ألمانيا: اقتصاد محلي ضعيف تعرقله القيود

رغم اعتبارها نموذجا عالميا للازدهار

شهد الاقتصاد الألماني تحديات كبيرة ولكنه أظهر صمودا معتبرا خلال حكم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل («الشرق الأوسط»)
TT

ربما يكون تورستن إميل قد بدا مثل بائع زهور بريء؛ شخص لطيف ذي لحية ومئزر، يقص جذوع عشب الفريزيا. في حقيقة الأمر، كان على وشك أن ينتهك القانون.

كانت جريمة إميل أنه وضع لوحة إعلانية على الرصيف أمام متجره يعلن فيها عن أنه سيفتح أبوابه من الساعة التاسعة صباحا حتى الرابعة مساء. كان هذا يوم الاحتفال بعيد الأم. غير أن أحد مفتشي المدينة لاحظ الإعلان وحذر إميل من أنه من غير القانوني أن يبقي محله مفتوحا على مدار هذه الفترة الطويلة في يوم أحد. وأمره بإغلاق متجره في ساعة مبكرة وإلا ستفرض عليه غرامة.

كان هذا درسا في مدى معاناة الاقتصاد الألماني، على الرغم من قطاعه الصناعي المزدهر، من بعض اللوائح والقيود الصارمة التي ترتبط في المعتاد بالدول الأوروبية الأكثر تعثرا.

«في أيام الإجازات والمناسبات، لا أعتقد أنه يجب أن يراقب أحد الوقت بشكل دقيق»، هذا ما قاله إميل الأسبوع الماضي، بعد أشهر صعبة تكبد فيها خسائر في المبيعات.

تشتهر ألمانيا بشكل خاص بسيارات «بورشه» و«بي إم دبليو» التي يتهافت عليها المشترون الأثرياء من مختلف أنحاء العالم، إلى جانب معظم الأجهزة التي تشغل المصانع من الصين إلى ميتشغان بالولايات المتحدة.

على الرغم من ذلك، فإنه في ما وراء قوة الصادرات الضخمة، يقبع اقتصاد آخر أضعف يعمل بأقل من قدراته ويعرقل ليس فقط ألمانيا، بل بقية دول أوروبا، على حد قول بعض الاقتصاديين.

يخضع الاقتصاد لقيود صارمة، تهدف لإقصاء المطلعين على بواطن الأمور من المنافسة وتعتبر معوقة بدرجة كبيرة للتغيير. وبينما تحفز المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، دولا مثل إسبانيا وإيطاليا واليونان على زيادة المنافسة، تظهر على الاقتصاد الألماني بعض العيوب نفسها التي تصم اقتصادات تلك الدول، من بينها الوظائف المحمية وقوانين تقسيم المناطق التي تحابي الشركات والمؤسسات القائمة على تلك المنشأة حديثا.

«ألمانيا لديها ما يمكن أن أطلق عليه اقتصادا مزدوجا»، قال أندرياس وورغوتر، اقتصادي رفيع بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في باريس.. «من ناحية؛ لدينا قطاع التصدير غير المدعوم الذي يتسم بالديناميكية العالية وروح الابتكار والتنافسية الشديد»، هكذا قال. وأضاف: «ومن ناحية أخرى، هناك قطاع خدمات أقل إبهارا يعتمد على معوقات الدخول والإعانات المالية، لا على التطوير والبحث عن أنشطة جديدة».

أشرف وورغوتر على تقرير أصدرته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الأسبوع الماضي الذي ارتقى إلى مستوى تحذير موجه للقادة الألمان بعدم الخنوع والاستسلام. وعلى الرغم من أن الاقتصاد الألماني قد نما بنسبة 3 في المائة العام الماضي، فإنه من المنتظر أن ينمو بنسبة 0.6 في المائة فقط هذا العام، وبنسبة 1.9 في المائة عام 2013، بحسب توقع لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

