بروكسل تحذر: العودة إلى العملات الوطنية والتخلي عن اليورو سيؤديان إلى تفكك الاتحاد الأوروبي

اليمين الهولندي المتشدد: خسرنا الكثير بسبب العملة الموحدة ولا بد من طرح الأمر في استفتاء شعبي

TT

حذرت رئاسة الاتحاد الأوروبي، من أنه إذا استجابت أي من الحكومات الأوروبية لدعوات من جانب بعض القوى والأحزاب السياسية، ومنها اليمين المتشدد، للعودة إلى استخدام العملة الوطنية بدلا من اليورو (العملة الموحدة)، يمكن أن يترتب عليه تفكك الاتحاد الأوروبي، وجاء ذلك على لسان هيرمان فان رمبوي، رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي، ورد خيرت فيلدرز، زعيم اليمين المتشدد في هولندا، بالقول إن العودة إلى العملة الهولندية القديمة ممكن تحقيقه، ولن تجدي بعد الآن أي محاولة لتخويف المواطنين، وطالب بطرح الأمر من خلال استفتاء للشعب الهولندي ليختار بين العملة الهولندية الفلورين (الجلدر) أو البقاء في استخدام اليورو، العملة الأوروبية الموحدة التي تستخدم حاليا في 17 دولة تتشكل منها منطقة اليورو، موضحا أن الاقتصاد الهولندي أثناء العملة الوطنية كان ينمو بنسبة 3 في المائة سنويا، بينما لم يحقق نموا أكثر من 1.5 في المائة سنويا منذ بداية استعمال اليورو منذ عشر سنوات، وتكبد الاقتصاد الهولندي خسائر كثيرة بسببه, وجاء موقف فيلدرز أثناء مؤتمر صحافي لنشر نتائج تقرير لمكتب أبحاث بريطاني كلفه فيلدرز بإعداد دراسة عن إمكانية عودة هولندا إلى استعمال العملة الوطنية القديمة، ومدى الضرر الذي يمكن أن يلحق بالبلاد، وقال التقرير إنه يمكن تحقيق ذلك. ويأتي ذلك بعد أن قال رئيس الوزراء الهولندي، مارك روتا، إن بلاده بحاجة إلى خفض الإنفاق بمقدار 16 مليار يورو (21 مليار دولار) من أجل الوفاء بعجز الموازنة المستهدف المحدد من الاتحاد الأوروبي. وأضاف بعد اجتماع لحكومته لمناقشة سبل خفض العجز: «الأمر يبدو صعبا ولكننا بالإرادة سنصل إلى الهدف». ويتوقع أن يصل العجز في الموازنة إلى 4.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، أي أعلى بكثير من الحد الأوروبي البالغ 3 في المائة. وعلقت وسائل إعلام محلية على الوضع الحالي وقالت إنه لا يوجد بلد مارس مثل هذه الضغوط على جيرانه من أجل فرض خفض في الإنفاق العام، مثلما فعلت هولندا، والآن وقعت هي في مصيدتها. على هولندا فرض تخفيضات هائلة في الإنفاق العام. إذا لم يفعل رئيس الوزراء ذلك يفقد مصداقيته في أوروبا. إذا فعل ذلك يكون قد أقدم على الانتحار السياسي في بلده. الآن أصبحت هولندا من الدول التي تطلب في أوروبا بعد أن كانت من الدول التي تفرض. وأضافت تقول إن عملية البحث عن المليارات وضعت الحكومة تحت ضغط كبير. وحدها اللجنة الأوروبية تثق في أن هولندا ستتمكن من الوفاء بالالتزام بضبط عجز الموازنة دون 3 في المائة لعام 2013. الأمر الذي يستوجب خفض المزيد من الإنفاق العام بعد أن تبين ذلك من التقارير الصادرة عن المكتب المركزي للتخطيط. وبحسب الكثير من المراقبين حتى ولو لم يحصل أي خفض في الإنفاق فسوف يشعر الجميع بالركود الاقتصادي بقوة. إذا صدقت توقعات المكتب المركزي للتخطيط فهذا يعني أن القوة الشرائية التي تراجعت منذ العام الماضي لن ترتفع لست سنوات متتالية. وذلك من دون المزيد من خفض الإنفاق. وكانت صحيفة «دي تلغراف» أشارت إلى أن جميع رواتب موظفي القطاع العام قد جمدت ولا زيادة مرتقبة عليها، من أجل الالتزام بمتطلبات الشروط الأوروبية الصارمة في ما خص موازنة 2013. وينبغي على البلدان الأوروبية عدم اعتماد تخفيضات إضافية في الإنفاق العام كوسيلة وحيدة لمواجهة الأزمة الاقتصادية، بل عليهم اتخاذ تدابير إصلاحية جدية لاستنهاض الاقتصاد على المدى الطويل. هذا ما كتبه مدير المكتب المركزي الهولندي للتخطيط، كون تولينغز، في رسالة إلى صحيفة «فايننشيال تايمز». يوافقه