«السوق العربية المشتركة» تواجه انتقادات عنيفة خلال منتدى جدة الاقتصادي

باعتبارها لم تضف شيئا لاقتصاد الدول العربية

دعا المشاركون في الجلسة الثانية من منتدى جدة الاقتصادي إلى تسليط الضوء بشكل فعلي على المشاكل التي تواجه الاقتصاد في الدول العربية (تصوير: خضر الزهراني)
TT

واجهت اتفاقية إنشاء السوق العربية المشتركة، التي تم توقيعها منذ عام 1953، انتقادات عنيفة من أحد المتحدثين خلال الجلسة الثانية من جلسات منتدى جدة الاقتصادي أمس، باعتبارها لم تضف شيئا لاقتصاد الدول العربية بشكل عام.

وقال مالك دحلان، رئيس مؤسسة «قريش للقانون والدراسات» المتحدث في الجلسة الثانية، خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «من الخطأ تكرار الحديث عن العمل العربي المشترك والجماعي، إنما يجب علينا تسليط الضوء بشكل فعلي على المشاكل التي تواجه الاقتصاد في الدول العربية عموما وفي منطقة الخليج والسعودية على وجه الخصوص، وذلك بهدف الحد منها أو تقليصها قدر الإمكان».

وأوضح أن مصالح المملكة حاليا أصبحت أقرب من مجموعة الدول الـ20، وذلك بحسب مساحتها وتعداد سكانها، كونها تمثل شبه الجزيرة العربية، الأمر الذي يثبت وجود قوة اقتصادية فيها لا بد من الالتفات لها جديا.

وأشار إلى عدم وجود قيادة اقتصادية وطنية عربية حاليا؛ حيث إنه في السابق كان ينظر إلى جمهورية مصر على أنها القائد الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط، مقللا من الدور الذي من الممكن أن تقدمه جامعة الدول العربية في هذا الشأن.

ولفت إلى أن للسعودية حصة الأسد على مستوى العالم في وضع توجه لمنظمة مجلس التعاون، أو أن تقود مستقبل المنطقة، مشددا على ضرورة الوعي بهذا الواقع والتقدم نحو الأمام من خلاله.

وحول مدى فاعلية منتدى جدة الاقتصادي في حل القضايا الاقتصادية المحلية والعربية على أرض الواقع، أفاد دحلان بأن المنتدى كان له السبق في مناقشة محور بناء التكتلات الإقليمية الذي شهدته الجلسة الثانية، إضافة إلى أن غرفة جدة تعتبر من أعرق المنظمات المشجعة والمحفزة للتجارة، خصوصا أن هناك مدنا اقتصادية قريبة من جدة، من شأنها أن تجعل منها نواة لمنظمة جديدة تركز على الاقتصاد والتجارة عوضا عن تسييس كل مبادرة تعود بالنفع على المنطقة – بحسب قوله.

إلى ذلك، كشف الدكتور عبد العزيز صقر، رئيس مركز الخليج للأبحاث، عن وجود جملة من المعوقات التي تواجه تحويل دول مجلس التعاون الخليجي إلى «اتحاد»، على الرغم من تركيز خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، خلال اجتماع القمة الخليجية الأخيرة، على البعد الأمني والتحديات التي تواجهها المنطقة في الدعوة إلى الوحدة وتحقيق الاتحاد.

وقال، خلال حديثه في الجلسة الثانية من جلسات اليوم الأول لمنتدى جدة الاقتصادي أمس: «تتمثل تلك العقبات في أن بعض دول الخليج ترى أن هناك بنودا كثيرة في التعاون لم تتحقق حتى الآن، في حين تخشى دول خليجية أخرى من هيمنة الدول الكبيرة على الصغيرة من منطلق وجود تفاوت في اقتصاد بعض دول الخليج، إضافة إلى العلاقة بين الحكومات الموجودة بالمنطقة». لكنه استدرك: «نحن متأكدون من وجود إرادة سياسية قوية، ولمعالجة هذه العقبات لا بد أن تشعر الشعوب الخليجية بذلك وتكون لديها الرغبة الحقيقية في التطبيق»، لافتا إلى وجود اجتماعات وحوارات ومشاورات تجرى حاليا بهدف وضع الأطر لتحقيق الاتحاد.

