نزار بركة: المغرب تجاوز منطق الخصخصة ويوجد الآن في إطار فتح رساميل مؤسسات عمومية

وزير المالية والاقتصاد المغربي في حوار مع «الشرق الأوسط»: سنعمل هذه السنة على وضع الإطار القانوني الذي سيمكن البنوك الإسلامية من الولوج إلى الأسواق المغربية

TT

قال نزار بركة، وزير الاقتصاد والمالية المغربي، إن بلاده تجاوزت منطق الخصخصة، مشيرا إلى أنها توجد الآن في إطار فتح رساميل مؤسسات عمومية أكثر من خوصصتها. وأضاف أن «اتصالات المغرب» سوف تنخرط في هذا الإطار أي فتح رأسمالها أكثر أمام القطاع الخاص.

وأوضح بركة، في حديث خص به «الشرق الأوسط» في الرباط، أن هناك دراسة تقوم بها حكومة عبد الإله ابن كيران، من أجل أن يكون لها موقف في المستقبل إزاء هذا المجال، مبرزا أن ذلك يعتبر من الإمكانات المتاحة بالنسبة لتمويل المالية العمومية. وقال الوزير بركة: «هنالك تجارب بالنسبة للمغرب في هذا المجال من خلال المنتوجات المصرفية البديلة، والتي عرفت بعض النجاحات وبعض الإخفاقات، ونعمل هذه السنة على تقييم تلك التجربة، وعلى وضع الإطار القانوني الذي سيمكن البنوك الإسلامية من الولوج إلى الأسواق المغربية». وبشأن وجود إمكانات للخروج للسوق الدولية من أجل تمويل العجز الحاصل في الميزانية، كما حدث عام 2010، حين اقترض المغرب مليار يورو من الخارج، قال بركة إن الإمكانات عديدة ومتوفرة بالنسبة للمغرب بفضل التطور الديمقراطي الذي عرفه، وبفضل الاستقرار الذي ينعم فيه، وبفضل كذلك التوجه الواضح بالنسبة للحكومة.

إلى ذلك، قال بركة إن هناك رغبة في استثمار الثقة الشعبية في الحكومة الحالية من أجل وضع نموذج اقتصادي جديد، مشيرا إلى أن الحكومة الجديدة تعمل على تنويع الاقتصاد المغربي حتى يتمكن من الوصول إلى قطاعات جديدة ذات قيمة مضافة مرتفعة ومنتوجات ذات محتوى تكنولوجي أقوى وهو ما سيمكن المغرب من التوغل أكثر في أسواق جديدة. فإلى نص الحوار:

* الملاحظ أن الناس لم يلمسوا من خلال البرنامج الحكومي الذي أعلن عنه رئيس الحكومة في البرلمان، وتمت المصادقة عليه، النموذج الاقتصادي الذي ترومون تحقيقه. فما هي الآليات التي ستستعملونها من أجل تحقيق نموذج اقتصادي متكامل المعالم.هل من توضيحات حول ذلك؟

- ينبغي التوضيح في البداية أن هذه الحكومة دخلت في مناخ جديد يتميز أولا بالتغيرات المتسارعة التي يعرفها المناخ الاقتصادي جراء الأزمة الدولية الاقتصادية خصوصا بالنسبة للاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو، وكما تعلمون فإن المغرب له علاقات وطيدة مع هذه المنطقة على مستوى مبادلاته الخارجية، ذلك أن أكثر من 65 في المائة من مبادلاته الخارجية تتم مع الاتحاد الأوروبي. ثانيا، هناك نوع من التوزيع الدولي الجديد للعمل، الذي نحن بصدده اليوم. ثالثا، هناك في هذا الإطار توجهات جديدة نحو قطاعات جديدة مثل ما يسمى «الاقتصاد الأخضر». فهذه الحكومة أرادت من خلال تلك التطورات الاقتصادية، وأيضا من خلال التطورات السياسية التي تعرفها المنطقة، والتي جعلت من المغرب بلدا استطاع أن يعرف تحولا في إطار المؤسسات الدستورية من خلال مراجعة الدستور، ومن خلال الانتخابات السابقة لأوانها، التي جرت في 25 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ومكنت من تحقيق تناوب ديمقراطي عبر صناديق الاقتراع، وبالتالي هناك رغبة في استثمار هذا التوجه الديمقراطي، وتكريس الديمقراطية في بلادنا لجهة تسريع وتيرة الإصلاحات الكبرى، و العمل على استثمار الثقة الشعبية في الحكومة من أجل وضع نموذج اقتصادي جديد.

