سندات الرهن العقاري تستعيد قوتها

على الرغم من أنها كانت أحد أسباب الأزمة المالية العالمية

جانب من بورصة نيويورك (رويترز)
TT

يحقق بعض مستثمري «وول ستريت» أرباحا عندما ازدهرت سوق الرهن العقارية، وحقق آخرون الأرباح عندما انهارت. ويلحق غريغ ليبمان، النجم السابق في عالم التداول في مصرف «دويتشيه بنك»، بعد أن حقق مكاسب هائلة في الحالتين، خلال التحسن الاقتصادي المقبل، حيث يشتري الأوراق المالية التي تعتمد على الرهون العقارية التي راهن عليها في السابق خلال الأزمة المالية. وينضم إلى لبيمان مستثمرون بارزون آخرون، منها صناديق استثمارية مثل «فيديليتي»، وكذلك صناديق تحوط، ليركبوا موجة الاهتمام بالأوراق المالية المضمونة بالرهن العقاري، التي كانت من الأسباب التي أدت إلى انهيار النظام المالي تقريبا.

عنصر الجذب هو السعر، حيث تكون أسعار سندات الرهن العقاري منخفضة، مما يمكن المستثمرين من تحقيق أرباح حتى في أسوأ الأحوال عندما تنخفض الأسعار بنسبة 10 في المائة وترتفع نسبة مصادرة العقارات. وأوضح ليبمان، الذي تمتلئ محفظته الاستثمارية بالكثير من الأوراق المالية المضمونة بالرهن العقاري، في خطاب موجه إلى المستثمرين مؤخرا: «بالنظر إلى الأداء الضعيف خلال عام 2011، نعتقد أن سعر المنتج أكثر انخفاضا من أي وقت مضى».

ومن منظور أكثر شمولية، يدعم التعافي الأولي لسندات الرهن العقاري وجهة النظر التي تقول باحتمال تراجع مجال الإسكان إلى أدنى مستوياته. وتزداد مبيعات المنازل الموجودة. ووصلت السلطات الفيدرالية وسلطات الولاية إلى تسوية قدرها 26 مليار دولار مع المصارف الكبرى التي من المنتظر أن تساعد في تخفيف حدة أزمة الرهن العقاري. واستطاع مصرف الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك بيع سندات رهن عقاري تقدر بمليارات الدولارات، في إطار خطة الإنقاذ المالي.

قال كينيث تاوبوس، رئيس الاستثمارات الأميركية في مؤسسة «بايونير إنفيستمينتز» التي تعمل في مجال الاستثمارات العالمية وصاحبة تلك الأوراق المالية: «هناك نور في نهاية النفق. ستكون أزمة الرهن العقاري وراء ظهورنا قريبا وستعود الأمور إلى سابق عهدها إلى حد ما».

انعكس هذا التفاؤل من عام 2006 إلى عام 2007 عندما أخبر ليبمان وآخرون المستثمرين بأن فقاعة الإسكان في طريقها إلى الانفجار. أصبح ليبمان معروفا في «وول ستريت» بـ«الرجل الفقاعة»، وارتدى أحد المتداولين قميصا رياضيا يحمل عبارة ساخرة «لقد بعت أسهم منزلك التي اقترضتها».

سجل ماكيل لويس استغلال ليبمان في كتابه الذي كان أكثر الكتب مبيعا «البيع الكبير للأسهم المقترضة» «The Big Short»، حيث ألصق به صفة البذاءة والصلف. وكان يُعرف باحتفاظه بجدول بيانات عن السوشي، حيث يسجل أفضل المطاعم اليابانية في مانهاتن من حيث الجو العام بها والجودة والسعر. ويرى العاملون في هذا المجال أن وجود ليبمان، الذي يدير «ليبرماكس كابيتال» هذه الأيام أكثر مرحا، حيث يتبنى نظرة إيجابية تجاه السوق ويخبر المستثمرين بأن صندوقه سيحد من حذره من انهيار السوق المحتمل. ورفض المتحدث الرسمي باسمه التعليق بناء على رغبته.

ويتفاءل آخرون بارتفاع الأسعار في هذا المجال، وهو ما شجعهم على ضخ المال بشراء أوراق مالية مضمونة برهن عقاري. وازداد التداول خلا الأسابيع القليلة الماضية، وارتفعت الأسعار بنسبة تزيد على 15 في المائة منذ بداية عام 2012 بعد انخفاض نسبته تزيد على 40 في المائة العام الماضي.

وقال جاسراج فايديا، المخطط الاستراتيجي في «باركليز كالبيتال»: «هناك الكثير من الأرباح التي يمكن تحقيقها بفضل ارتفاع العائدات. يبدو أن جزء كبيرا منها قد ظهر الآن». مع ذلك، يمكن أن تنقلب الآية ويبتعد المستثمرون. وتمثل أوروبا أكبر المخاطر، حيث لا تزال المصارف الأوروبية تمتلك قدرا كبيرا من سندات الرهن العقاري الأميركية، ومن الممكن أن تشهد السوق فوضى في حال إجبارهم على بيع تلك الأصول.

وتمثل واشنطن علامة استفهام أيضا، فإذا كان على المصارف دفع ثمن قروض منحتها تحت ظروف مشبوهة، سيحظى المستثمرون، الذين بمقدورهم الحصول على أقساط رهن عقاري بشكل كامل على هيئة أوراق مالية اشتروها بسعر منخفض، بفرصة ذهبية، لكن إذا كان أصحاب المنازل، التي تعد قيمتها أقل من سندات الرهن العقاري، يستطيعون خفض مبلغ القرض بشكل كبير، يمكن أن يُضر مستثمري السندات لانخفاض قيمة ما يحملونه من سندات عن المبلغ الذي دفعوه لشرائها.

ويقول جيفري غاندلاك، مؤسس شركة «دوبل لاين كابيتال»، التي تعمل في مجال شراء سندات الرهن العقاري منذ عام 2008: «بصفتي مديرا للمال، لا يمكنني تجاهل هذا الاحتمال. من الخطر الاعتقاد أننا بمنأى عن المخاطر هذه المرة وأن الأسعار لن تنخفض مرة أخرى. وقدم البعض هذا الطرح العام الماضي».

وتختلف سوق سندات الرهن العقاري كثيرا عما كانت عليه قبل الأزمة المالية، فهي أقل، حيث تم إصدار قدر ضئيل منذ حدوث الأزمة. ويعد حجم السوق نفسه، الذي يبلغ 1.3 تريليون دولار، نصف الحجم الذي كان عليه في أوج ازدهاره ويقدر حجم انكماشه شهريا بـ10 مليار دولار.

رغم الطلب المحدود، يستمر انخفاض الأسعار نتيجة صعوبة تقييم الأصول. وتستخدم صناديق التحوط وكبار المستثمرين أنظمة حاسوبية في تحليل القروض وتقدير عدد المقترضين المحتمل تعثرهم في السداد، والمبالغ المالية التي يمكن استعادتها في حال مصادرة العقارات مثل «جيه بي إيه إل تي 2006 - إس 1 - 1 إيه 11» من قروض «ألت إيه» أو الرهون العقارية، الذي تطلب القليل من الوثائق التي تثبت دخل المقترضين.

تبدو الأرقام غير مشجعة، حيث تأخر 21 في المائة من أصحاب المنازل في تسديد الأقساط لمدة تزيد على الستين يوما من بين 799 عقارا مرهونا يدعم السند، وكثير منهم في كاليفورنيا وفلوريدا.

* خدمة «نيويورك تايمز»