القطريون.. أكبر مستثمرين شرق أوسطيين في مجال اللوحات الفنية

يشترون ربع مشتريات المنطقة البالغة 11 مليار دولار

لوحة الرسام بول سيزان الشهيرة « لاعبا الورق» ، تعد أغلى لوحة في العالم حيث بلغت قيمتها 250 مليون دولار
TT

وسط الجهود التي تبذلها قطر لكي تصبح مركزا ثقافيا مرموقا، من خلال تنظيم معارض لكبار الفنانين والتخطيط لافتتاح ما يقرب من 12 معرضا جديدا خلال الأشهر الست القادمة، يقول المحللون إن أعدادا متزايدة من هواة الاقتناء القطريين قد أصبحوا مستثمرين رئيسيين في مجال اللوحات الفنية.

وقد أصبحت قطر نفسها أكبر مشترٍ في العالم في سوق الفنون، بحسب «جريدة الفنون» الدولية المتخصصة في الموضوعات والقضايا الفنية.

ويميل المسؤولون القطريون إلى التكتم على أي معلومات بخصوص ما يتم شراؤه من أعمال فنية، لكن خبراء الفنون يقولون إن من بين الصفقات الكبرى التي تمت في السنوات القليلة الماضية كانت شراء لوحة الرسام مارك روثكو «المركز الأبيض»، التي كانت مملوكة لديفيد روكفيلر، في صالة مزادات «سوذبي» مقابل 72.8 مليون دولار، وإحدى لوحات بول سيزان، وهي تحمل اسم «لاعبو البطاقات»، التي يقال، دون تأكيد لصحة الخبر، إنها بيعت في صفقة خاصة العام الماضي دفع فيها رقم قياسي يصل إلى 250 مليون دولار.

ويشكل المشترون القطريون 25% من إجمالي سوق الأعمال الفنية في الشرق الأوسط، التي يصل حجمها إلى 11 مليار دولار، طبقا لحسابات أجراها فيليب هوفمان، الرئيس التنفيذي لشركة «فاين آرت فاند غروب»، وهي شركة في لندن متخصصة في الإدارة والاستشارات للاستثمار الفني، وتتولى الشركة إدارة صندوق استثماري للفنون يضم عملاء لديهم أصول قابلة للاستثمار بحد أدنى 3 ملايين دولار. وقد أصبح هذا الصندوق متاحا أمام العملاء في الشرق الأوسط منذ العام الماضي من خلال اتفاق شراكة مع «بنك الإمارات دبي الوطني». وقد دخل الصندوق في سوق الأعمال الفنية في الشرق الأوسط، التي يرى هوفمان أنها مؤهلة لمضاعفة حجمها ثلاث مرات خلال السنوات الخمس القادمة، بل وزيادة نصيبها في سوق الأعمال الفنية العالمية التي يصل حجمها إلى 3 تريليونات دولار.

وقال هوفمان في اتصال هاتفي: «قطر واضحة في رغبتها في الحصول على تشكيلة فنية ليس لها مثيل، وهي تدرك أنها إذا أرادت الحصول على قطع فنية مذهلة مثل لوحة سيزان فإن عليها أن تدفع ذلك الرقم الخرافي الذي وصل إلى 250 مليون دولار، وهم لديهم القدرة على دفعه. إن مشتريات كهذه ستصبح معيارا لتسعير الأعمال الفنية بالغة الندرة».

وقد أنشأ كل من «جي بي مورغان تشيس» و«دويتشه بنك» أيضا صناديق استثمار للفنون في المنطقة، حتى لا يفوتا على نفسيهما فرص الاستفادة من هذه السوق الآخذة في الازدهار.

ويشير تقرير ثروات العالم 2011، الصادر عن «ميريل لينش» و«كابجيميني»، إلى أن الأثرياء الذين يمكنهم اللعب بمبلغ مليون دولار أو أكثر يتجهون بصورة متزايدة إلى تنمية رؤوس الأموال وتنويع المخاطر عن طريق وضع أموالهم في «استثمارات في الهوايات»، مثل الأعمال الفنية.

ويقول التقرير إن 22% من الاستثمارات في الهوايات ذهب إلى الأعمال الفنية، وذكر 42% من المستشارين الماليين الذين تم استطلاع رأيهم أن «العملاء الذين يمتلكون صافي ثروة مرتفعا يستثمرون في الأعمال الفنية في الأساس لما تتضمنه من فرص ارتفاع القيمة».

