«فيس بوك».. مزايا وأعباء بيانات «جيش» المستخدمين

وصل عددهم إلى 845 مليون مستخدم

سيدة من الهنود الحمر تتصفح حسابها على «فيس بوك» في أحد مقاهي عاصمة بوليفيا لاباز (رويترز)
TT

يا لها من مشكلة محيرة تواجهها «فيس بوك»، فمن ناحية كونها أكبر شبكة تواصل اجتماعي في العالم، تتعرض «فيس بوك» لرقابة بالغة من المستهلكين والمحاكم والجهات التنظيمية في جميع أنحاء العالم إزاء كيفية تعاملها مع البيانات التي تجمعها من قاعدة مستخدميها، والذين وصلوا إلى 845 مليون مستخدم. ولكن كشركة تستعد لطرح أسهمها للاكتتاب العام، تقع تحت ضغط البحث عن سبل جديدة لتحويل تلك البيانات إلى أرباح.

وتبلغ الرقابة مداها في القارة العجوز. ففي آيرلندا، حيث مركز الشركة الرئيسي في أوروبا، طلبت السلطات التنظيمية بالفعل أن يتاح للمستخدمين مزيد من التحكم في المعلومات الخاصة بهم. وهناك قانون مقترح تطبيقه على مستوى أوروبا يذهب أبعد من ذلك بكثير، يلزم «فيس بوك»، وكذلك كل شركات الإنترنت الأخرى، بحذف كل صغيرة وكبيرة من البيانات الشخصية للمستخدم بناء على طلبه.

وفي الولايات المتحدة، تواجه «فيس بوك» رقابة حكومية لمدة 20 سنة قادمة فيما يتعلق بكيفية جمعها ومشاركتها للبيانات، إلى جانب تشكيلة من الدعاوى القضائية التي تتهم الشركة بتعقب المستخدمين عبر الإنترنت. وقد دخل البيت الأبيض ذاته طرفا في النزاع الأسبوع الماضي بمطالبته بأن تفسح شركات الإنترنت للمستخدمين بمزيد من الحرية في كيفية استخدام بياناتهم الشخصية.

لم تكن «فيس بوك» هي الشركة الوحيدة التي تتعامل مع هذه المشكلات، لكنها مستهدفة بشكل خاص لأن النموذج التجاري نفسه الذي تقوم عليه يعتمد على سيل المعلومات التي يتبادلها مستخدموه طواعية. يقول غي تريفور هيوز، محام ورئيس الجمعية الدولية للعاملين في مجال حماية الخصوصية: «نحن نمر بأوقات عصيبة ولا يمكن التنبؤ بها في مجال اللوائح والتنظيمات المتعلقة بسياسة الخصوصية. نحن أمام سلطات تنظيمية ترى أن هناك شيئا لا بد من إدارته بشكل أفضل، ولكن من دون أن توفر الأدوات لذلك».

والنتيجة هي سحابة من الحيرة تلف «فيس بوك»، التي يتوقع أن تطرح أسهمها للاكتتاب العام الربيع المقبل. ومن بين المخاطر التي تكتنف هذا الطرح العام للأسهم الذي تعتزم «فيس بوك» إجراءه احتمال حدوث «تغييرات معاكسة في منتجاتنا تفرضها علينا التشريعات أو السلطات التنظيمية أو الأحكام القضائية، ومنها التسويات أو أحكام التراضي».

لكن هذا الطرح ذاته يبين مدى ما تتمتع به «فيس بوك» من نجاح على صعيد الأرباح، وكذلك مسار النمو في إيرادات الإعلانات الذي يتعين عليها أن تعززه. وفي محاولة لخطب ود شارع «وكالات الإعلان»، تنظم «فيس بوك» الأربعاء المقبل حدثا ليوم كامل في مدينة نيويورك دعت إليه العاملين في مجال التسويق، ويتوقع أن تقدم فيه أدوات جديدة للإعلان منها طرق للوصول إلى ما أصبح الآن يعتبر سوقا غير مستغلة، وهي قاعدة مستخدمي «فيس بوك» عبر الأجهزة المحمولة، والذين يصل عددهم إلى 425 مليون مستخدم.

