تسويات بين الاقتصادات الأوروبية الكبرى للحفاظ على المعاهدة المالية الجديدة

عواصم أخرى تثير القلق بشأن جدوى خطط الإصلاح والتقشف

مناقشات الاجتماعات الأوروبية تلقي بظلالها دائما على العملة الموحدة (رويترز)
TT

جرى التوصل إلى اتفاق بين قادة الاقتصادات الكبرى في الاتحاد الأوروبي على مقاطعة مرشح للرئاسة في فرنسا، هدد بإعادة النظرة في الاتفاق المالي الأوروبي الأخير، الذي جرى التوقيع عليه خلال قمة بروكسل الجمعة الماضية. وبعد ساعات قليلة من اختتام أعمال القمة الأوروبية، والتي شهدت التوقيع على المعاهدة المالية الجديدة التي من شأنها أن تساهم في منع تكرار أزمة الديون السيادية، التي تواجهها حاليا دول في منطقة اليورو، صدرت تصريحات ومواقف من فعاليات أوروبية ودولية أعادت القلق من جديد حول جدوى طرق الإصلاح المالي والاقتصادي في الاتحاد الأوروبي، وخاصة في منطقة اليورو. فقد هدد الرئيس النمساوي هاينز فيشر بتأخير التوقيع على الخطة التقشفية الخماسية التي وضعتها الحكومة الائتلافية. وحذر صندوق النقد الدولي، من أن اقتصاد أيرلندا يواجه الآن تحديات أكبر من وقت إعداد حزمة المساعدات الدولية، التي أقرت أواخر عام 2010، بسبب تباطؤ النمو الأوروبي، بينما أعلن رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي أن حكومته ستعمل على خفض العجز في الموازنة العامة لعام 2012 إلى 5.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي فقط، بدلا من 4.4 في المائة المقررة في وقت سابق. واتفقت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مع رؤساء الحكومات المحافظين، على الامتناع عن استقبال المرشح الاشتراكي للرئاسة الفرنسية، فرانسوا هولاند، خلال الحملة الانتخابية. وذكرت مجلة «دير شبيغل» الألمانية أن الاتفاق اقتصر في البداية على ميركل ورئيس الحكومة الإسبانية، ماريانو راخوي، ورئيس الوزراء الإيطالي، ماريو مونتي، ثم شمل بعد ذلك رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون. ووفقا للمجلة، فإن تصريحات هولاند بأنه في حال فوزه سيعيد النظر في المعاهدة المالية لدول الاتحاد الأوروبي، تثير قلق القادة المحافظين. وتكمن فكرة اتفاق القادة المحافظين على تجنب لقاءات مع هولاند يمكن أن تفسر على أن الهدف منها هو تقديم الدعم له. وعلى الرغم من أن بريطانيا لم تنضم للمعاهدة المالية، فإن كاميرون يرغب في استمرار الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في السلطة، وهو ما دفعه إلى التحالف مع القادة الثلاثة الآخرين. يشار إلى أن الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في فرنسا ستجرى في 22 أبريل (نيسان) المقبل، بينما ستجرى الإعادة في السادس من مايو (أيار). وفي بروكسل أكدت المفوضية الأوروبية أن موقفها لم يتغير بعد إعلان رئيس الحكومة الإسبانية ماريانو راخوي أن هدف عجز موازنة بلاده سيتخطى المحدد من قبل بروكسل، موضحة لمدريد أن تحقيق هذه الأهداف يعد «أمرا جوهريا لتعزيز الثقة». وذكر المتحدث باسم المفوضية للشؤون الاقتصادية اماديو التافاج، أن «تحقيق أهداف التعزيز في الدول التي تعاني من عجز الموازنة مثل إسبانيا كان وسيظل أحد أعمدة تعامل الاتحاد الأوروبي مع الأزمة». وشدد: «هذا يعد أمرا جوهريا لتعزيز الثقة». وقال: «موقف المفوضية لم يتغير مثلما أكد رئيسها جوزيه مانويل باروزو مؤخرا». وذكر باروزو الخميس الماضي أنه لا يتوقع خفض هدف تقليل العجز حتى تقدم مدريد مشروع موازنتها لعام 2012 وتعطي مزيدا من التفاصيل حول عجز الموازنة في عام 2011. واعتمد مجلس الوزراء الإسباني في وقت سابق برنامج الاقتصاد الكلي للدولة للعام المالي الحالي وسقف الإنفاق الذي سيتم من خلاله إعداد الموازنات العامة للدولة لعام 2012 والتي سيتم تقديمها في 30 مارس (آذار) المقبل. وأعلن رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي أن حكومته ستعمل على خفض العجز في الموازنة العامة لعام 2012 إلى 5.