ما هو هذا النموذج؟ إنه نموذج يرتكز على مجموعة من الركائز. الأولى تتعلق بالعمل على تقوية الطلب الداخلي والنمو الداخلي من خلال تحسين القدرة الشرائية للمواطنين، والعمل كذلك على تقوية الاستثمار خاصة الاستثمار العمومي. أما الركيزة الثانية فتكمن في العمل على تنويع الاقتصاد الوطني حتى يتمكن من الوصول إلى قطاعات جديدة ذات قيمة مضافة مرتفعة، ومنتوجات ذات محتوى تكنولوجي أقوى، وهو ما سيمكننا أولا من التوغل أكثر في أسواق جديدة، وخاصة السوق الأفريقية. وكما تعلمون فإن لبلادنا اليوم حضورا في 15 دولة أفريقية من خلال المصارف المغربية أومن خلال قطاع الاتصالات، وكذلك إنجاز التجهيزات والبنى التحتية، وهناك أيضا العمل على تحسين التنافسية اللوجيستيكية للمغرب لاستقطاب استثمارات أجنبية أقوى. وتكمن الركيزة الثالثة في التضامن لأننا اعتبرنا أنه من الضروري أن نحسن الحماية الاجتماعية في بلادنا ونوسعها بالنسبة للفئات الاجتماعية الفقيرة، بحكم أن هناك المساعدة الطبية التي سيتم تعميمها ابتداء من سنة 2012، إلى جانب استهداف الفئات الفقيرة من خلال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وكذلك من خلال برامج مثل «تيسير» وبرامج أخرى متعلقة بالسكن والصحة، إضافة إلى تطوير أنظمة التقاعد لأن هناك إشكالية في المغرب تعود إلى كون أقل من 25 في المائة من المغاربة لهم الحق في التقاعد، وبالتالي ينبغي توسيع تلك الأنظمة وضمان استمراريتها. وبالنسبة للتضامن هناك كذلك العمل في إطار التضامن مع الأجيال المقبلة من خلال التنمية المستدامة وكل ما يتعلق بحماية البيئة. وأخيرا، هناك البند الرابع المتعلق بالحكامة لأننا نعتبر أن الحكامة أساسية، وفي هذا السياق، هناك نقطة تتعلق بإصلاح الدولة من خلال الجهوية المتقدمة، والتي من شأنها أن تمكن من إقامة تنمية متوازنة بين جهات المملكة، وكذلك خلق فرص الشغل في كل تلك الجهات. ومن جهة أخرى، هناك كل ما يتعلق بتحسين الشفافية، ومحاربة الفساد، وربط المسؤولية بالمحاسبة كما جاء في الدستور، وبالتالي أن تكون هناك حكامة مبنية على النتائج لربط جميع السياسات العمومية بالنتائج المرتبطة بها، فإن ذلك سيمكننا من التوصل إلى نسبة نمو قدرها 5.5 في المائة كمعدل سنوي في السنوات الخمس المقبلة، وبالطبع التقليص من البطالة، الذي يمثل الهدف الأساسي لهذه الحكومة، إلى 8 في المائة إن شاء الله، ونحن اليوم عند 9,1 في المائة.