والواقع أن أكبر إنجازات «فيس بوك» تمثل في الوقت ذاته مصدرا لأكبر تحد تواجهه، فقد أقنعت مستخدميها بأن يتبادلوا طواعية قدرا كبيرا من المعلومات عن أنفسهم، من التعريف بأنفسهم وعنوانهم إلى هواياتهم المفضلة، بل وحتى شكل أطفالهم، وكل هذه البيانات تجعل من «فيس بوك» قاعدة إعلانية فريدة من نوعها. فيستطيع المعلنون صياغة رسائل عبر «فيس بوك» على أساس العوامل الديموغرافية مثل السن والنوع وعلى أساس تفضيلات المستخدمين وانتماءاتهم. فإذا نقر مستخدم «فيس بوك» زر «أعجبني» الخاص بسلسلة متاجر معينة مثلا، فإن اسمه، وأحيانا صورته، يمكن أن يظهر كجزء من إعلان لتلك السلسلة على صفحات «فيس بوك» الخاصة بأصدقائه. ونفس الشيء يمكن أن يحدث حين يفتح المستخدم موقعا إخباريا متصلا بـ«فيس بوك» أو يشغل أغنية من أحد المواقع الترفيهية الكثيرة التي تقيم شراكة مع «فيس بوك»، وإن كان المستخدم يستطيع تعديل الإعدادات الخاصة به بحيث يمنع «فيس بوك» من استخدام تلك المعلومات كوسيلة للإعلان.

هذا الكم الهائل والمتنوع من البيانات هو أكبر الأصول التي تمتلكها «فيس بوك»، حيث يتيح للشركة سبل ابتكار كثيرة فيما يتعلق بالإعلانات وعقود الرعاية.

تقول ريبيكا ليب، محللة في مجال الإعلانات على الإنترنت بشركة الأبحاث «ألتيميتر غروب»: «(فيس بوك) لديها بالفعل بيانات أكثر مما يريدون. هناك ما لا حصر له من الطرق لتحليل البيانات الموجودة لدى (فيس بوك) حاليا بدرجة لا يمكن تخيلها».

وتضيف ليب أن تحليل البيانات من أجل خدمة الإعلانات أمر غير مضمون «فهي لم تعد تجذب الناس، ولا بد أن تتوافر فيها فعالية التكلفة وأن يسهل نسبيا إجراؤها في حدود المعقول».

وتصف ليب «فيس بوك» كأحد أكبر المنافذ في تاريخ الدعاية والإعلان. فطبقا لدراسة نشرتها الأسبوع الماضي شركة الأبحاث «إي ماركيتر»، تتمتع «فيس بوك» بأكبر حصة من إعلانات العرض على الإنترنت، وإن كانت «غوغل»، التي لديها منافذ إعلانية أكثر بكثير، منها الأجهزة المحمولة وصفحات البحث، تحقق 10 أضعاف تقريبا من الإعلانات. وقد سجلت شركة «فيس بوك» إيرادات بلغت 3.7 مليار دولار في 2011، بزيادة قدرها 88 في المائة عن العام السابق. وطبقا لمستندات الطرح، فقد أعلنت «فيس بوك» أرباحا بلغت مليار دولار العام الماضي، جاء معظمها من الإعلانات. يقول نات إيليوت، محلل لدى شركة «فوريستر ريسيرش»، إن «فيس بوك» كانت بعيدة عن استغلال إمكانياتها كمنصة إعلانية، فكان بإمكانها استخدام البيانات الخاصة بالمستخدمين لمساعدتهم مثلا في الإعلان على مواقع الإنترنت الأخرى وليس على موقعها فقط، وكان يمكنها أيضا تصميم «نظام أكثر ذكاء» على حد تعبيره لتوصيل المعلنين إلى المستهلك الصحيح.

