كيف تلتف إيران على العقوبات الدولية في تسويق نفطها؟

لعبة المراوغة التي تعتمدها طهران تتراوح بين المقايضة وخلط الخامات والخصومات

عامل إيراني أمام إحدى منشآت النفط الإيرانية (إ.ب.أ)
TT

تمتلك العقوبات الدولية سجلا حافلا بالنجاحات والإخفاقات، ولطالما استطاعت النخبة التنفيذية في قطاع النفط الإيراني تلافي آثارها على مدار عقود. ومع تضييق واشنطن وحلفائها الخناق على طهران بسبب برنامجها النووي، تستحدث إيران طرقا جديدة لبيع نفطها من خلال عرض صفقات خاصة على حليفتيها الصين والهند وعبر توصيل النفط إلى العملاء ومقايضته بالذهب والحبوب أيضا.

وقالت مصادر تعمل في تجارة وشحن النفط لـ«رويترز» إن طهران ربما تستخدم أساليب لجعل نفطها أكثر قابلية للبيع في الأسواق الدولية من خلال نقله عبر ناقلات متعددة وخلط الخام لتمويه مصدره الأصلي. وطلبت هذه المصادر عدم كشف هويتها لحساسية العلاقات التجارية، وأضافت المصادر أن واشنطن ولندن وبروكسل تبذل كل ما بوسعها لوضع عقبات في طريق إيران، لكن الأخيرة محنكة في الأسواق. وأوردت المصادر عدة وسائل يمكن لإيران من خلالها تلافي العقوبات وإيصال نفطها إلى الأسواق. وتعني هذه الوسائل أن تبيع إيران النفط بأسعار مخفضة وهو ما يضر بدخلها، لكنه قد يعود في الوقت نفسه بأرباح طائلة على العملاء والوسطاء.

ويقول مسؤول تنفيذي بإحدى شركات النفط الكبرى: «الإيرانيون يتمتعون بقدرة عالية على المبادرة والابتكار، وقادرون على التغلب علينا بذكائهم». والمناورة ليست جديدة على إيران؛ ففي عام 1995 انهمك كبار المسؤولين التنفيذيين في قطاع النفط الإيراني في تعديل دفاتر بيع النفط حين حظرت واشنطن استيراد 600 ألف برميل يوميا من الخام الإيراني سعيا لإثناء طهران عن امتلاك أسلحة نووية. وقال مصدر بقطاع النفط الإيراني: «الأمر استغرق ثلاثة أشهر حتى تمكنا من تغيير مسار كمية النفط التي كانت تباع لعملاء أميركان.. لكن في نهاية المطاف، وجدنا مشترين جددا بمناطق أخرى».

وكان سعر برميل النفط 18 دولارا تقريبا آنذاك. لكنه تجاوز عتبة 120 دولارا اليوم.

وبعد مرور 17 عاما، يواجه المسؤولون عن قطاع النفط الإيراني الذين باتت كل تحركاتهم محل تدقيق وتوجس من الغرب، اختبارا أشد صعوبة كونهم يستهدفون الاستمرار في شحن 2.3 مليون برميل يوميا. ويكافح هؤلاء التنفيذيون لإيجاد وجهات جديدة لمبيعات نفطية توازي 500 ألف برميل يوميا؛ إذ إن التدابير المالية الصارمة التي تطبقها الولايات المتحدة والحظر النفطي الأوروبي الذي سيدخل حيز التنفيذ في يوليو (تموز) المقبل جعلا المهمة أصعب لسداد ثمن النفط أو شحنه من إيران.

لكن ليونيد فيدون المساهم الرئيسي بشركة «لوك أويل» الروسية التي أوقفت التعامل مع إيران منذ عشرة أعوام بسبب عقوبات أميركية، قال إنه يصعب تصور تدابير قادرة على حجب النفط الإيراني عن الأسواق. ويقول فيدون: «صعب تحقيق شيء بالعقوبات إذا كان لديك نظام عملاء متباين. فإذا لم تنضم الصين إلى العقوبات مثلا، فلن تؤتي تلك العقوبات ثمارها». وأضاف أن منع الإمدادات الإيرانية الضخمة من النفاذ إلى الأسواق يسبب مشكلات في العرض، وهذا أمر صعب في عام الانتخابات الرئاسية الأميركية إذا أخذنا في الاعتبار أن أسعار الطاقة إحدى المشكلات القائمة بالفعل.

