئيس الكوري لي ميونغ باك: نسعى والرياض للعمل على الاستقرار في مجالات الأمن والسلام والتعاون

الرئيس الكوري خلال اجتماعه مع رجال الأعمال السعوديين بحضور عدد من الوزراء في الرياض («الشرق الأوسط»)
TT

كشف لي ميونغ باك رئيس كوريا الجنوبية، عن عزم بلاه الدخول في شراكة حقيقية وفاعلة مع السعودية، ليس فقط في نطاق النفط، بل في قطاعات الطاقة المتجددة والصناعة الخضراء وتكنولوجيا الدفاع، باعتبارها صمام الأمان للشروع في استثمارات اقتصادية أخرى آمنة على كافة الصعد، خاصة أن السعودية تمثل الثقل الاقتصادي في المنطقة، فيما يشكل تعاونهما الوجه الأقوى اقتصاديا باعتبارهما عضوين في مجموعة العشرين التي تمثل أكبر اقتصاديات العالم.

وأوضح باك أن بلاده، أكبر مستورد للنفط السعودي، مبينا حاجة بلاده لمزيد من حصة الاستيراد السعودية من النفط.

وتأتي هذه التصريحات في الوقت الذي أعلن فيه المكتب الرئاسي في كوريا الجنوبية في بيان صدر أمس، أن المملكة العربية السعودية «ستدرس باهتمام» تقديم المساندة بما في ذلك إمدادات نفط إضافية إذا طلبت سيول ذلك في إطار بحثها عن بدائل للنفط الإيراني، وفقا لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء العالمية، والتي أشارت إلى أن ذلك جاء في اجتماع بين وزير النفط السعودي على النعيمي والرئيس الكوري الجنوبي لي ميونغ باك.

وبالعودة إلى حديث الرئيس الكوري خلال ملتقى الأعمال السعودي الكوري، الذي عقد في الرياض أمس، قال: «سمعت خلال زيارتي هذه للسعودية، كلاما جميلا من وزير الطاقة السعودي علي النعيمي، وعرفت من لقاء المسؤولين السعوديين أنهم يوافقون على تعزيز العلاقات، وقالوا إن هناك أرتالا من الزيارات المتكررة لعدد من المسؤولين ورجالات الأعمال السعوديين لكوريا قريبا وتبدأ من شهر أبريل المقبل، من أجل تعزيز العلاقات على كافة الصعد، لا سيما العلاقات الاقتصادية والصناعية والتجارية والاستثمارية».

ومع كل ذلك، أوضح الرئيس الكوري أن بلاد تطمح لأكبر من ذلك، في إشارة، لتوسيع دائرة التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري القائم، ومتجاوزا التعاون الاستثماري والتجاري الملموس في قطاع الإنشاءات ومتعلقاته، إلى الشروع في شراكات من العيار الثقيل في كافة المجالات، وأولها الدفاع، باعتبار أن كوريا متفوقة تكنولوجيا في هذا المجال وعلى مستوى العالم، داعيا في الوقت نفسه، للشروع في مجالات أخرى ذات الكفاءة الاقتصادية العالية، وخصوصا الطاقة المتجددة والصناعة الخضراء، مشيرا إلى أن هناك فرصة لترجمة ذلك عمليا واستثمارها في مؤتمر الطاقة النووية والذي يشارك فيه بعض كبار زعماء العالم.

ودعا الرئيس الكوري، الذي كان يتحدث أمس أمام حشد كبير من المسؤولين ورجال الأعمال من البلدين، في الملتقى الذي نظمه مجلس الغرف السعودي في العاصمة السعودية الرياض، تحت شعار ملتقى الأعمال السعودي الكوري، إلى ضرورة توسيع أطر التعاون بين السعودية وكوريا، وخاصة في مجال الدفاع، مؤكدا أن كوريا حققت تفوقا كبيرا في تكنولوجيا الدفاع على مستوى العالم، مشيرا إلى أن ذلك، أفضل مفاتيح الشروع في استثمارات اقتصادية أخرى آمنة وعلى كافة الصعد.

ووصف باك، العلاقات المتنامية بين المسؤولين في البلدين بأنها في تنام متصاعد، ما من شأنه تعزيز العمل الاقتصادي والصناعي والاستثماري والتجاري المشترك، مبينا أن «اللقاءات التي عقدت بيننا كمسؤولين في كوريا مع نظرائنا في السعودية كشفت عن عمق المحبة والود المتبادل»، مدللا على ذلك باستضافته وبلاده كضيف شرف لأكبر تظاهرة ثقافية في المنطقة، مشيرا إلى احتفاء بلاده بمرور خمسين سنة على العلاقات الثنائية.