يقول إيليوت: «هناك طرق لتوصيل رسائل تسويقية بصورة غير ملحوظة. ليس من الضروري أن تطرق على رأس أحد وتقول له: هذا يعجب أصدقاءك، لذا نرى أنه سيعجبك».

ويضيف أن «فيس بوك» يمكنها «تغيير الطريقة التي يسير بها التسويق عبر الإنترنت».

ورفضت «فيس بوك» الكشف عن الأساليب الإعلانية التي تنوي تقديمها في الحدث الذي تنظمه الأربعاء المقبل، ولكن أيا كان ما ستكشف عنه، فعليها أن تضع في اعتبارها الجهات التنظيمية حول العالم.

وهناك قيود مفروضة بالفعل على «فيس بوك» في أوروبا، ففي اتفاق وقعته الشركة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي مع الوكالة الحكومية لحماية البيانات في آيرلندا، تعهدت الشركة بتعديل موقع «فيس بوك» بما يلائم المستخدمين في أنحاء القارة الأوروبية، وتعهدت أيضا من ضمن جملة أمور بتوضيح كيفية توظيف بيانات المستخدمين في عرض الإعلانات والاحتفاظ ببيانات المستخدم التي تسجل عن طريق النقر على الإعلانات لفترة لا تزيد على عامين.

وقد حدث صدام بين الجهات التنظيمية في ألمانيا و«فيس بوك» بخصوص الشركات التي تستخدم زر «أعجبني» في الأغراض الإعلانية، وكذلك بخصوص بعض المزايا المتعلقة بالصور. ويثير القانون المقترح لحماية البيانات في أوروبا قلقا أكبر بكثير، حيث سيفرض على جميع شركات الإنترنت أن تراعي ما يسمى حق المستهلك الذي يسمى «الحق في أن تنسى»، وذلك بحذف بيانات الشخص بناء على طلبه. كما سيلزم المواقع مثل «فيس بوك» بأن تحصل على موافقة صريحة من المستخدم على كل معلومة تقوم باستخدامها. وفي الرد الكتابي التي أرسلته «فيس بوك» إلى المفوضية الأوروبية، ذكرت أن طلب هذه الموافقة باستمرار سيزعج المستخدمين، وقالت: «سيحدث قدر كبير من الإحباط بين المستخدمين إذا طلب منهم بشكل متكرر الموافقة على شيء هم يعرفونه جيدا».

وحذرت «فيس بوك» المشرعين الأوروبيين من أن كثرة الضوابط ستؤثر على قدرة الشركة وغيرها من الشركات على النمو في أوروبا، قائلة إنه «يوجد احتمال بأن تؤدي تلك البيئة التي تفتح الباب لكثير من الدعاوى القضائية إلى إعاقة تطوير خدمات مبتكرة يمكن أن تحقق فائدة حقيقية للمواطنين الأوروبيين».

وهناك قاعدة مطبقة في أوروبا يستحيل تنفيذها بالفعل، وهي تنص على ضرورة إبداء المستهلكين لموافقتهم في كل مرة يتم فيها استخدام أداة من أدوات التتبع المعروفة باسم «كوكيز» من قبل أحد المواقع. وحتى مواقع الحكومات الأوروبية لم تستطع الوفاء بهذا الشرط. الولايات المتحدة أيضا بها قدر كبير من الرقابة، حيث رفعت دعوى قضائية في كاليفورنيا تتهم «فيس بوك» باستخدام خيارات المستخدمين من خلال زر «أعجبني» في الإعلانات من دون موافقتهم. وقالت دعوى أخرى، إن الشركة تجاهلت تحذيرات من المستخدمين الذين قالوا إن «فيس بوك» تستمر في تتبع أنشطة المستخدمين على الإنترنت حتى بعد قيامهم بتسجيل الخروج من الشبكة الاجتماعية. وتواجه الشركة دعاوى مماثلة من كثير من المستخدمين في ولايات متفرقة.

* خدمة «نيويورك تايمز»