* تضمن البرنامج الحكومي إجراءات مالية تصب في صالح الفئات المعوزة ضمنها صندوق التضامن وصندوق الزكاة، وإعادة النظر في صندوق المقاصة (صندوق دعم المواد الأساسية). ما هي رهانتكم من ذلك، وهل تعتقدون أنكم بذلك سترضون فئات واسعة من المجتمع المغربي، أي إخراج الفقراء من فقرهم، والحفاظ على القدرة الشرائية للطبقة الوسطى، التي تعتبر أكثر مستفيد من صندوق المقاصة؟

- أولا، ما هي المقاربة التي اخترنا في هذا المجال؟ نحن نعتبر أنه من الصعب اليوم أن نعمل في إطار البحث عن إرضاء جميع فئات المجتمع حينا لأن هناك ما يسمى «ديكتاتورية اللحظة»، والمواطنون يريدون كل شيء اليوم، جراء عدم وجود إمكانات لذلك، ولكننا في ظرف خمس سنوات سنعمل أولا على الإبقاء على صندوق المقاصة بمعنى أننا سنواصل الدعم ولكن في حدود معقولة حتى لا يتجاوز الدعم الموجه للمواد الاستهلاكية نسبة الاستثمار، وبالتالي حتى لا يؤدي ذلك إلى نقص في الاستثمارات العمومية التي تفتح المجال للتشغيل، وبفضل ذلك سنتمكن من مواصلة دعم القدرة الشرائية للفئات المتوسطة، ولكن في نفس الوقت هناك مقاربة خاصة لتوسيع الطبقة المتوسطة وتقويتها أولا من خلال استهداف سياسات عمومية للطبقات المتوسطة لأن هناك سياسات بيد أنه ليس هناك استهداف خاص بهذه الطبقة أي في مجال النقل ومجال السكن، إذ سنوجه عملنا من أجل إنتاج منتوجات سكنية في متناول القدرة المالية للطبقة المتوسطة حتى لا تتجاوز 500 ألف درهم (56 ألف دولار) لأنه بفضل ذلك سنتمكن أولا من تقليص عبء وتكلفة المعيشة بالنسبة لهذه الطبقة، ومن خلال ذلك سنقوي قدرتها الشرائية. أما بخصوص الطبقات المعوزة فكما أشرت هناك صندوق التضامن الذي سيتم إحداثه، وهو صندوق سيمكن من تمويل الاستهداف المباشر المشروط بالتعليم والصحة بالنسبة للفئات المعوزة حتى نتمكن أولا من تحسين القدرة الشرائية لديها من جهة، وثانيا، وهذا هو الأساس، محاربة التوريث الجيلي للفقر أي إن أبناءهم ينبغي أن يخرجوا من الفقر. وثمة نقطة أساسية، هي أنه مواكبة مع ذلك، سنعمل أولا على استهدافهم من خلال سياسة محو الأمية حتى نحسن قدراتهم لمواجهة سوق الشغل، وسنعمل كذلك على استهدافهم بأنشطة مدرة للدخل في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وبالتالي ستكون لنا خارطة الطريق، وبنك معطيات حول الفقراء في بلادنا، وما هي السياسات المتعمدة من أجل إخراجهم من الفقر. وبتتبعهم سنتمكن إن شاء الله من توسيع الطبقات الوسطى وتقويتها.

* أنت تتحدث الآن عن البدائل لـ«صندوق المقاصة» لكن السؤال يبقى دائما مطروحا حول كيفية تمويل هذه البدائل. فمن أين ستأتون بهذا التمويل؟