وأضاف بأن ذلك مدعاة ومؤشر قوي لإمكانية تطوير هذا الجانب، وترجمته من خلال عدة قنوات من بينها رجال الأعمال في البلدين، حتى تعم المشاركة البينية كافة قطاعات ومفاصل العمل الاقتصادي والصناعي، وبالتالي تبادل المنافع لبناء أفضل علاقات نموذجية بين بلدين كبيرين، وصناعة مستقبل أقوى مما عليهما حاليا، مشيرا إلى الحضور الكوري في الساحة الاستثمارية السعودية منذ بزوغ فجر السبعينات من القرن الماضي، حيث كانت بلاده أوفدت عددا كبيرا من العمالة الكورية للعمل في قطاع الإنشاءات والمشاريع التنموية الكبيرة والبنى التحية التي تشهد الآن صلابة وقوة ومنعة لافتة.

وثمن باك، لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وحكومته، إتاحته له هذه الفرصة لزيارة السعودية والتي وصفها بالذهبية، وذلك بأن يكون وبلاده ضيف شرف مهرجان الجنادرية كتظاهرة ثقافية كبيرة، حري بها أن تكون محطة جاذبة ولافتة، يستطيع من خلالها العالم معرفة ثقافة وتراث هذا البلد.

وقال: «هذه الفرصة ثمينة ولن نضيعها وسنعمل من خلال تعريف الشعب السعودي والشعوب التي بينهم بأن يتعرفوا على الثقافة الكورية وتراثها عن قرب، كما هي فرصة لنا أيضا لكي نتعرف على ثقافة وتراث هذا البلد الكبير، والتي يمكن توظيفها هي الأخرى كعلاقة شعبية وثقافية لتمتين العلاقات الاقتصادية والصناعية وكل ما هو ذو صلة بهما».

وزاد: «إن بلدينا الآن على وشك بناء قوى ثنائية استراتيجية في كافة المجالات، ويمكن أن يكون لنا معا مواقف سياسية كبيرة يكون لها ما بعدها، وذلك بتأثيرها المباشر في صناعة الأمن والسلام والاستقرار في بلدينا أولا ومن ثم في بؤر الأحداث الساخنة والسياسية والاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط وغيرها من مناطق العالم المتأثرة، وسنعمل معا على استقرار العالم».

وفي الإطار نفسه، أفاد هونغ سوك وو وزير الاقتصاد المعرفي في كوريا، أن بلاده تتمتع بعلاقات استثنائية مع السعودية على الرغم من البعد الجغرافي، مبينا أن بلاده أكبر مستورد للبترول السعودي، حيث تستورد النفط منها بشكل مستمر، الأمر الذي جعلها تتمتع بتنافسية عالية جدا، في وقت تحقق فيه كوريا إنجازات ونجاحات مشهودة في مجال تكنولوجيا المعلومات لصنع أفضل الشراكات وبناء أكبر القدرات في كافة المجالات.

وأضاف أن المجالات تتوسع يوما بعد يوم، ولكن تبقى أبرزها مجالات الطاقة المتجددة والصناعة الخضراء، مبينا أن ما سمعه من نقاشات في أروقة مجالس الغرف السعودية وبينه وبين شركائه من الكوريين، يمكن توظيفه في هذا الاتجاه وبقوة.

وقال: «هناك مجال مهم جدا وهو مجال الخدمات الطبية والصحية وتجهيز المستشفيات الحديثة، حيث إن كوريا متفوقة في هذا الجانب تقنيا ومعرفيا وتطبيقيا، في الوقت الذي تتسع فيه السوق السعودية لاستيعاب المزيد من مثل هذه الخدمات، خاصة بعد أن أطلقت الحكومة السعودية اعتماد بناء أكثر من 500 وحدة سكنية في طريقها للزيادة مستقبلا، مما يعني اتساع الزيادة البشرية وبالتالي الخدمية».

وأوضح وزير الاقتصاد المعرفي الكوري، أن كوريا والسعودية بلدان قويان اقتصاديا ويمكن أن يكملا بعضهما البعض في المجالات المتبادلة، وهو ما من شأنه بناء سوق مشتركة يكون لها ثقلها في السوق العالمية، بل وتؤثر فيها بقوة كبيرة.

من جانبه، قال الدكتور توفيق الربيعة وزير التجارة والصناعة السعودي: «إننا نعول كثيرا على مجالس أعمال البلدين، في تعزيز العلاقات التجارية والصناعية بين بلدينا، خاصة أن كوريا تعتبر من أهم الدول الصديقة للسعودية منذ عام 1962، حيث إنها تعتبر أكبر مورد للنفط السعودي».

وأضاف الربيعة أن لكوريا دورا كبيرا في فتح آفاق تعاون كبير مع السعوديين، في مجال التعاقدات مع كبرى الشركات الناشطة في مجال الإنشاءات والمقاولات، مشيرا إلى جهودها في بناء كبريات الصروح، ومنها مطار الملك خالد، بالإضافة إلى مقرات عديد من الوزارات السعودية والتي منها وزارة الدفاع ووزارة الداخلية.