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي فقط بدلا من 4.4 في المائة المقررة في وقت سابق. ونقل التلفزيون الإسباني الرسمي عن راخوي قوله في مؤتمر صحافي على هامش قمة قادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل الأخيرة أن ذلك لا ينتهك ميثاق الاستقرار والنمو الخاص بالاتحاد الأوروبي لأن الهدف الأساسي هو خفض العجز إلى نسبة ثلاثة في المائة بحلول نهاية عام 2013. وأوضح أن ذلك لن يؤثر على الملاءة الاقتصادية الإسبانية أو قدرة بلاده على تمويل نفسها في الأسواق الدولية لأن الحكومة الإسبانية اتخذت جميع الإجراءات التقشفية الممكنة لخفض النفقات العامة والحد من العجز العام وتحفيز نمو الاقتصاد الإسباني وتوفير وظائف عمل جديدة. وكان العجز في الموازنة العامة الإسبانية قد بلغ 8.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد عام 2011 مما يمثل زيادة كبيرة مقارنة بنسبة ستة في المائة المحددة من قبل الحكومة الاشتراكية السابقة وذلك بعد أن كان قد بلغ 9.2 في المائة عام 2010. وفي فيينا نقلت تقارير إعلامية أوروبية عن الرئيس النمساوي تصريحات جاء فيها أنه لن يلتزم بالمدة الزمنية القصيرة التي حددتها له الحكومة للتوقيع على هذه الخطة. يذكر أن الخطة التقشفية للحكومة لن تصبح نافذة المفعول إلا بعد موافقة البرلمان والمصادقة عليها من قبل الرئيس كما تنص على ذلك أحكام الدستور النمساوي. وبرر فيشر موقفه في رسالة رسمية بعث بها إلى المستشار فرنر فايمن بأنه لن يوقع على هذه الخطة إلا بعد دراستها بشكل دقيق ومعمق وبعد الرجوع إلى مستشاريه في القانون الدستوري مع العلم أن الرئيس فيشر نفسه خبير في القانون الدستوري وترأس البرلمان لمدة عشر سنوات. ويسعى الرئيس النمساوي وراء تأجيل موعد التوقيع على الاتفاقية للتأكد مما إذا كان مشروع الحكومة لا يتعارض مع القانون كما يتطلب ومثلما أشار الرئيس فيشر في رسالته إلى الحاجة لمتسع من الوقت وليس كما كانت تتوقع الحكومة. وأكد فيشر في رسالته التي نشرتها وسائل الإعلام، أنه طوال عمله السياسي والرسمي لا يتخذ قرارات ولا يوافق على مشاريع إلا بعد التمحيص وهذا لن يتم في وقت قصير كما هو الحال بالنسبة للخطة التقشفية. ولا يتوقع المراقبون أن تدخل الخطة التقشفية حيز التنفيذ الفعلي إلا في شهر أبريل المقبل أو ربما بعده. يذكر أن هذه هي المرة الأولى التي يظهر فيها خلاف علني بين الرئيس والحكومة خاصة أن المستشار هو رئيس الحزب الاشتراكي الذي كان ينتمي إليه الرئيس فيشر قبل انتخابه.

ويعتقد بعض المحللين أن فيشر ربما كان يريد من خلال تمسكه بحرفية القانون التأكيد على سلطاته التي خولها له الدستور من ناحية والضغط على الحكومة لكي تستشيره في المستقبل في مثل هذه القرارات حتى وإن كانت من اختصاصاتها فقط. من جانبه حذر صندوق النقد الدولي من أن اقتصاد أيرلندا يواجه الآن تحديات أكبر من وقت إعداد حزمة المساعدات الدولية التي أقرت أواخر عام 2010 بسبب تباطؤ النمو الأوروبي.