هذا الرأي لانس بوفنبرخ، خبير الاقتصاد في جامعة تلبورخ الهولندية، كذلك يعتقد فوتر كولمانس، الخبير المالي في حزب «ديمقراطيو 66» الهولندي، أنه يجب عدم التهرب وتأجيل اعتماد أحد الخيارات. يقول بوفنبرخ أعتقد أن ما قاله تولينغز معقول جدا، لأنه ليس من الحكمة أن نطلب من كل البلدان الأوروبية أن تضبط عجز ميزانياتها لعام 2013 ليكون أقل من 3 في المائة في وقت قصير، لأن خفض الإنفاق الحكومي بتلك الحدة سيضر بالاقتصاد الأوروبي. وبحسب تقرير لإذاعة هولندا، تعمل المفوضية الأوروبية على ضمان ألا يتجاوز العجز في موازنات البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الـ3 في المائة المتفق عليها. ولا شك أنه معيار صعب، كما يبدو، في هذه الأوقات المالية الحرجة. يعتقد تولينغز، مدير المكتب المركزي للتخطيط، أن لا داعي لأن تقوم الدول بإجراءات إضافية لخفض الإنفاق، إذا كانت هذه الدول لا تواجه مخاطرة مباشرة باستبعادها من أسواق رأس المال الدولية. هولندا من هذه الدول التي لا تواجه مخاطر كبيرة في الأسواق المالية العالمية، لذلك يبدو أن الإصلاحات الاقتصادية أكثر جدوى على المدى الطويل بالنسبة لهولندا، حسب تولينغز في رسالته التي كتبها بالتعاون مع جان بيساني - فيري، مدير مركز الأبحاث الاقتصادية. ويذهب الباحثان لأبعد من ذلك بالقول إن على الدول التي تواجه مشكلات اقتصادية كبيرة، إسبانيا على سبيل المثال، ألا ترهق الاقتصاد بخفض الإنفاق بمعدل كبير. جاءت تصريحاته هذه قبل أيام من نشر المكتب المركزي للتخطيط أرقام العجز المتوقع في الموازنة للأعوام المقبلة. ستطلق هذه الأرقام على الأرجح جولة جديدة من خفض الإنفاق في هولندا. ويعتقد خبير الاقتصاد بوفنبرخ أن هولندا يجب أن ترضى على المدى القصير بعجز أكبر بالموازنة، إذا كانت قد اعتمدت إصلاحات هيكلية. يوضح بوفنبرخ قائلا: «هولندا على سبيل المثال عليها اتخاذ تدابير إصلاحية، مثل الإسراع بزيادة سن التقاعد، وتعديل قانون العمل لتسهيل الفصل من العمل، والتخفيض التدريجي للمدة يتلقى فيها المفصولون عن العمل تعويضات عالية (70 في المائة من الراتب) إذا فقدوا وظائفهم. إضافة إلى إصلاح سوق السكن ومشكلة الرهن العقاري، وإدخال إصلاحات في نظام الرعاية الصحية. سنواجه على المدى القصير عجزا ماليا أعلى قليلا، ولكن في المقابل تسود ثقة في الأسواق المالية بطريقة تؤدي إلى تحسن الأوضاع واستقرارها على المدى الطويل». وبحسب إذاعة هولندا العالمية، يجد فوتر كولمانس، الخبير المالي لحزب «ديمقراطيو 66» أنه من المهم أن تلتزم هولندا بالاتفاقات الأوروبية، ويقول «هذا يعني أنه يجب البدء العام المقبل بهذه التدابير. لا يمكن التهرب من اتخاذ الخيارات. إذا بدأنا العام المقبل برفع سن التقاعد فسيكون لذلك أثر إيجابي على الاقتصاد والإنفاق الحكومي. وخلال ذلك يمكن الاستمرار بالوفاء بالالتزامات الأوروبية». وبحسب التقرير الإذاعي أدى طرح موضوع رفع سن التقاعد قبل بضع سنوات إلى مناقشات حادة. الاتفاق الذي تم التوصل إليه هو رفعه تدريجيا ابتدأ من عام 2020. هل خطط كولمانس واقعية إذن؟ يجيب كولمانس: «إذا عدنا إلى البرامج الانتخابية لكل من الحزب المسيحي الديمقراطي والحزب الليبرالي عام 2010، نجد أنهما أرادا رفع سن التقاعد في ظل الحكومة الحالية، لكنهما تخليا عن هذا الأمر إرضاء لزعيم حزب الحرية، خيرت فيلدرز. الآن الوضع خطير جدا، بحيث ينبغي إعادة هذا الموضوع إلى طاولة المفاوضات». كمثال على الإصلاحات التي تعود بمنافع ملموسة، يشير بوفنبرخ إلى الجارة الشرقية لهولندا ويقول: «لقد قامت ألمانيا منذ سنوات كثيرة بإجراء إصلاحات رئيسية وخاصة في مجال سوق العمل. الآن تستفيد منها بشكل واضح». من المتوقع أن تتمكن ألمانيا من التزام قرار المفوضية الأوروبية بإبقاء العجز في الموازنة دون 3 في المائة.