- بالنسبة للتمويل ينبغي التذكير أولا أن هناك نقطة أساسية تكمن في استرجاع الدعم المقدم للفئات الغنية من خلال صندوق المقاصة لأنه كما تعلمون فإن البضائع المدعومة سعرها واحد، وبالتالي من يستهلك أكثر يستفد أكثر، ومن ثم فمن خلال فكرة التضامن سيتم استرجاع الدعم المقدم للفئات الميسورة أو الغنية. وفي هذا السياق سنعمل أيضا على الحس التضامني للمقاولات الكبرى التي لها هامش الربح الكبير، والتي ليس لها أي منافسة خارجية حتى لا يكون هناك انعكاس سلبي على تنافسيتها، وبالتالي، ففي إطار هذا التوجه، سيتم استرجاع هذا الدعم. ثم هناك فكرة أساسية هي أننا سنعمل على تقليص النفقات الجبائية أي الامتيازات الجبائية المعطاة التي ليست لها مردودية اقتصادية واجتماعية أكبر مما نقدم من نفقات جبائية لتلك القطاعات، وهذا أيضا سيمكن من تمويل ذلك، وأخيرا هنالك نقطة تتعلق بترشيد النفقات خاصة نفقات التسيير، ما عدا بالطبع كل ما يتعلق بأجور الموظفين.

* قلتم في البداية إن من أهداف هذه الحكومة محاربة الفساد. والملاحظ أن هناك هدرا ماليا في الإدارات العمومية يتجلى في عدة مظاهر. فما هي الإجراءات التي تنوون اتخاذها كحكومة وكوزارة للحد من هذا الهدر؟

- من بين الأوراش الكبرى التي ستفتحها وزارة المالية قريبا، هناك الورش المتعلق بإعادة النظر في مرسوم الصفقات العمومية، من أجل إضفاء شفافية أكثر في تلك الصفقات العمومية، وإعطاء إمكانية تتبع كل المصادر إلى حين فتح الأظرفة، وإعطاء الإمكانية كذلك للمقاولات لمناقشة اختيارات الدولة إذا ما تبين أنه كانت هناك انزلاقات في هذا المجال. هناك عمل آخر يتعلق بإعادة النظر في القانون التنظيمي للمالية حتى يكون هناك أولا ربط للنفقات بالحاجيات الضرورية للإدارة، وثانيا ربطها بالنتائج من أجل العمل على استهداف السياسات العمومية، والتوصل إلى الأهداف المسطرة في البرنامج الحكومي.هناك أيضا نقطة أخرى تتعلق بالمراقبة، أي إعادة النظر في المراقبة، ومحاربة التملص والغش الضريبي، وهناك ما نعمل بصدده في مجال الجمارك، بحيث وضعنا اتفاقية مع الهيئة المسؤولة على محاربة الرشوة والمديرية العامة للجمارك من أجل وضع آليات وميثاق أخلاقي داخل مديرية الجمارك، ونعمل نفس الشيء بالنسبة لمديرية الضرائب، وسنعمل أيضا في هذا الإطار على تحسين آليات المتعلقة بالأملاك المخزنية (أملاك الدولة) في إطار دعم الاستثمار الخاص.

* هناك مشكلة اجتماعية عويصة تواجهها الحكومة الحالية وواجهتها الحكومة السابقة تتمثل في كثرة العاطلين من حاملي الشهادات الجامعية، لكن موازنة الدولة تبقى دائما عاجزة عن استيعابهم. فماذا تقترحون كمقاربة اقتصادية لحل هذه المشكلة؟

