سويسرا على وشك توقيع اتفاقية مع أميركا لإنهاء ملف التهرب الضريبي

واشنطن تحقق مع 11 مصرفا سويسريا

العلاقات الأميركية السويسرية شابتها بعض المشاكل منذ عام 2008 نتيجة لقضية التهرب الضريبي (رويترز)
TT

ستقوم سويسرا بتوقيع اتفاق حول سرية القطاع المصرفي مع الولايات المتحدة الأميركية في القريب إذا لم تقم واشنطن بوضع العراقيل أمام هذا الاتفاق، بحسب رئيسة سويسرا إيفلين فيدمر شلومبف.

وقالت شلومبف، التي تشغل أيضا منصب وزيرة المالية، يوم الأربعاء الماضي: «نحن مستعدون للتوقيع. لقد قدمنا الكثير من الاقتراحات البناءة ومستعدون للتوقيع على الاتفاق، إذا أرادت الولايات المتحدة ذلك».

وجدير بالذكر أنه قد شابت العلاقات الأميركية السويسرية بعض المشاكل منذ عام 2008 نتيجة لقضية التهرب الضريبي، عندما بدأت السلطات الأميركية بملاحقة مصرف «يو بي إس»، أكبر المصارف السويسرية، لمساعدته آلاف الأشخاص على إخفاء أموالهم من مصلحة العائد الداخلي الأميركية. توصل مصرف «يو بي سي» في وقت لاحق إلى تسوية مع وزارة العدل، يقوم بمقتضاها بالكشف عن تفاصيل حسابات 4450 عميلا ودفع غرامة قدرها 780 مليون دولار في مقابل اتفاق قضائي مؤجل.

لقد عمل المسؤولون السويسريون، بعد وضع قطاعهم المالي تحت المراقبة الدولية، من أجل التوصل لاتفاق مع واشنطن يسمح لهم بالاستمرار في تطبيق جزء من قانون المصارف الصادر في عام 1934. والذي يجرم الكشف عن هوية العملاء. ويقول المسؤولون السويسريون إن السلطات الأميركية قد أظهرت قدرا محدودا من الاهتمام بتسوية تلك الأزمة ولا يزالون يتابعون التحقيقات الجنائية مع مسؤولي 11 مصرفا سويسريا، بما في ذلك «كريدي سويس»، ثاني أكبر مصرف في سويسرا.

وفي إشارة إلى النهج الصارم الذي تنتهجه واشنطن، قام المدعون العامون في شهر فبراير (شباط) باتهام مصرف «ويجلين أند كومباني»، أقدم مصرف خاص في سويسرا، بمساعدة بعض الأميركيين في التهرب من ضرائب بقيمة 1.2 مليار دولار. وقد دفع هذا المصرف، الذي تأسس عام 1741، إلى الإعلان عن تصفية أعماله في أميركا، مما زاد من مخاوف المصارف السويسرية من احتمالية قيام واشنطن بنفس الأمر مع بعض المصارف الأخرى.

ويتناوب الأعضاء السبعة للهيئة التنفيذية في سويسرا (المجلس الفيدرالي) على منصب الرئيس، حيث يتولى المنصب عضو جديد كل عام. يجعل هذا السيدة فيدمر شلومبف، التي تبلغ من العمر 55 عاما وكانت في الأصل محامية، «الأولى بين نظرائها» في المجلس والوجه الذي يمثل سويسرا في الكثير من المحافل الدولية.

وتقول السيدة فيدمر شلومبف: «لقد اندهشنا للغاية من اتهام واشنطن، لأننا كنا نعتقد أن هناك اتفاقا ضمنيا بيننا بأن لا يقوموا بمثل هذه التصرفات خلال مرحلة المفاوضات». وأضافت شلومبف: لقد حققت الدول «تقدما كبيرا» باتجاه توقيع اتفاق دولي في الأشهر القليلة الماضية. ستتضمن هذه الاتفاقية الاتفاقات القضائية المؤجلة ضد المصارف السويسرية المتهمة بمساعدة بعض الأميركيين على التهرب من الضرائب، بالإضافة إلى الغرامات ونقل كم «كبير» من بيانات العملاء لمصلحة العائد الداخلي.

وتضيف السيدة شلومبف أن سويسرا، والتي يوجد بها أكثر من ربع ثروات العالم في الخارج، لم تكن مستعدة للتخلي عن سرية الحسابات المصرفية دفعة واحدة وأن نقل البيانات «يجب أن يتم في إطار الإجراءات القانونية المعمول بها في كلتا الدولتين». وتعبر شلومبف عن أملها في التوصل إلى اتفاق في المستقبل القريب قائلة: «للولايات المتحدة حقوق، ويحب علينا احترام تلك الحقوق. أعتقد أن التوصل إلى حل فوري يصب في مصلحة الطرفين».

