«السحابة» التي تلبد سماء «أبل» المتلألئة

عهدت لمؤسسة خارجية بمهمة فحص ظروف العمل في مصانعها

بهو متجر «أبل» في الصين (أ.ب)
TT

استجابة لاحتجاجات متزايدة بشأن ظروف العمل في مصانعها الخارجية، صرحت شركة «أبل» مؤخرا بأن مؤسسة خارجية قد بدأت في فحص ظروف العمل في مصانعها، حيث يتم تصنيع معظم أجهزة الـ«آي فون» والـ«آي باد» وغيرهما من منتجات شركة «أبل» الأخرى، وأن تلك المؤسسة ستحيط الجمهور علما بالنتائج التي ستتوصل إليها.

وبحسب تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» أعده تشارلز دوهيغ ونيك وينغفيلد، فإنه على مدار أعوام عارضت شركة «أبل» مطالب بالفحص المستقل لموردين يقومون بتصنيع الأجهزة الإلكترونية. لكنها للمرة الأول بدأت في الكشف عن معلومات كانت تعدها سرية من قبل، بعد انتقادات شملت احتجاجات منسقة اندلعت الأسبوع الماضي أمام مقار متاجر «أبل» بمختلف أنحاء العالم، وورود تقارير إخبارية استقصائية حول ظروف عمل قاسية داخل بعض مصانع الشركة.

والشهر الماضي، كشفت «أبل» عن أسماء 156 موردا من مجمل مورديها. وبعد أسبوعين، بعث الرئيس التنفيذي للشركة برسالة بريد إلكتروني إلى موظفيها البالغ عددهم 65.000 موظف يدافع فيها عن سجل التصنيع الخاص بشركة «أبل»، مع التعهد في الوقت نفسه بـ«التعمق في فحص سلسلة الإمداد». وفي الوقت الحالي، طلبت الشركة من مؤسسة خارجية غير هادفة للربح، تمول بشكل جزئي من قبل شركات مشاركة مثل «أبل»، تحديد مصانع معينة تكتشف فيها انتهاكات بحق العاملين.

ويقول محللو شركات إن التغييرات التي تجريها «أبل» قد تستحث على اتخاذ تغييرات واسعة النطاق على مستوى صناعة الإلكترونيات، إذ إن كثيرا من الشركات تستعين بالموردين أنفسهم. وذكروا أيضا أنه بدا من المنتظر عما قريب إمكانية توقع نوع مشكلات العلاقات العامة بشأن شؤون تتعلق بالعمالة والتي أثرت في عقود سابقة على شركات مثل «نايك» و«غاب» و«ديزني». «هذه صفقة كبيرة بحق»، قالت ساشا بمجموعة «إناف بروجكت»، وهي مجموعة ينصب تركيزها على مساءلة الشركات. وأضافت «الصناعة بأكملها يتعين عليها أن تحذو حذو أبل».

إلا أنه ليس من الواضح ما إذا كانت جهود «أبل»، التي تعتبر قيمتها السوقية المقدرة بـ469 مليون دولار أكبر قيمة لأي شركة في العالم، ستعتبر كافية للتخفيف من حدة غضب منتقديها، الذين قد حث البعض منهم «أبل» على العمل مع مؤسسات رقابة صينية لديها معلومات مباشرة عن مورديها في الصين، أم لا.

وعلى الرغم من أن بعض النقابات العمالية أثنت على البيان الذي أدلت به «أبل» يوم الاثنين الماضي، ذكرت نقابات أخرى أن جهة الرقابة الخارجية التي وقع اختيار «أبل» عليها، وهي «فير ليبور أسوسييشن»، التي تتخذ من واشنطن مقرا لها، لم تكن تتمتع بالقدر الكافي من الاستقلالية. وتساءل بعض المنتقدين عما إذا كانت عمليات الفحص – قالت «أبل» إن المصنعين قد اتفقوا على القيام بها طواعية – ستحد من المشكلات بشكل ملحوظ أم ستساعد شركة «أبل» فقط في تفادي الانتقادات.

«مؤسسة (فير ليبور أسوسييشن) هي جزء من صناعة المسؤولية الاجتماعية للشركات المعلنة بشكل كامل»، قالت جودي غيرهارت، المدير التنفيذي لـ«إنترناشيونال ليبور رايتس فورام»، وهي مجموعة تأييد خاصة بالعمال. وأضافت «لقد ثبت كون عملية الفحص ضعيفة، وتحتاج عملية الوصول لحلول حقيقية لما هو أكثر من مجرد الفحص. فهي تتطلب تمكين العمال».

