دراسة دولية: 3 مخاطر تواجه شركات البتروكماويات الخليجية خلال الفترة المقبلة

«بوز أند كومباني» تدعو الشركات إلى تطوير قدرات جديدة لتحقيق النمو في الاقتصادات الإقليمية

يجب على الشركات الخليجية أن تجري تقييما لمكامن قوتها الحالية مع تحديد المجالات التي يمكن أن تحقق تحسينات فورية («الشرق الأوسط»)
TT

قالت دراسة حديثة صدرت مؤخرا إن على شركات البتروكيماويات الخليجية تطوير قدرات جديدة، وذلك في سبيل تحقيق النمو، حيث إن ذلك سيكون أمرا أساسيا بالنسبة إلى مساهمتها المستمرة في الاقتصادات الإقليمية.

وأشار التقرير الصادر من شركة «بوز أند كومباني» العالمية إلى أن شركات البتروكيماويات في دول مجلس التعاون الخليجي حققت خلال العقدين الماضيين نموا سمح لها بالتحول إلى شركات فاعلة على الصعيد العالمي. وأشارت إلى أن ذلك يعود بدرجة كبيرة إلى وصولها المتميز إلى الغاز الطبيعي – المادة الأولية التي تشكل قاعدة الكثير من إجراءات تصنيع البتروكيماويات - غير أن بلدان مجلس التعاون الخليجي تستخدم المزيد من الغاز الطبيعي وتواجه نقصا في الغاز، مما يحتم على شركات البتروكيماويات الانتقال إلى مواد أولية مختلفة لا توفر أفضلية التكلفة عينها. وفي الوقت نفسه تعطي تطورات المواد الأولية في سائر أنحاء العالم ميزة تنافسية للمنافسين العالميين للشركات الخليجية.

ولفتت في دراسة عنونت بـ«العثور على المستقبل في البتروكيماويات» إلى أن التوجهات الثلاثة الحاصلة في الكثير من الأماكن حول العالم من الممكن أن تضر بالموقع التنافسي القوي للشركات الخليجية خلال السنوات المقبلة، حيث يتمثل التوجه الأول في أن الارتفاع السريع في إنتاج الغاز الصخري الأميركي الشمالي – الذي يستخرج فيه الغاز الطبيعي من الصخور – سيعطي أفضلية لشركات البتروكيماويات الأميركية.

وأكد أندرو هورنكاسل نائب الرئيس في شركة «بوز أند كومباني» أنه رغم أن الولايات المتحدة قد أنتجت غازا صخريا بكميات صغيرة في أوائل تسعينات القرن العشرين، فقد ارتفع الإنتاج بشكل كبير خلال السنوات الخمس الماضية، وسوف يستمر على الأرجح في النمو بوتيرة سريعة خلال العقد المقبل، بفضل التقدم التقني والهياكل التجارية التي تتطلب من الشركات أن تطور بفعالية مصادرها من أجل المحافظة على مستوياتها الحالية. ونتيجة لذلك، يمكن أن تشهد الولايات المتحدة ارتفاعا في المواد الأولية للإيثان وإنتاج الإيثيلين بنسبة 45% بحلول سنة 2025.

وأضاف هورنكاسل: «أظهرت سوق الغاز الصخري في الولايات المتحدة قدرة كبيرة، حيث إن عددا من الشركات مثل (داو) و(أكسيدنتال بتروليوم) و(شيل) و«شيفرون فيليبس كيميكال» تبني مشاريع بتروكيماويات على مقربة من أحواض الغاز الصخري. وفي حال نجاح قدرة الغاز الطبيعي، في إمكان الشركات الأميركية أن تقدم ميزة تنافسية قد تستمر لعقود عدة».

وأشار إلى أن التوجه الثاني يتمثل في أن انبعاث قوتين مربكتين محتملتين من الصين، الأولى هي تحديد احتياطات غاز صخري كبيرة، دفعت الكثير من الشركات الصينية إلى التشارك مع شركات نفط عالمية خلال الأعوام الأخيرة من أجل استكشاف الغاز الصخري واحتمال إنتاجه، وأضاف: «غير أن الشركات الصينية ما زالت تواجه عقبات تكنولوجية وتنظيمية تعوق الإنتاج السريع للغاز الصخري».