- الحكومة اعتبرت أنه من الضروري أن نكون صرحاء، ونعمل على وضع آليات خاصة بالنسبة للتوظيف في أسلاك الوظيفة العمومية، تتمثل في تنظيم مباراة (اختبار) بالنسبة للتوظيف في السلم (الدرجة) 11، في إطار الشفافية، والعمل على وضع آليات حتى نتمكن من القيام بتلك المبادرات على الصعيد الجهوي ونتجاوز هذا المنظور المتمركز الذي يجعل فئات عريضة من الشباب الذين يقطنون في جهات بعيدة مقصيين من إمكانيات الولوج إلى الوظيفة العمومية. نفس العملية انطلقت بالنسبة للجماعات المحلية (البلديات) أي تم وضع مباريات (اختبارات) مشتركة بالنسبة للعديد من الجماعات المحلية من أجل ضبط تلك العملية، وأن تكون هناك شفافية أكثر في هذا المجال. ونعمل كذلك في هذا الإطار على ضمان استمرارية المرفق العام بتوظيف ما يعادل 20 ألف موظف سنويا خلال السنوات الخمس المقبلة، وبالنسبة لموازنة 2012 سنتجاوز 26 ألفا. وكما تعلمون لا يمكن للقطاع العام أن يستوعب كل الشباب الذين يدخلون سوق الشغل سنويا، وبالتالي ينبغي التوجه أساسا للقطاع الخاص، وفي هذا الإطار ما هي المقاربة؟ المقاربة هي ضمان استقرار أكثر، وأن يكون العرض المقدم بالنسبة للقطاع الخاص أكثر جاذبية مما هو عليه اليوم من خلال ضمان حقوق العاملين في القطاع الخاص لا من حيث الضمان الاجتماعي، ولا من حيث ظروف الشغل اللائق. وثمة نقطة ثانية أساسية، وهو ما قمنا به، وتكمن في وضع آليات محفزة لكل من القطاع الخاص الذي يريد إدماج حاملي الشهادات من المعطلين سواء كانوا من حاملي الشهادات العليا أو شهادة الإجازة، فسيتم التمويل من طرف الدولة، عبر صندوق خاص بالتشغيل، كل ما يتعلق بتكوين أولئك الشباب، وإعطائهم دعما ماليا خلال تكوينهم من طرف الدولة، وكذلك ضمان أن تكون لهم تغطية اجتماعية على أساس أنه في آخر المطاف يتم التوقيع على عقد دائم بين القطاع الخاص وأولئك المتدربين، وهكذا سنقوم بتحسين وتطوير هذا التوجه. وأخيرا، هناك ما نعتبره أساسيا، وهو تحرير الطاقات في بلادنا من خلال دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة، وكذلك فتح إمكانية التشغيل الذاتي من خلال وضع ما سميناه «المقاول الاجتماعي» أي أن يكون هناك نظام خاص لتمكينهم أولا من تقليص العبء الجبائي، وتقليص الأعباء الاجتماعية، وتوفير تمويلات وضمانات خاصة لهم. ونحن اليوم في الوزارة نشتغل حول هذه الضمانات، وأخيرا مواكبتهم خلال السنتين الأوليين لضمان استمرارية مقاولاتهم، والعمل على أن تلزم الدولة، من خلال صفقاتها العمومية، المقاولات التي تستفيد من تلك العروض، على أن تقدم عملا للمقاولات الصغيرة والصغيرة جدا.

* الملاحظ أن الضغط الاجتماعي الحاصل على الحكومة الحالية إذا استمر سوف يؤثر سلبا على جلب الاستثمارات. ماذا أعددتم لمواجهة هذه المشكلة؟

- أولا، ينبغي التذكير أن الحكومة السابقة قامت بالتوقيع على اتفاقية مع النقابات الأكثر تمثيلية في أبريل (نيسان) الماضي من أجل ضمان السلم الاجتماعي. واليوم الحكومة الحالية ستعمل على تنزيل وتنفيذ تلك الاتفاقية. ومن جهة أخرى، نحن نعتبر أنه من الضروري أن نواصل مأسسة الحوار الاجتماعي، الذي ينبغي أن يكون ثلاثيا، ولكن في نفس الوقت نقول إنه من الضروري كذلك أن نقوم بوضع آليات لضبط هذا الحوار الاجتماعي سواء على الصعيد المركزي أو على الصعيد القطاعي، ومن جانب آخر، سنحفز على أن تكون هناك اتفاقيات ثنائية بين القطاع الخاص والنقابات حتى نصل إلى اتفاقية جماعية من شأنها أن تمكننا من الوصول إلى السلم الاجتماعي. وأخيرا، فإن الرؤية التي نريد تطبيقها هو أن يكون هناك فرقاء اجتماعيون واقتصاديون، وأن يكون الحوار في إطار التدبير التشاركي مع الحكومة في هذه المرحلة أي أن هناك التزامات أخذناها على عاتقنا من بينها رفع الحد الأدنى للمعاشات إلى 1500 درهم (167 دولارا)، وهناك كذلك توجه نحو تحسين الحد الأدنى للأجر، ولكن ذلك في إطار اتفاق مع أصحاب المقاولات، وكذلك النقابات، والعمل على وضع نسبة من الناتج الداخلي الإجمالي من أجل تمويل هذا الحوار الاجتماعي في إطار إمكانات الدولة، وأن يتم ترتيب الأولويات مع النقابات ومع أصحاب العمل.