الجلسة الثانية شهدت مطالبات من قبل المشاركين بضرورة إعادة التركيز العالمي على التعاون الإقليمي، وبناء التكتلات الاقتصادية لمواجهة التحديات والتعافي من الأزمة المالية العالمية التي ضربت أميركا وبعض دول أوروبا، مشددين على أن الدول التي تعمل بمفردها قد تغرد في المستقبل القريب خارج السرب.

وحظيت الجلسة بمشاركة مالك دحلان، والدكتور عبد العزيز صقر، والسفير محمد نور يعقوب، المدير التنفيذي لمنتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي، والسفير فاتو غوبالا ميلون، نائب وزير الخارجية لآسيا والمحيط الهادي في وزارة الخارجية السنغافورية، إضافة إلى جون بروتون، سفير الاتحاد الأوروبي السابق في أميركا رئيس الوزراء الآيرلندي السابق.

وذكر دحلان، خلال ورقة العمل التي قدمها، أن السعودية راجعت سياستها التجارية في العام الحالي، معترفا بأن مجلس التعاون الخليجي يعتبر المنظمة الوحيدة الناجحة في العالم العربي، خصوصا أن الخطوات التي اتخذها في السنوات الماضية تؤكد مساهمته بشكل كبير في تعزيز التعاون بين دول المنطقة.

وأضاف: «إن تحقيق اتحاد الخليج من شأنه أن يسهم في خلق المزيد من التعاون والانسجام بين دول المنطقة، غير أن السؤال المهم المطروح هو: أي الأولويات التي نبدأ بها لتحقيق هذا الاتحاد؟ وهذا الأمر متروك للخبراء لدراسته ووضع الأطر الدقيقة لهذا المشروع الجديد». وطالب بضرورة عقد مؤتمر إقليمي للكشف عن الأولويات المهمة في تحقيق هذا الاتحاد، والحديث عن الاحتياجات والتطلعات الاقتصادية، إضافة إلى الحاجة إلى مؤسسات وقوانين مرنة تسهم في إزالة جميع العراقيل.

وتابع: «لا بد أن نقيّم ما تقوم به منظماتنا، لا سيما أن مجلس التعاون الخليجي يمكن أن يشمل اتحادا للتضامن العربي، إضافة إلى ضرورة أن تقود السعودية هذه المسيرة في إطار التغييرات المختلفة في العالم الإسلامي».

وعن التحول الذي شهده العالم وكان له تأثير في المنطقة، قال السفير فاتو غوبالا ميلون: «لقد أعلن باراك أوباما، الرئيس الأميركي، عام 2009، أن مجموعة الـ20 ستحل مكان مجموعة الـ8، إلا أن أميركا لا يمكنها فعل ذلك بمفردها من دون وجود تحالفات، خصوصا أنه قد حدث تغير كبير في العالم خلال السنوات الماضية».

وزاد: «ليس من الصحيح أن نصف التغييرات الحادثة في الغرب بأنها لا تؤثر على العالم، وعلينا أن نعترف أن هناك نظاما جديدا مقبلا من آسيا، وبالتحديد من الصين، التي تقود مسيرة التنمية، وكذلك الهند التي عالجت بعض القضايا واستطاعت أن تحرز نموا كبيرا، إلى جانب التكامل بين دول شرق آسيا التي لديها مصالح كبيرة بتعافي الاقتصاد في أوروبا والغرب نتيجة التجارة البينية مع هذه الدول، وهناك مسؤوليات دولية».

من جهته، علق سفير الاتحاد الأوروبي السابق في الولايات المتحدة الأميركية رئيس الوزراء الآيرلندي السابق، قائلا: «لا بد أن نسأل أنفسنا في البداية عن السر في تطور دول أوروبا عن غيرها، والمتمثل في أن هذه المجموعة من الدول نجحت في منع الحروب والتناحر بينها، واتجهت، بدلا من ذلك، إلى تحقيق التنمية، وعضوية الاتحاد الأوروبي لبلد صغير مثل آيرلندا تضمن له الوصول إلى سوق تجارية كبيرة».

واعترف بوجود أخطاء في الاتحاد الأوروبي من حيث معالجة الأزمة المالية التي أرجع سببها إلى أن القارة الأوروبية تقدمت في العمر بشكل كبير ليصف دولها بـ«العواجيز»، وهو ما أجبر أوروبا على القيام بالإصلاحات التي يجب أن تقوم بها، غير أنه استدرك قائلا: «نحن قادرون على التعاون بشكل كبير مع دول الخليج، ومن الممكن تعزيز التبادل التجاري بيننا بشكل أكبر».