وأكد أن التهديد الأقرب يمكن أن يأتي من الطموحات الكبيرة للصين في تطوير الفحم الحجري كمواد أولية للبتروكيماويات من خلال تقنية تحويل الفحم الحجري إلى وقود سائل، ومن خلال دمج الوقع المحتمل للغاز الصخري وتقنية تحويل الفحم الحجري إلى وقود سائل، تشكل سوق المواد الأولية الصينية مصدر التغيير المحتمل الأكبر، ليس فقط لدول مجلس التعاون الخليجي، وإنما لسوق البتروكيماويات العالمية برمتها. ولفت نائب الرئيس في «بوز أند كومباني» إلى أن السيناريو الأكثر تفاؤلا يفترض أن هذين التطورين قد يضيفان نحو 30% إلى قدرة المواد الأولية للصين في المدى القصير إلى المتوسط، غير أن هذه التقديرات تتوقف على عدد من العوامل، مثل توفر المياه الملائمة لإنتاج الغاز الصخري والتحديات التكنولوجية ونسبة الإيثان في الغاز الصخري، في حين يبرز التوجه الثالث في أن العراق يبرز كمصدر جديد محتمل للمواد الأولية، بما أن قطاع النفط والغاز في البلاد يشهد تطبيق برنامج إعادة تطوير شامل.

وتسعى الحكومة الآن إلى الاستفادة من احتياطاتها الكبيرة من الغاز، وهي متلائمة مع الفاعلين الكبار كالمملكة العربية السعودية وفنزويلا. ويعتبر الغاز الطبيعي العراقي غنيا بالإيثان، لكنّ شكوكا كبيرة تحوم حول الإنتاج، مما يصعب من عملية توقع نمو إنتاج الإيثان وقدرة الإيثيلين، وقال: «غير أننا نعتقد أن للعراق القدرة على رفع قدرة الإيثيلين بشكل كبير بحلول سنة 2025».

ولفت التقرير إلى أن التحولات العالمية هذه تشكل تهديدا ماديا للفاعلين في دول مجلس التعاون الخليجي، وقد يؤدي هذا إلى مواد أولية بأسعار أكثر تنافسية وإلى قدرة بتروكيماوية جديدة في جميع الأسواق الثلاث، أي الولايات المتحدة والصين والعراق.

وأضاف: «يمكن أن تؤدي زيادات القدرة من هذه المصادر الثلاثة في نهاية المطاف إلى فائض في العرض، فتحل المواد الأولية الجديدة على الأرجح مكان المصادر القديمة مثل رقائق النافتا الفرعية في أوروبا وآسيا، مما يخرج الفاعلين التقليديين من السوق»، مشيرا إلى أن ذلك يأتي في وقت من المحتمل أن ترتفع فيه تكلفة إنتاج البتروكيماويات في الشرق الأوسط نتيجة الانتقال إلى المواد الأولية السائلة، فإن مزايا التكلفة وهوامش الأرباح التي تمتعت بها شركات البتروكيماويات في الشرق الأوسط خلال العقود القليلة الماضية يمكن أن تتراجع بشكل هامشي.

وقال آشيش ساستري مدير أول في «بوز أند كومباني»: «في حال توصل قطاع الطاقة في الصين إلى وسائل أكثر فعالية لاستخراج الغاز الصخري، فسوف تخلف احتياطاتها الكبيرة أثرا كبيرا في السوق، ويجب أن يحتاط المنتجون في الشرق الأوسط لرهاناتهم، عبر المحافظة على موقع قوي في السوق في الصين والتحلي بمرونة كافية للتفاعل مع تغييرات الوضع».

وتابع: «أخيرا، يمكن أن تزيد التحولات الهيكلية للمواد الأولية في السوق الأميركية الناشئة عن الغاز الصخري من الفارق بين أسعار البروبيلين من المواد الأولية - المستخدم في كل شيء من التجهيز إلى صناعة النسيج - والإيثيلين الفرعي، وتزيد أسعار الإيثيلين الأدنى ذات هوامش الأرباح الأكثر جاذبية على إنتاج البروبيلين من احتمال منافسة المنتجين في أميركا الشمالية للشركات الخليجية عبر التوسع إلى سلسلة قيمة البروبيلين».