* السلم الاجتماعي له تكلفة مالية لها وطأتها على موازنة الدولة، والملاحظ أن الموازنة تعاني من عجز واضح. فكيف ستوفقون بين السلم الاجتماعي وتمويل عجز الموازنة؟

- التوجه هو أن ننخرط في إطار دينامية إيجابية. بيد أننا لا يمكننا إرضاء جميع المطالب النقابية اليوم، ولكن في إطار الحوار، وفي إطار التعاقد والتبادل أي الالتزامات المتبادلة بين الحكومة والنقابات، سنصل إن شاء الله إلى برمجة تلك العمليات انطلاقا من الواقع المالي للمالية العمومية، من جهة، وكذلك ضرورة اتخاذ التدابير الإيجابية لفائدة العاملين المغاربة.

* في سياق تمويل العجز هل هناك إمكانية للخروج للسوق الدولية كما حدث عام 2010 حين اقترض المغرب مليار يورو من الخارج؟

- الإمكانات كلها مفتوحة. وما يمكن أن نقوله اليوم هو أن الإمكانات عديدة ومتوفرة بالنسبة لبلادنا بفضل التطور الديمقراطي الذي عرفته، وبفضل الاستقرار الذي تنعم فيه، وبفضل كذلك التوجه الواضح بالنسبة لهذه الحكومة، وخير دليل على ذلك هو أن البنك الأوروبي للتنمية مستعد للانخراط لأول مرة في المغرب وتمويل المشاريع فيه، بعد اتفاقية دوفيل، هناك كذلك البنك الأوروبي للاستثمار، الذي هو مستعد أيضا لأن يرفع نسبة استثماراته في بلادنا، وهناك البنك الدولي الذي هو مستعد بدوره لأن يرفع من حجم القروض التي تعطى لبلادنا، وهناك بالطبع الدول الخليجية التي قدمت مبلغ 2.5 مليار دولار إلى المغرب. إذن هناك إمكانات متعددة لتمويل برامجنا، ولكن ما هو أساسي هو أننا ننخرط في إطار وضع قانون خاص لما يسمى «الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص»، هذه الشراكة مفادها أنها ستمكن من تمويل العديد من الاستثمارات العمومية من طرف القطاع الخاص، وفي نفس الوقت سنعمل على تفعيل الصندوق السيادي الذي وضعناه بالنسبة لميدان السياحة أو ميادين أخرى. فمع قطر تم توقيع اتفاقية في هذا المجال من شأنها أن تمول مشاريع استثمارية مهمة بالنسبة لتنمية بلادنا.

* بالنسبة للخوصصة هل من جديد للمضي قدما في تخصيص بعض القطاعات خاصة أنه كانت هناك نية لتخصيص نسبة 4 في المائة من حصة المغرب في اتصالات المغرب. فهل ستمضون في هذا الاتجاه؟

- نحن ندرس هذا التوجه بالنسبة للخوصصة. وينبغي التذكير أن المغرب تجاوز منطق الخوصصة فنحن نوجد الآن في إطار فتح رساميل مؤسسات عمومية أكثر من خوصصتها، وأنت تكلمت عن «اتصالات المغرب»، وهي سوف تنخرط في هذا الإطار أي فتح رأسمالها أكثر أمام القطاع الخاص. فهناك دراسة نقوم بها على صعيد هذه الحكومة الجديدة من أجل أن يكون لنا موقف في المستقبل بشأن هذا المجال، وهذه بالطبع من الإمكانات المتاحة بالنسبة لتمويل المالية العمومية.