ووجهت واشنطن ضربة إلى الشبكة المالية لطهران نهاية العام الماضي حين أغلقت قناة مهمة من قنوات مبيعات النفط وهو بنك «نور» الإسلامي الذي يتخذ من دبي مقرا. لكن المتعاملين يقولون إن ثمة بنوكا أوروبية وروسية صغيرة غير منكشفة على الولايات المتحدة ترغب في تحويلات مدفوعات النفط. وتحولت طهران إلى عملات أخرى مثل الين والروبية وأنجزت صفقات مقايضة للنفط أو الذهب بصادرات غذائية بعدما جعلت الضغوط الأميركية تحويلات الدولار واليورو أصعب من ذي قبل.

ويتضح هذا النوع من الصفقات غير التقليدية في تجارة الحبوب الإيرانية مع دول مثل روسيا والهند. وبما أن إيران تخشى أن تؤدي العقوبات إلى نقص كميات الغذاء، فقد طلبت كميات ضخمة من القمح لسد احتياجات سكانها البالغ عددهم 77 مليون نسمة. وقال أحد تجار النفط: «تبدو البنوك الروسية مستعدة لتمويل بعض الصفقات، ويمكن إتمام بعض التحويلات بالروبل (الروسي) أو بالعملة الإندونيسية». وقد تعرض طهران سداد قيمة هذه الصفقات بمقايضة الحديد أو النفط الخام. وبينما تحكم شبكة العقوبات الغربية الخناق على بلاد واقعة في حيز سيطرة الغرب، فإن العقوبات لا تسبب مشكلات تذكر لعميل ضخم مثل الصين الذي يستطيع توفير التمويل الذاتي والشحن والتأمين لإمدادات النفط المبحرة من إيران والتي تبيعها الأخيرة بتسهيلات ائتمانية طويلة الأمد.

وقال مسؤول تنفيذي بشركة نفط كبيرة لـ««رويترز»: «نحن نسمع أن الإيرانيين بدأوا عرض تخفيض يصل إلى 20 دولارا على البرميل الواحد. فهل تعتقد أن الصين تستطيع أن تقاوم هذا..».

وثمة قناعة عامة بأن طهران ستمنح خصومات على النفط وتبيع إلى بكين نسبة كبيرة من الشحنات التي كانت تذهب لأوروبا. لكن مسؤولين تنفيذيين بقطاع النفط الإيراني يعترفون بأن السوق الصينية محدودة رغم أهميتها الاستراتيجية وأنه ليس هناك دليل كاف على أن الصين تضيف كميات إضافية إلى مخزوناتها.

وتساعد الصين إيران في تلافي العقوبات الخانقة عبر إمدادها بالبنزين الذي تشتد الحاجة إليه في طهران. فرغم أن إيران منتج كبير للنفط، فإن وحدات التكرير الإيرانية المتقادمة تكافح لإنتاج كميات كافية من الوقود، وبالتالي، يصبح الاستيراد أمرا حيويا لسد الفجوة. وتحاول إيران أن تتفوق على نفسها عبر بيع مزيد من النفط إلى الهند ثاني أكبر عملائها بشروط تجارية مرنة. ويقول مصدر بالسوق على دراية بتكتيكات البيع التي تتبعها إيران: «إيران تقول سنوصل النفط الخام إليكم على متن سفننا بتسهيلات طويلة الأمد. وليست هناك مخاطر».

وتقول مصادر بالسوق على دراية بتحركات السفن إن ثلاث ناقلات إيرانية هي «هرمز» و«هرسين» و«دامافاند» نقلت بالفعل النفط الخام إلى محطات تكرير بالساحل الغربي للهند بينما يجد المشتري الهندي صعوبة في إيجاد ناقلات راغبة في التوقف بإيران خشية فقدان الغطاء التأميني لدى الاتحاد الأوروبي. وتتمتع الناقلات المملوكة لشركة «إن إي تي سي» الإيرانية الخاصة بغطاء تأميني من نادي «كيش بروتكشن آند إندمنتي» الإيراني الخاص. وقالت الهند إنها ستلتزم بعقوبات الأمم المتحدة على إيران، لكنها رفضت الامتثال للإجراءات المالية الجديدة التي طبقتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

