هل تخفض الحكومة المصرية دعم الطاقة وتواجه غضب المواطنين؟

لتفادي كارثة عجز ميزان المدفوعات والحصول على قرض من صندوق النقد الدولي

إحدى منشآت الغاز الطبيعي في مصر
TT

تعقد مصر آمالها على الاستعانة بالغاز الطبيعي في خفض فاتورة دعم الطاقة الذي يلتهم ما يعادل 20 في المائة من الموازنة العامة، وهي نسبة مرشحة للزيادة ما لم تأخذ البلاد إجراءات عاجلة.

ورفضت الحكومة المصرية على مدار سنوات خفض الدعم خشية إشعال التضخم وإثارة غضب المواطنين. لكن الضغوط تجددت الآن بينما تتفاوض الحكومة على قرض طارئ من صندوق النقد الدولي بقيمة 3.2 مليار دولار تحتاجه لتفادي كارثة بميزان المدفوعات. ومن المتوقع أن يطلب الصندوق من القاهرة الالتزام بإصلاح المالية العامة.

وأصبحت مشكلة الدعم أشد ضراوة على المستوى السياسي منذ الانتفاضة التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك العام الماضي، وذلك لأن الاضطرابات التي واكبت الانتفاضة واستمرت بعدها أدت إلى تراجع النمو الاقتصادي وتفاقم معدلات البطالة والفقر. وفي الوقت نفسه، باتت الحاجة أكبر إلى التوصل إلى حل لاعتبارات مالية. ففي الأشهر الستة الماضية، كافحت الحكومة لتمويل عجز موازنة متضخم بسبب مطالبات بزيادة الأجور وتراجع نمو الإيرادات الحكومية في فترة ما بعد الثورة.

وقالت ثلاثة مصادر مطلعة على الحسابات الحكومية إن فاتورة دعم الطاقة من المتوقع أن تزيد 40 في المائة لتبلغ 95 مليار جنيه مصري (15.75 مليار دولار) في السنة المالية التي تنتهي 30 يونيو (حزيران) المقبل، وذلك بسبب ارتفاع أسعار الطاقة العالمية والنمو السكاني. وطلبت المصادر عدم الإفصاح عن هويتها بسبب الحساسية السياسية للموضوع.

وقال وزير البترول عبد الله غراب للصحافيين الاثنين الماضي إن مخصصات الموازنة العامة التي تستهدف خفض أسعار التجزئة للمنتجات البترولية ستزيد بأكثر من 25 في المائة في السنة المالية المقبلة لتصل إلى 120 مليار جنيه. وتقول ندى فريد الاقتصادية بـ«مجموعة بلتون للأبحاث» إن حل معضلة دعم الطاقة أصبح «محوريا الآن لأن الحالة المالية خانقة جدا». وتضيف: «جميع الأحزاب السياسية وصندوق النقد والحكومة يقولون إنه ينبغي التعامل مع مسألة دعم الطاقة بأسرع ما يمكن. المسألة تتعلق بوجود حكومة قادرة على اتخاذ قرارات فعلية».

وتدعم مصر كل منتجات الطاقة تقريبا بما فيها البنزين. ويعد متوسط سعر التجزئة المحلي للبنزين في مصر، وهو نحو 170 قرشا للتر، من بين أقل المستويات السعرية عالميا. ورغم أن البلاد تصدر الغاز الطبيعي، فإنها تستورد نسبة من احتياجاتها من النفط. وساهم رخص أسعار الطاقة بسبب الدعم، في زيادة الاستهلاك إلى مستويات يصعب على الدولة الوفاء بها. وحسب بيانات إحدى شركات الطاقة في القاهرة، فقد زاد استهلاك غاز البترول المسال في السنوات الأخيرة بمعدل سنوي 10 في المائة، والبنزين 12 في المائة، والديزل 6 في المائة، وزيت الوقود (المازوت) 6 في المائة.

وحسب بيانات الشركة، فإن نسبة 44 في المائة من الدعم الحكومي تقريبا تذهب إلى الديزل المستخدم في الأساس في قطاعي النقل والصناعة، و22 في المائة إلى زيت الوقود المستخدم في المصانع ومحطات الطاقة. وتأمل الحكومة أن تخفض الدعم عبر استراتيجية غير مؤلمة نسبيا تتمثل في التوسع في استعمال الغاز الطبيعي بدلا زيت الوقود والديزل الأغلى سعرا.

وقال خبير بمجال الطاقة في القاهرة إن البلاد قد تحتاج إلى استيراد الغاز إن حافظت على التزامها بعقود تصدير الغاز المحلي. لكن الغاز المستورد سيكلف البلاد ما بين سبعة وثمانية دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية مقارنة بسعر 17 دولارا للكمية نفسها من زيت الوقود. وقال غراب في إحدى الفعاليات التي أقيمت احتفالا بتحول مصانع لإنتاج الطوب إلى الاعتماد على الغاز الطبيعي: «الحكومة وضعت خططا للتوسع في استخدام الغاز الطبيعي في البيوت والمنشآت التجارية والصناعية والسياحية لتوفير قيمة دعم البترول للبلاد». وتنال هذه الاستراتيجية رضا حزب الحرية والعدالة المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين، الذي حصل على ما يقرب من نصف مقاعد مجلس الشعب المنتخب في يناير (كانون الثاني) الماضي، والتي تستمد كثيرا من الدعم من شرائح السكان الأشد فقرا. وقال سعد الحسيني العضو بالحزب والذي يرأس لجنة الخطة والموازنة بالبرلمان إن حزبه سيرفض رفع أسعار الطاقة المحلية للبيوت وسيصر بدلا من ذلك على أن تستخدم منشآت الطاقة والمصانع وقطاع النقل الغاز الطبيعي.