* الحكومة الحالية لديها برنامج طموح لكن تواجهها إكراهات كثيرة ضمنها تأخر التساقطات المطرية وقلتها، وتأثير ذلك على الموسم الفلاحي، وارتفاع أسعار النفط، واستنزافها لصندوق المقاصة، وتراجع احتياطات العملة الصعبة، إلى جانب وجود تراجع في قطاع السياحة ووجود عجز في الميزان التجاري، وعجز في الموازنة بنسبة 30 في المائة، إضافة إلى شبح تراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة. إلى أي مدى أخذت الموازنة الجديدة هذه الإكراهات بعين الاعتبار، وما هي التدابير المزمع تنفيذها للالتفاف على هذه الإكراهات؟

- صحيح أن هناك إكراهات كثيرة ولكن هناك أيضا فرص كثيرة متاحة بالنسبة لبلادنا. وما هو أساسي في هذه المرحلة هو أن هناك ثقة في التطور الديمقراطي الذي عرفته بلادنا، وبالتالي ينبغي أن نعمل وسنعمل جادين من أجل ترجمة تلك الثقة إلى ثقة في الاقتصاد، وفي إمكانية مواجهة تلك التحديات، واليوم يمكن القول، في هذا الصدد، إن هذه الحكومة تشتغل على وضع برنامج عمل قصير المدى بتدابير واضحة المعالم من شأنها أن تترجم الأبعاد التي جاء بها هذا البرنامج، وقانون المالية لسنة 2012 يتضمن بعض التدابير الجديدة التي من شأنها أن تبرهن للمواطنين أولا، وللمجتمع الدولي ثانيا، على وجود نية حقيقية لدى هذه الحكومة لتحسين الحكامة الحقيقية في بلادنا، وكذلك المضي في البعد الاجتماعي وتكريسه وتقويته ولكن في نفس الوقت تحرير الطاقات وضمان مناخ للاستثمارات قادر على إعطاء دفعة جديدة للنمو ولتطوير الاستثمارات، ومن ثم تحسين معدلات النمو وتقليص البطالة.

* كثر الحديث مؤخرا في المغرب عن المصارف الإسلامية.هل نعتبر سنة 2012 هي سنة الترخيص لهذه المصارف؟

- هنالك تجارب بالنسبة للمغرب في هذا المجال من خلال المنتوجات المصرفية البديلة، والتي عرفت بعض النجاحات وبعض الإخفاقات، ونعمل هذه السنة على تقييم تلك التجربة، وعلى وضع الإطار القانوني الذي سيمكن البنوك الإسلامية من الولوج إلى الأسواق المغربية.

* تعيش البورصة المغربية منذ سنتين حالة من الجمود والركود فهل من مخطط لإنعاشها؟

- أولا، لدينا مشروع مهم جدا هو مشروع القطب المالي للدار البيضاء «كازا فايننس سيتي» لديه هدف أساسي هو أن يكون قطبا جهويا للرساميل الأفريقية والعربية، وفي هذا الإطار نعمل اليوم على وضع روزنامة من القوانين التي من شأنها أن تحفز وتطور الآليات الممكنة في مجال البورصة. وفي مجال أسواق الرساميل، والضخ من خلال ذلك حركية جديدة من شأنها أن تعطي نفسا جديدا للبورصة، ونعمل كذلك على وضع قانون وإمكانية خاصة لتمويل المقاولات الصغرى والمتوسطة حتى تطور فاعليتها، وتتمكن أيضا من تمويل أنشطتها.