وأشار إلى أن السعودية تتطلع إلى مزيد من آفاق التعاون في مجالات الصناعة والتجارة والاستثمار، مبينا أن التبادل التجاري بين السعودية وكوريا بلغ في عام 2010 أكثر من 110 مليارات دولار، حيث قفز هذا التبادل قفزة كبيرة مما كان عليه في عام 2002 بما يقدر بأربعة أضعافه، حيث كان قد بلغ وقتها 29 مليار دولار.

ودعا الربيعة الجانب الكوري إلى ضرورة توسيع التعاون في مجالات الاتصالات والتكنولوجيا والبحث العلمي وتدريب الخبرات والكفاءات في هذا المجال، مقابل الدخول بقوة في ساحة الاستثمارات، مبينا أن السعودية تميزت بجاذبية استثمارية كبيرة على مستوى العالم، حيث صنفها البنك الدولي بالـ 13 من أصل 84 دولة في العالم.

أما الدكتور محمد الجاسر وزير الاقتصاد السعودي ورئيس اللجنة السعودية الكورية المشتركة، فقد أوضح أن العلاقات والصداقات السعودية الكورية بدأت من أمد بعيد، مبينا أنه سمع من أحد المواطنين الكوريين في إحدى المناسبات الاقتصادية، إبان توليه منصب محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي، أنه يكيل للسعوديين الشكر والثناء، مستشهدا بوقوف السعودية بجانب كوريا حين قدمت لها مساعدات إنسانية أيام الحرب الكورية في بداية السبعينات.

ولفت الأنظار إلى أن العالم كان يتحدث في زمن مضى خلال أربعة عقود مضت، بأن كوريا البلد الفقير، وأنها ذات الفرص الأقل في آسيا، غير أن الكوريين استطاعوا أن يقلبوا هذه المعادلة إلى عكسها، فأصبحت الدولة الاقتصادية والصناعية اللافتة، بل هي الدولة الوحيدة في العالم التي تبتدع وزارة للاقتصاد المعرفي.

وقال الجاسر: «الآن جاء وقت تقوية العلاقات بقوة، فهي قد حققت تبادلا تجاريا مع السعودية بلغ 31.5 مليار دولار في الوقت الذي حققت فيه اليابان كأكبر بلد صناعي اقتصادي، بلغت معنا تبادلا تجاريا بحجم 44 مليار دولار، مما يعني أن الفرق ليس كبيرا، وهذا مدعاة لبناء شراكة اقتصادية استراتيجية حقيقية».

وأضاف: حري بنا أن نفعل ذلك طالما أن البلدين عضوان في مجموعة العشرين وهي أكبر مجموعة ذات قوة اقتصادية في العالم، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لأن السعودية ذات الثقل العالمي في احتياطي وتصدير البترول.

وزاد بأن السعودية حري بها أن تفتح ذراعيها لكبريات الاستثمارات والتبادلات وتعزيز الصناعات مع دولة مثل كوريا، إذا علم الكوريون أن السعودية تعادل في مساحتها 21 ضعف مساحة كوريا، و6 أضعاف مساحة اليابان، في الوقت الذي يشكل فيه شبابها نسبة تقارب الـ70 في المائة، تتشكل الآن وتستعد للانخراط في الإسهام في صناعة الاقتصاد من كافة أوجهه.

وأشار أيضا إلى أن السعودية خصصت أكبر إنفاق بما يعادل 577 مليار ريال كحجم للدخل القومي لعام 2010، في الوقت الذي نما فيه الاقتصاد السعودي بنسبة 6.8 في المائة في عام 2011، مبينا أن قليلا من الدول العظمى التي استطاعت أن تلامس مثل هذه النتيجة بما فيها الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، فضلا عن أن القطاع غير البترولي حقق نموا لامس 8.6 في المائة.

وقال الجاسر: «لدينا سياسة اقتصادية كلية قوية على مستوى السياسة النقدية والمالية، أكسبت المملكة بيئة استثمارية جاذبة مما جعل البنك الدولي يصنفها بالـ 13 من بين 84 دولة في العالم، كما استطاعت أن تقاوم رياح الأزمة المالية العالمية».

ولفت أنظار الكوريين إلى عملاق الصناعات في السعودية أمثال أرامكو والتي التزمت أفضل معايير الجودة والإنتاجية العالمية، في ظل وجود حقول أخرى للاستثمار ومنها الفوسفات ونظراؤه، بالإضافة إلى الحاجة لبناء الموانئ والسكك الحديدية وصناعة تحلية المياه.

ومع تأكيده على أهمية توسيع التبادل التجاري وتوقيته وتطويره، إلا أن الجاسر عاد وأكد على أهمية الاستثمار، باعتباره الأهم، والأنجع في توطيد العلاقة بين البلدين على المدى البعيد، وشدد على ضرورة تطويره من خلال تأسيس استراتيجية استثمارية فاعلة وتعود بالنفع على الشعبين، مبينا أن الاستثمار المجزي هو الأحرى بأن يجد مزيدا من الاهتمام، مشيرا إلى أن مستوى الاستثمار بين البلدين لا يرقى لطموحات الجانبين.