وقالت شركة «أبل»، في بيان لها، إن «فير ليبور أسوسييشن» كانت مؤسسة مستقلة تم منحها «إمكانية وصول غير مقيدة» لموردي الشركة. وذكرت «أبل» أن أولى عمليات الفحص قد أجريت يوم الاثنين بمصنع كائن في شنتشن بالصين، والذي يحمل اسم «فوكس كون سيتي»، وهو أحد أكبر المصانع في الصين. وقد أشار المدافعون عن حقوق الإنسان منذ وقت طويل إلى أن موظفي مصنع «فوكس كون سيتي» البالغ عددهم 230.000 موظف يعملون لساعات طويلة ويجبرون على العمل لساعات إضافية، كما يخضعون لظروف عمل قاسية، وكلها ادعاءات تشكك إدارة مصنع «فوكس كون» في صحتها. وقد أشارت شركة «أبل» إلى أنه ما لم تلتزم الشركات التي تقوم بتصنيع منتجاتها بمعايير العمالة وحقوق الإنسان التي حددتها، فستوقف العمل معها.

«لدينا نظام مراقبة مستقل يتمتع بدرجة كبيرة من المصداقية»، هذا ما قاله جورج بيريز لوبيز، المدير التنفيذي لمؤسسة «فير ليبور أسوسييشن». وأضاف «نعم (نايك) ضمن جدول عملنا، كما هو الحال بالنسبة لشركات أخرى. لكن ذلك هو الحال بالمثل بالنسبة لجامعاتنا. ويكتب تقاريرنا أفراد من فريق العمل، من دون مشورة أو الخضوع لأي تأثير».

ومنذ عام 2007، نشرت «أبل» تقارير المراجعة السنوية الخاصة بها والتي تعرض تفصيليا الانتهاكات ضد العاملين وظروف العمل غير الآمنة بمصانع مورديها. وقد انتهكت أكثر من نصف المنشآت التي تخضع لرقابة من قبل شركة «أبل» سنويا جانبا واحدا على الأقل من جوانب قواعد السلوك المهني لموردي الشركة، وفي بعض الحالات، انتهكت قانون عمل.

وقد عثر المراقبون على حالات عمل لساعات إضافية بشكل مفرط ولعاملين دون السن القانونية وسجلات عن الفضلات الخطيرة التي يتم التخلص منها بشكل غير ملائم وسجلات ملفقة، بحسب تقارير الشركة. وقبل عامين، تعرض 137 عاملا بإحدى الشركات الموردة لشركة «أبل» في شرق الصين لإصابة، بعد أن طلب منهم استخدام مادة كيميائية سامة لتنظيف شاشات أجهزة «الآي فون». والعام الماضي، أودى انفجاران وقعا في مصانع «آي باد» بحياة أربعة أفراد وتسببا في إصابة 77 شخصا.

وكانت ظروف العمل لدى موردي شركة «أبل» موضوع مقالات نشرتها الشهر الماضي صحيفة «نيويورك تايمز». ونظرا لأن الكشف عن المشكلات بشكل عام لا يحدد هوية الموردين بالأسماء، فإنه من الصعب تحديد مواضع حدوث انتهاكات معينة. كذلك، من الصعب تحديد ما إذا كانت الظروف قد تحسنت بعد أن طالبت شركة «أبل» بتغييرات، على حد قول الشركة، أم لا. وقد كشفت الشركة عن قليل من المعلومات عن عملية التصنيع التي تقوم بها في المجمل، على الأقل جزئيا، بسبب عدم رغبتها في تقديم معلومات مساعدة لمنافسيها.

على سبيل المثال، نشرت مجموعات تأييد صينية - والتي عادة ما تعتبر جهات رقابية مستقلة موثوقا بها - عددا من التقارير تشير فيها إلى أن موظفي «فوكس كون» عادة ما يعملون لأكثر من 12 ساعة يوميا، طوال أيام الأسبوع، وهو ما يمثل خرقا لكل من القانون الصيني وقواعد السلوك المهني الخاصة بشركة «أبل». وقد فحصت شركة «أبل» تقارير مصنع «فوكس كون سيتي» عدة مرات، وصرح «فوكس كون»، في بيان أرسله لصحيفة «نيويورك تايمز» بأنه لم يرد ذكر اسمه من قبل شركة «أبل» بوصفه أحد المصانع التي تخضع موظفيها لظروف عمل شاقة.

وإذا كانت «فير ليبور أسوسييشن» تجري عمليات مراجعة واسعة النطاق وتنشر البيانات المتعلقة بمنشآت معينة، فربما يحول ذلك الانتباه الموجه لأسوأ الشركات أداء، وفي مثال مصنع «فوكس كون سيتي»، فإنه قد يساعد في تحديد ما إذا كان مصنع «فوكس كون»، أو مجموعات التأييد، يكشفون عن حقائق أم لا.

«المشكلة بالنسبة لمؤسسة (فير ليبور أسوسييشن) أنها تعتمد على القواعد التي تحددها الشركات نفسها»، هذا ما قاله ليزهنيف بمشروع «إناف بروجكت». وأضاف «الشفافية الحقيقية ستحدث تحولا في صناعة الإلكترونيات. لكنها مجرد محاولة تعتيم. لست متأكدا من حجم التغيير الذي سيحدث».

وقالت «أبل» في بيانها إنه من المرجح أن يتم نشر نتائج مجموعة «فير ليبور أسوسييشن» والتوصيات من أولى عمليات الفحص التي قامت بها على الإنترنت في بداية شهر مارس