وقال الحسيني لـ«رويترز»: «هناك إجراءات فنية وسياسات تنفيذية خلاصتها استبدال الغاز بالسولار والمازوت والبوتاجاز، وخلاصتها تحويل منتج الغاز إلى منتجات أخرى مثل البنزين والبوتاجاز بسهولة يمكن الإقدام عليها، وبعضها يتم بشكل فوري يستطيع أن يؤدي إلى تخفيض مبالغ قد تصل إلى 20 مليار جنيه بأقصى سرعة من بند الدعم». وذكر الحسيني أن التأخر في التحول إلى الغاز كان نتيجة الفساد والبيروقراطية وسوء التنسيق بين الوزارات. وأضاف: «كل وزارة تعمل في جزيرة منعزلة. هناك من في مصلحته استيراد المازوت.. عمولات ضخمة وأرباح شركات من استيراد المازوت».

لكن التحول إلى الغاز الطبيعي وحده لن يخفض فاتورة الدعم بنسب كافية. ولذلك بدأت الحكومة في اتخاذ إجراءات أخرى تشمل خطة لقصر بيع أنابيب البوتاجاز المستخدمة في المنازل على حاملي بطاقات الدعم. وتكلف أنبوبة البوتاجاز الحكومة الآن نحو 75 جنيها لإعادة ملئها لكنها تبيع الأنبوبة مقابل خمسة جنيهات. وحسب الخطة الجديدة التي تم تنفيذها حتى الآن في مناطق منخفضة الكثافة السكانية فقط مثل البحر الأحمر والوادي الجديد، يحق لكل أسرة الحصول على أنبوبة واحدة أو اثنتين كل شهر حسب عدد أفراد الأسرة. وأعلنت الحكومة أيضا في مطلع العام الحالي أنها سترفع سعر إمدادات الطاقة للقطاع الصناعي رغم أن هذا لم يتم تنفيذه بشكل شامل حتى الآن.

وقال طاهر جرجور، نائب الرئيس التنفيذي لشركة «ليسيكو» المصنعة للسيراميك، إن شركته تمت محاسبتها بالسعر القديم حتى يوم الاثنين الماضي حين تلقت فاتورة كهرباء بها زيادة سعرية بنسبة 22 في المائة بأثر رجعي منذ بداية العام. وقال إن الشركة عرفت أن تكلفة الغاز الطبيعي ستزيد بنسبة 30 في المائة إلى ثلاثة دولارات لكل مليون وحدة حرارية، وإنها كانت تتحسب لهذا التغير رغم أنها لم تكن متأكدة من تطبيقه. ويرى جرجور أن ارتفاع تكلفة الطاقة سيزيد تكلفة المبيعات بشركة «ليسيكو» بنسبة تتراوح بين 3.5 و4 في المائة في قطاع يتراوح هامش الربح الإجمالي فيه بين 20 و30 في المائة.

وقال جرجور: «أعتقد أن الحكومة مترددة لأن هذا سيكون له أثر ضخم على صناعات مثل نشاطنا» مضيفا أن هذه الزيادات تعني زيادة إجمالي تكلفة الطاقة بنسبة 25 في المائة. ورأى أن هذا يعني تراجع الاستثمارات وارتفاع التضخم وتدني فرص العمل. وتنتج مصر ما يوازي 1.55 مليون برميل يوميا؛ تقريبا 45 في المائة منها نفط خام والنسبة المتبقية غاز طبيعي. وتحصل الحكومة على 59 في المائة من إنتاج النفط، بينما تستحوذ شركات النفط التي تجري عمليات الاستكشاف والحفر على النسبة الباقية.

وتغطي حصة الحكومة من الإنتاج ثلثي الاستهلاك الحكومي فقط. وتحتاج الحكومة إلى شراء النسبة الباقية من شركات أجنبية عاملة في البلاد أو استيراد الطاقة من الخارج. وقال خبير الطاقة إن الحكومة خلال الأشهر الستة الماضية زادت اعتمادها على الشراء من شركات من خلال اعتمادات في السداد بسبب شح السيولة. وأضاف أن متأخرات الحكومة في هذا الجانب أصبحت تقدر بمليارات الدولارات. وقال مصرفي أجنبي وأحد المتعاملين بأسواق الطاقة واقتصادي غربي لـ«رويترز» إن مصر أجلت بعض المدفوعات لشركات الطاقة العاملة في البلاد. وذكر خبير الطاقة أن الشركات العاملة في الخارج بدأت تشعر بقلق من ازدياد عجز الموازنة، وطالبت الحكومة أواخر العام الماضي بمدفوعات مقدما مقابل شحنات البنزين.