وقد بدأت صالات المزادات تشعر بالمردود، فمنذ أن أنشأت صالة مزادات «كريستيز» مكتبا لها في دبي سنة 2005، شهدت قاعدة عملائها نموا يتراوح ما بين 22% إلى 25% سنويا، ومنهم هواة اقتناء جدد من قطر، بحسب إيزابيل دو لا برويير، مديرة «كريستيز الشرق الأوسط»، التي قالت أيضا إن 60% من هؤلاء العملاء الجدد يشاركون في المزادات التي تنظمها «كريستيز» العالمية.

وذكرت في حوار أجري معها في مقر «كريستيز» بمركز دبي المالي العالمي: «هذا يعني أنهم ليسوا مجرد مشترين لمرة واحدة، فقد بدأوا في شراء الأعمال الفنية من المنطقة التي يعيشون فيها ثم انطلقوا خارجها، وهذا مهم في إيجاد سوق مستدامة للأعمال الفنية».

وتعتبر الاستدامة في غاية الأهمية بالنسبة للتطور المستمر الذي تشهده مكانة قطر الفنية، التي نمت بصورة كبيرة خلال السنوات الثلاث الماضية.

وتقوم المعارض التي تنظم حاليا في متاحف الدوحة باجتذاب عروض للكثير من كبار الفنانين إلى الشرق الأوسط لأول مرة، بدءا من الأعمال المتميزة للفنان الياباني الشهير تاكاشي موراكامي وحتى التماثيل الرائعة للفنانة الفرنسية الراحلة لويز بورجوا.

وفي حوار هاتفي صرح جان بول إنجيلين، مدير برامج الفن العامة بهيئة متاحف قطر، قائلا: «قطر تعيش نهضة كبيرة. لدينا حاليا ثلاثة معارض دولية كبرى، وهو أمر نادر الحدوث في الشرق الأوسط. والخطوة التالية هي استضافة فنانين محليين».

وذكر إنجيلين، الذي سبق له العمل في صالة «كريستيز» بلندن لمدة 16 عاما قبل أن ينتقل إلى الدوحة العام الماضي: «قطر لديها رؤية محددة، وهي أن تصبح أحد رواد الفنون في العالم».

ومن جانبها كشفت أنتونيا كارفر، مديرة المعارض بـ«آرت دبي»، عن وجود التزام بدعم فناني المنطقة بالإضافة إلى تكوين مجموعات منتقاة من الأعمال الشهيرة لفنانين عالميين مرموقين، وأضافت أن الشيخ حسن بن محمد بن علي، مؤسس «المتحف العربي للفن الحديث» بالدوحة، ظل لسنوات يدعم الفنانين ويساندهم ويوفر لهم «المقرات» قبل أن يصبحوا معروفين في هذه المنطقة من العالم.

وذكرت كارفر في تصريح لها عبر البريد الإلكتروني: «أصبحت أنباء سيزان وداميان هيرست تملأ مانشيتات الصحف، ولكن لعل هذه الأشكال الأكثر محلية من الدعم - مثل رعاية الشيخ حسن للفنانين العراقيين لعقود طويلة - هي ما له مغزى خاص في المنطقة».

ومن أجل توفير المشورة بشأن تأسيس وجود فني لقطر على المدى البعيد، تم استقدام فريق دولي من هواة اقتناء الأعمال الفنية، مثل إدوارد دولمان، رئيس «كريستيز» سابقا، إلى الدوحة للمساعدة في إدارة الاستثمارات ومشروعات المتاحف لحساب العائلة المالكة.

ويقول ويليام لوري، الشريك في «غاليري لوري شبيبي» في دبي: «العائلة الحاكمة القطرية تشبه كثيرا أن تكون صورة معاصرة من آل ميديتشي في فلورنسا في القرن السادس عشر، فما تفعله هي وهيئة متاحف قطر هو جمع الفن بمختلف فروعه وتكوين مشهد فني غاية في الروعة».

ويضيف: «قطر تبتعد كثيرا في طليعة السرب، ليس في ما يتعلق بشراء الأعمال الفنية والاحتفاظ بها فحسب، بل أيضا في استعارة الأعمال الفنية من هواة الاقتناء في جميع أنحاء العالم. إنهم يجعلون منها نقطة انطلاق لغزو المشهد الفني العالمي».

وفي ظل هذه الخطة الطموحة، ليس من المفاجئ أن تصبح قطر، عبر هيئة المتاحف واستثمارات العائلة الحاكمة في الأساس، من أكبر مشتري الأعمال الفنية في العالم.

ويختم هوفمان، الرئيس التنفيذي لشركة «فاين آرت فاند غروب»، قائلا: «المزيد من أفضل لوحات العالم سيتجه إلى قطر خلال السنوات الثلاث المقبلة»، مضيفا أن السعودية والإمارات هما الآخران لديهما إمكانية كبيرة في أن تصبحا عضوين مؤثرين في سوق الأعمال الفنية.

* خدمة «نيويورك تايمز»