وأكد التقرير إلى أنه على الرغم من أن هذه التوجهات تشكل تهديدا للفاعلين في دول مجلس التعاون الخليجي، فهي أيضا توفر فرصا، لكن الاعتماد على هذه الفرص يحتم على الشركات فهم المصادر المحتملة للنمو والقدرات التي سيكون عليها تطويرها.

وبيّن أن الاستثمار في مشاريع بتروكيماوية في أميركا الشمالية على أساس تطورات الغاز الصخري يتطلب تعزيز الكثير من القدرات الأساسية التي يمتلكها الفاعلون في قطاع البتروكيماويات في دول مجلس التعاون الخليجي أصلا، أي القوة المالية، والقدرة على إنتاج كميات كبيرة من الكيماويات الأساسية بفاعلية وكفاءة، وعلاقات قوية مع المؤسسات الأخرى، وسلسلة تزويد وشبكة توزيع يمكن الاستفادة منها للتزود من الموردين وتقديم الخدمات للعملاء في مناطق عدة. بالإضافة إلى ذلك، سوف يتعين على الفاعلين في دول مجلس التعاون الخليجي تكييف قدراتها لناحية إقامة مشاريع كبيرة وتتطلب رساميل كبيرة بطريقة فعالة لناحية التكلفة وملائمة في التوقيت.

وأكد أن توسيع قطاع العمليات النهائية إلى كيماويات الأداء والمتخصصة يتضمن توسيع محفظة المنتجات الحالية بعيدا عن الكيماويات الأساسية نحو المنتجات النهائية مثل التغليف المرن والعبوات واللدائن الحرارية. وللنجاح في ذلك سيتعين على الفاعلين في قطاع البتروكيماويات تنويع نماذج العمل بما يعكس مختلف مواقع السوق وسلاسل القيمة لكل فئة من فئات العملاء. وسوف يكون على أي شركة تسعى إلى التوسع إلى كيماويات الأداء أو الكيماويات المتخصصة بناء قدرة ابتكار لحماية هوامش الأرباح على منتجاتها الأكثر تخصصا، مع فهم أفضل لنماذج العمل لتقديم الخدمات لعملاء الاستخدام النهائي.

وقال ساستري: «دمج القطاع ضمن دول مجلس التعاون الخليجي وبناء الحجم، هذا هو الخيار الاستراتيجي الأكثر تعقيدا، وسوف يشمل جميع القدرات المؤسسية، أي القوة المالية، والشراكة والتكامل، والمعالجة الفعالة للكيماويات الأساسية، وسلسلة تزويد وشبكة توزيع قويتين، والقدرة على إقامة مشاريع تتطلب رساميل كبيرة بطريقة فعالة وملائمة في التوقيت، فضلا عن ابتكار قوي وفهم شامل لنماذج عمل الموردين والعملاء واحتياجاتهم. والأهم من ذلك أنه على هذه الشركات أن تكون قادرة على إدارة المواقع المتكاملة في أسواق العملاء لحشد الجهود بفعالية».

ولفت التقرير أن للفاعلين الخليجيين في قطاع البتروكيماويات بعض الخيارات الواضحة لمواجهة هذه التهديدات التنافسية، من خلال عدد من الخيارات الاستراتيجية في قطاعي العمليات الأساسية والعمليات النهائية عبر سلسلة التزويد، غير أن كل خيار يتطلب مجموعة محددة من القدرات الضمنية. فرغم امتلاك الكثير من الشركات بعضا من هذه القدرات في الوقت الراهن ضمن إطار العمليات، فسيكون من الضروري تعزيزها.

وتابع: «قد لا تتوفر قدرات أخرى ضمن المؤسسة إطلاقا، مما يتطلب من الشركات تنفيذها بالكامل من الأساس. ونظرا إلى هذه التغييرات الضرورية فمن الأهمية بمكان أن تحدد الشركات أفضل تلاؤم بين نقاط قوتها الحالية ومتطلبات القدرة المستقبلية لكل خيار استراتيجي».

وذهب التقرير إلى أن الشركات لا تستطيع خوض هذه المعركة على جميع الجبهات، بل يجب أن تجري تقييما فعليا لمكامن قوتها الحالية، مع تحديد المجالات التي يمكنها فيها أن تحقق أكثر التحسينات فورية وأكبرها، ومن ثم اختيار الإجابة الاستراتيجية التي تؤمن أفضل تلاؤم.