نائب رئيس الوزراء البولندي الأسبق ينتقد معالجة صندوق النقد للانهيارات الاقتصادية

أشاد في لقاء نظمه مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية بنهضة الاقتصاد السعودي

البروفسور ججيوش كوودكو نائب رئيس الوزراء ووزير المالية الأسبق في جمهورية بولندا (تصوير: محمد الدوسري)
TT

انتقد خبير اقتصادي أوروبي رفيع المستوى طريقة البنك الدولي في معالجته للانهيارات الاقتصادية التي حلّت في بعض البلاد الغربية والأوروبية ووصفها بغير المجدية، مبينا أن محاولة تدخل صندوق النقد الدولي في إنقاذ اليونان من الانهيار الاقتصادي الذي حلّ بها مؤخرا، من خلال قرضها حصة كبيرة من الديون دون الاهتمام بالناحية النظرية العلمية الحديثة، ودون النظر في عواقب طريقته، التي يمكن أن تعود بها إلى أسوأ مما هي عليه الآن.

وناشد البروفسور ججيوش كوودكو نائب رئيس الوزراء ووزير المالية الأسبق في بولندا، دول العالم إلى ضرورة التحرر من سجون الفكر الاقتصادي الآيديولوجي الشيوعي، إلى رحاب الاشتراكية والانفتاح على السوق الحرة، والانعتاق من عباءة الليبرالية قديمها وحديثها، والاتجاه إلى صناعة مزيد من اللحمة والاندماج على المستوى المجتمعي والمؤسسي والفردي والدولي.

ومن جهة أخرى، دعا الخبير الاقتصادي الأوروبي السعودية، إلى الاستفادة من القيم السمحة التي زرعها الدين الإسلامي في التكوين المجتمعي فيها، في النهوض باقتصادها إلى أعلى ذروة يمكن الوصول لها، مبينا أن الدين الإسلامي أشاع أهم قيمة في البناء الاقتصادي السليم وهي قيم الصدق والأمانة والشفافية، معتقدا أن ذلك أحد عوامل نجاح الاقتصاد الإسلامي، مع تحفظه على إمكانية فرض سيطرته على اقتصادات العالم.

غير أن كوودكو، استدرك في الوقت نفسه أن الالتزام بهذه القيم الجميلة، لا يكفي لبناء اقتصاد قوي دون وجود سياسات اقتصادية سليمة، في ظل تسهيل إطلاق مؤسسات قائمة على مقومات النجاح الحقيقية.

وفي الوقت الذي أشاد فيه بالازدهار الاقتصادي الذي تشهده السعودية وتحديدا العاصمة السعودية الرياض، أكد كوودكو لـ«الشرق الأوسط»، أن أمراض الاقتصاد العالمي، خرجت من السيطرة، بعد الأزمة المالية العالمية التي بدأت في أميركا وتفشت الآن في أوروبا، مبينا أن السوق الاجتماعية أثبتت نجاحها في البلاد التي تحاول الخروج عن العزلة التي تفرضها عليها بعض الظروف السياسية، مشيرا إلى أن هذه السياسة الاقتصادية، نجحت كذلك في دول الاتحاد الأوروبي والدول الاسكندنافية. واعتبر كوودكو الذي كان يتحدث في لقاء نظمه أمس مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، بالتعاون مع السفارة البولندية بالرياض، تحت عنوان «حقائق وأخطاء وأكاذيب السياسة والاقتصاد في عالم متغيّر، أن القيم والسياسات الاقتصادية وبناء المؤسسات القائمة عليها، رؤوس مثلث بناء أي اقتصاد قوي معافى في العالم. وحاول كوودكو، إيجاد استفسارات مشروعة، عن أسباب الانهيارات الاقتصادية التي طالت العديد من دول العالم المتحضّر، مبينا أنه توصل إلى حقيقة مهمة، وهي أن العراقيل التي تقف حجر عثرة أمام النمو الاقتصادي العالمي، هي نفسها العراقيل التي تمنع التنمية من الانطلاق الحقيقي الواسع، مشددا على أن التفكير في المستقبل أمر في غاية الضرورة، مع أهمية اصطحابها بحزمة السياسات الاقتصادية، وتعبئتها بآليات تنفيذية ناجعة. وأكد أن النظريات الاقتصادية القديمة غير فعالة وليست ذات جدوى، بحكم أن العالم في حالة تغير من زمن لآخر، مما يعني حدوث حالة من التغير في جميع عناصر الحياة من متطلبات وواجبات، تترتب عليها ضرورة البحث عن بدائل حديثة تواكب التقدم والتطور الذي طال كل مجالات الحياة، إذ لم يعد مقياس التقدم هو نفسه مقياس التقدم الذي تعتريه الدول الكبيرة الآن. وأشار المسؤول البولندي إلى التوازن في صناعة توليفة بين النظريات الاقتصادية القديمة ونظيرتها الجديدة، التي تقف وراء الانزلاقات والتصاعدات التي تقع فيها بعض الدول، بين اقتصاد هابط وآخر صاعد.

ويعتقد كوودكو أن قياس التقدم، يتطلب قياس التكلفة وقيمة وإدماج الإنسان في مجتمعه، مبينا أن الاتجاه نحو بناء اللحمة الاندماجية على مستوى الأسرة والفرد والمجتمع والمؤسسات، أهم مقومات بناء الاقتصاد بالصورة الحديثة، موضحا أن الأزمات التي تعاني منها هذه العناصر، هي التي تزرع نبتة الكراهية بين الاقتصاديين والمثقفين، باعتبار أن قياس هذه الأزمات لدى المثقفين أكثر صعوبة منه عند الاقتصاديين والذين يستطيعون تحديدها بالأرقام وبالأحجام، بخلاف ما عليه المثقفون.

وأشار إلى أن الدول الغربية الكبرى التي حققت نموا واقتصادا كبيرين، خاضت تجربة جديرة بالدراسة، تحوّلت بموجبها إلى دول كبيرة، مبينا أن أول هذه التجارب، التحولات التي عاشتها وأخرجتها من عباءة الشيوعية والليبرالية إلى عالم الاشتراكية والسوق الحرة الأرحب، مشيرة إلى تجربة بلاده بولندا في هذا الصدد، التي تحولت إلى بلاد اشتراكية حرة تتمتع باقتصاد قوي يصل فيها دخل الفرد إلى 36 ألف دولار سنويا، كمؤشر تعاف اقتصادي يلفت الأنظار.