وفي يوم الأربعاء، أشار استطلاع رأي لمديري مشتريات أجرته شركة الأبحاث «ماركت»، وهي شركة تعتبر مؤشرا لاتجاه العمل يخضع لرقابة مشددة، إلى أن قطاع التصنيع الألماني يتقدم ببطء. وفي نهاية عام 2011، تراجع الاقتصاد الألماني، رابع أكبر الاقتصادات في العالم، للمرة الأولى منذ عام 2009. ولم يكن الهبوط في الربع الرابع من العام، الذي بلغت نسبته 0.2 في المائة، سيئا مثلما هو متوقع، وربما يكون قد عاد لينمو مجددا. غير أن معظم الاقتصاديين لا يتوقعون أن ينمو الاقتصاد سريعا في وقت قريب.

يمكن لألمانيا أن تضيف نسبة تقدر بنحو 10 في المائة إلى معدل النمو خلال العقد المقبل، إذا ما ذللت عقبات التنافس وتخلصت من غيرها من مواطن الضعف الأخرى، بحسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. ومن المثير للدهشة أن الإمكانات غير المستغلة في ألمانيا تعتبر في حجم الإمكانات نفسه التي تتمتع بها إيطاليا وأكبر من حجم تلك التي تتمتع بها إسبانيا، بحسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وهي إشارة إلى أن الاقتصاد المحلي الألماني ليس متفوقا على اقتصادات دول الجوار الجنوبية، مثلما يفترض في المعتاد.

كان الفائض التجاري الضخم لألمانيا، الذي يربو على 145 مليار يورو في أول 11 شهرا من عام 2011، يمثل بشكل جزئي نوعا من التقدير لمصدرين مثل «سيمنز» و«بورشه» و«دايملر». لكنه عكس أيضا معدل الإنفاق الضعيف من جانب المستهلكين والشركات والمؤسسات على الواردات. لو كانت ألمانيا قد نمت قطاعها الخدمي، لكان بإمكانها أن تشتري مزيدا من المنتجات من شركاء تجاريين يرزحون تحت نير أزمات مستحكمة، مثل اليونان أو إسبانيا، اللتين ترتبط مشكلات الديون فيهما ارتباطا وثيقا بالعجز التجاري طويل الأمد. وبحسب هذا الرأي، كان سيتحقق المكسب لجميع الأطراف.

كانت ألمانيا ستصبح أقل عرضة للتقلبات الاقتصادية التي تعاني منها أسواق رئيسية مثل أميركا والصين، بحسب أولف إم شنايدر، الرئيس التنفيذي لشركة «فريسينياس»، شركة خدمات الرعاية الصحية الألمانية، التي تعتبر أكبر مزود في العالم لمنتجات وخدمات غسل الكلى والكلى الصناعية. وقال شنايدر إنه يخشى من اعتماد ألمانيا على صناعة السيارات.. «لو كان هناك اقتصاد محلي أكثر مرونة، لكان بإمكانه أن يخفف من حدة الأزمات بدرجة بسيطة»، قال شنايدر.

عادة ما تتسم معوقات تنظيم المشروعات الريادية في ألمانيا بالغموض، لكنها تعمل مجتمعة حجر عثرة يقف في طريق توفير الوظائف ودفع عجلة الاستثمار.

على سبيل المثال، بعد عامين من تقديم وعود برفع القيود عن النقل المحلي، ما زالت خدمة الحافلات التي تسير لمسافات بعيدة وتربط بين المدن محظورة فعليا في ألمانيا. لقد أمن الحظر الذي فرض منذ عقود شركة السكك الحديدية الحكومية «دويتشه بان».

«إنه أمر محبط»، قال مايكل سفيديك، مدير العمليات بشركة «دويتشه تورينغ»، شركة الحافلات الكائنة في فرانكفورت التي تقدم خدمات مباشرة لمدن مثل إسطنبول أو بلغراد بصربيا، لكن لا يزال غير مسموح لها بتشغيل خطوط محلية تصل إلى ميونيخ، على سبيل المثال.

لقد بدأت تشريعات تهدف إلى فتح السوق تتسلل إلى البرلمان الألماني. قال سفيديك: «لن يحدث الكثير قبل نهاية العام».