مصر: البطالة تبحث عن حل بين «الميدان» و«البرلمان»

ارتفعت نسبتها إلى 12.4% واختلاف على احتوائها بإعانة شهرية

TT

في مثل هذا الشهر من العام الماضي، وبينما يحتفي الشباب المصريون في قلب ميدان التحرير بإسقاط نظام الحكم ورحيل الرئيس السابق حسني مبارك؛ انزوت مجموعة منهم لتأسيس «حركة لكل العاطلين» كأول حركة مصرية تحارب البطالة، بعد أن أظهر تقرير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في آخر إحصائية له وقتها ارتفاع نسبة البطالة في الربع الرابع من عام 2010 (الأشهر الأخيرة للنظام السابق) إلى 8.9%.

وفيما تظهر حاليا آخر تقارير الجهاز ارتفاع نسبة البطالة إلى 12.4% من قوة العمل، ووصول عدد العاطلين إلى 3.1 مليون متعطل، يقول منسق الحركة الشاب خالد الهواري، من داخل خيمة الحركة بميدان التحرير، حيث يعتصم هو وعشرات من شباب الحركة منذ ذكرى الثورة يوم 25 يناير (كانون الثاني) الماضي: «نحن هنا لنعبر عن ظلم مجتمعنا للعاطلين، لأن مطالبنا في العمل لم تنفذ، رغم كافة الوعود التي أخذناها من المسؤولين طوال عام مضى». تهدف الحركة، التي تضم ما يقرب من 14 ألف شاب، وبجدول زمني واضح لتعيين المتعطلين، وتطبيق قانون العمل على القطاع الخاص، وتخفيض سن المعاش إلى 55 عاما.

ويشكك خالد، 29 عاما، وهو حاصل على بكالوريوس الإعلام من إحدى الجامعات الخاصة بالقاهرة، في نسب البطالة المعلنة، مبينا أنه بمجرد إعلان وزارة المالية قبل 10 أشهر عن تلقي طلبات الراغبين في العمل، انهال عليها 7 ملايين طلب، مستنكرا «كيف تعلن الحكومة اليوم أن نسبة العاطلين أقل من نصف هذا العدد؟!».

نفس الأمر، يلفت إليه الدكتور إيهاب الدسوقي، أستاذ الاقتصاد بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية، والذي يشكك في النسبة المعلنة كما كان الحال في ظل النظام السابق. ورغم ارتفاعها عن ذي قبل، فإنه يوضح لـ«الشرق الأوسط»: «معدل البطالة الحالي لا علاقة له بالنظام السابق أو الحالي، ففي الواقع سياسات النظام السابق مستمرة وتطبق، كما أنه في ظل مرحلة انتقالية ونتيجة الاضطرابات فمن الطبيعي أن يرتفع معدل البطالة، ولا سبيل لانخفاضه إلا بعد انتهاء هذه المرحلة».

في خيمة العاطلين؛ يلخص عدد من الشباب تواجدهم بها بالقول: «نحن هنا من جميع محافظات مصر بعد أن فشلنا في الحصول على عمل، قابلنا أحد أعضاء المجلس العسكري وأعطانا وعودا لم تنفذ، اعتصمنا أمام وزارة الاستثمار ولم يتحرك أحد لنجدتنا، قابلنا الدكتور كمال الجنزوري رئيس الحكومة الحالي 3 مرات ثم التقينا مستشاريه، ولم يحدث تغيير».

على بعد أمتار قليلة من الخيمة؛ أفرد البرلمان المصري إحدى جلساته الأخيرة لمناقشة مشكلة البطالة، معتبرا إياها بمثابة «القنبلة الموقوتة» التي لم يلتفت لها النظام السابق، حيث حذر النواب من أن مشكلة البطالة في مصر هي المسؤولة عن ظاهرة البلطجة وزيادة مستوى الفقر (وصلت نسبة الفقر إلى 25.2% من السكان مطلع العام الحالي).

ويتهم نواب بالبرلمان الحكومة المصرية في أنها تتعامل بطريقة قديمة مع مشكلة البطالة، وأن «أيديها مرتعشة وقراراتها متخبطة» تجاه ذلك. فيما يرى آخرون أنه لو نجح مجلس الشعب والحكومة في حل مشكلة البطالة «تكون الثورة قد نجحت بالفعل»، فيما أوصى البرلمان لحل مشكلة البطالة بصرف إعانة بطالة شهريا للعاطلين بواقع 200 جنيه (نحو 34 دولارا)، وتطبيق الحد الأقصى للأجور، ودعم المشروعات كثيفة العمالة.

ويبين خالد أن «إعانة البطالة» تعد وسيلة مشروعة إذا لم تتواجد الوظيفة، معتقدا أنها «ورقة جيدة للضغط على الحكومة». وتدرس وزارة التأمينات الاجتماعية إمكانية تطبيق هذه الإعانة، باعتبارها حقا مكفولا بنص القانون ولم يفعل، وتعهدت وزيرة التأمينات الاجتماعية، الدكتورة نجوى خليل، بتقدير الإعانة فور تحسن الأداء الاقتصادي.

لكن الدكتور إيهاب الدسوقي يبين أن ما يثار حاليا حول صرف إعانة بطالة لن يجدي في الوقت الحالي، فقط يمكن تحقيقه مستقبلا وفي مرحلة متأخرة، فهذه الإعانة يمكن إقراراها في ظل الاقتصاد الحر، وتحقق النمو الاقتصادي، «فمع زيادة معدلات الاستثمار والموارد سيؤدي ذلك إلى زيادة نسبة التشغيل وتقليل نسبة العاطلين، وهنا يمكن صرف هذه البطالة للأعداد القليلة التي لا تعمل وقتئذ».

يتفق خالد وزملاؤه بالحركة على أن حل مشكلة البطالة إذا تم، فسوف يحسب للثورة التي كان شعارها (عيش، حرية، عدالة اجتماعية)، والبطالة برأيهم أهم قضية في العدالة الاجتماعية، لكنهم يتأسفون لكون هذه العدالة قد تم اختزالها حاليا في مفهوم تطبيق الحد الأدنى والحد الأقصى للأجور. ويتساءل خالد: «لكن ماذا عن الذين ليس لديهم وظيفة؟».

ويعود أستاذ الاقتصاد للحديث مبينا أن خفض معدلات البطالة يكمن في وسيلة واحدة هي زيادة معدلات الاستثمار في البلاد، وحشد كافة السبل لتحقيق ذلك. وبرأيه أن هناك قدرة على حل مشكلة البطالة عند التحول لدولة ديمقراطية عنها في دولة ديكتاتورية، فالقضاء على الفساد بمختلف أشكاله من شأنه أن يزيد من معدلات الاستثمار، ما يؤدي إلى زيادة فرص التشغيل وبالتالي انخفاض معدلات البطالة.