ورغم ذلك، فإن العقوبات الدولية جعلت الشركات الهندية تعاني من أجل سداد مستحقات الخام الإيراني؛ إذ إن تلك الشركات تعودت على دفع المستحقات باليورو عبر بنك «خلق» التركي. لكن هذا المسار يبدو عرضة لعقوبات جديدة. وكان المدير العام للبنك سليمان أصلان قال يوم 26 يناير (كانون الثاني) الماضي إنه سيواصل تحويل مدفوعات النفط من العملاء إلى إيران ما دامت لا تخالف القوانين الدولية. وأطلقت نيودلهي وطهران آلية سداد باستخدام الروبية التي يتم التداول عليها بحرية في أسواق المال لسداد أموال تقدر بنسبة 45 في المائة من واردات النفط. وتدين الهند لطهران بنحو 11 مليار دولار. وبالفعل بدأت إيران في الدفع لمصدرين هنود بالروبية. لكن مصافي التكرير تنتظر لتعرف ما إذا كانت ستدفع ضرائب باهظة قبل اعتماد الروبية عملة سداد لمستحقات النفط.

ويقول م. رفيق أحمد رئيس اتحاد منظمات التصدير الهندية إنه يتم تحويل المدفوعات لشركات التصدير الهندية التي يستحق لها ثلاثة مليارات دولار تقريبا عبر بنك «بارسيان» الإيراني الذي فتح حسابا مشتركا مع بنك «يو سي أو» الهندي. ويعد «بارسيان» أحد البنوك الإيرانية الخاصة غير الملتزمة بالعقوبات المفروضة على البنوك الحكومية.

وفي إطار بحثها عن منافذ جديدة، تغازل طهران دولا آسيوية صغيرة ربما تم تجاهلها في الماضي. فعرضت إيران مثلا تزويد باكستان بشحنة قدرها 80 ألف برميل يوميا بخطة سداد أجل على ثلاثة أشهر. وجاء هذا العرض بعد إعلان مسؤولين باكستانيين أن إيران طلبت استيراد مليون طن من القمح عبر صفقة مقايضة. وذكرت مصادر بالصناعة على دراية بالمحادثات أن إيران أجرت محادثات مع جنوب أفريقيا أيضا حول إمكانية تخزين النفط في خزانات بخليج «سلدانها».

وكانت طهران اقترحت تخزين الوقود الزائد عن الحاجة في مرفق بالساحل الغربي شمالي كيب تاون في عام 1995، لكن المحادثات باءت بالفشل لأسباب؛ منها مخاوف شعبية من تضرر البيئة بسبب تنامي حركة الناقلات هناك.

وبينما تعمل إيران على تأمين مسارات إمداد جديدة، يقول التجار إنها ترسل ناقلات محملة بالنفط الخام والمكثفات إلى آسيا حيث يتم تصريف محتوياتها في سفن أصغر حجما وبيع الشحنات إلى الصين ومناطق أخرى بجنوب شرقي آسيا. وشاركت الناقلة الإيرانية الكبيرة «دلفار» في عملية كهذه الأسبوع الماضي، فتوقفت الناقلة بجزيرة كاريمون الإندونيسية؛ نقطة التخزين البحرية القريبة من سنغافورة التي كثيرا ما تستخدم في توزيع النفط بين السفن. ورست ناقلة أصغر حجما متجهة إلى الصين إلى جانب «دلفار» وحملت شحنة مكثفات لتتجه بها إلى هويتشو حيث تشغل شركتا «الصين الوطنية للنفط البحري» و«شل» الملكية الهولندية مجمعا للبتروكيماويات. وقال التجار إن «دلفار» توجهت بعد ذلك إلى جزيرة بوكوم التي تستضيف مصفاة «شل» في سنغافورا لتفرغ حمولتها من النفط الخام.

وتقول مصادر بالصناعة إن من الخيارات الأخرى المتاحة، خلط النفط وتغيير الصفة المسجلة لتلك البراميل، مما يوفر فرصة لشركات سمسرة النفط.