وجاءت تصريحات شلومبف بعد أن أقر البرلمان السويسري يوم الاثنين معاهدة جديدة لمنع الازدواج الضريبي مع الولايات المتحدة، يحق بموجبها للسلطات الأميركية تعقب حالات الغش الضريبي المشتبه بها بصورة أكثر سهولة عن طريق طلب معلومات حول أنواع محددة من الحسابات المشتبه بها، من دون ذكر أسماء. وصرح دونالد باير، سفير الولايات المتحدة في سويسرا، للإذاعة السويسرية هذا الأسبوع أنها كانت «خطوة إيجابية ومفيدة». وقال بول بيهلينغ، شريك في شركة المحاماة «ويذرز بيرغمان» في نيو هافن، إن موافقة البرلمان السويسري «تزيل العقبة القانونية التي تعترض طريق توقيع الاتفاق» بين المصارف ومصلحة العائد الداخلي.

وأدى قانون سرية المصارف في سويسرا إلى تعقيد جهود المصارف الرامية إلى حل النزاع. وثمة سبب آخر للخلاف وهو التفرقة التي تقوم بها سويسرا، دون غيرها من بلدان العالم، بين الاحتيال الضريبي، الذي يعتبر جريمة في سويسرا، والتهرب الضريبي، الذي لا يعتبر كذلك.

وعلى الجانب الأميركي، توقفت إجراءات التصديق على معاهدة منع الازدواج الضريبي التي وقعتها حكومتا البلدين في شهر سبتمبر (أيلول) 2009. ويعارض السيناتور الجمهوري راند بول، عن ولاية كنتاكي، هذه المعاهدة، مؤكدا أنها تعطي مصلحة العائد الداخلي قدرا زائدا عن الحد من الصلاحيات، على نحو يكفل لها التدخل في الجرائم المالية المشتبه بها دون وجود مبررات.

ولم يرد مكتب السيد بول على بعض طلبات التعقيب، كما رفضت أيضا وزارة الخزانة ووزارات الدولة التعقيب على نفس الأمر.

قالت فيدمر شلومبف: «لدينا علاقات جيدة جدا مع الولايات المتحدة الأميركية»، مشيرة، على سبيل المثال، إلى أن سويسرا تمثل المصالح الأميركية في إيران وتعتبر من أكبر المستثمرين في أميركا.

وأضافت شلومبف: «لا يجب تعليق علاقتنا برمتها على هذه المشكلة. أعتقد أن هذا هو الطريق للوصول إلى حل لتلك المشكلة».

قالت شلومبف إن سويسرا تعمل على تحسين سمعتها من خلال «استراتيجية الأموال النظيفة» التي تم الإعلان عنها في شهر فبراير. تعتمد الاستراتيجية على 3 عناصر رئيسية وهي «توقيع اتفاقيات دولية جديدة لاقتطاع الضرائب مع الدول الأخرى وتحسين الدعم الإداري في قضايا الضرائب الدولية وضرورة قيام المصارف السويسرية بفحص الحسابات بشكل أكثر دقة».

تشير شلومبف إلى أنه يتوجب على السويسريين أولا التغلب على خطايا الماضي والوصول إلى تسويات مع الأميركيين والحكومات الأخرى وإقناع المشككين بصدق نواياهم. وتضيف الرئيسة السويسرية: «تكمن مشكلتنا في أننا لم نؤخذ على محمل الجد» رغم أننا ولسنوات كثيرة «كنا نقوم بجهود أكبر من الدول الأخرى»، مثل الجهود التي قمنا بها لمحاربة غسل الأموال وعمليات التداول بناء على معلومات داخلية والتوصل إلى أكثر من 40 اتفاقية لمنع الازدواج الضريبي مع الدول الأخرى وتبني معايير صارمة بالمؤسسات التي من الضخامة بحيث لا يمكن أن تنهار، مثل «كريدي سويس» و«يو بي إس».

تقول شلومبف إن القطاع المصرفي السويسري، والذي يساهم بنحو 11% من الناتج المحلي الإجمالي في البلد ويوفر ما يقرب من 20000 وظيفة في الدولة التي يقل عدد سكانها عن 8 ملايين نسمة، قد يواجه بعض الصعوبات في الأعوام الأولى من هذه الحقبة الأكثر شفافية. قالت شلومبف: «لكننا سنجذب المزيد من العملاء، على المدى الطويل، بفضل الجودة السويسرية».

قد لا تمثل الاتفاقية التي سيتم توقيعها مع الولايات المتحدة الأميركية نموذجا لاتفاقات مماثلة مع دول أخرى، حيث إن الولايات المتحدة لديها القوة التي تنقص الآخرين - التهديد بمنع المصارف السويسرية من العمل في السوق الأميركية هائلة الحجم. إن النموذج الذي تفضله سويسرا هو اتفاقيات اقتطاع الضرائب التي تم التوصل إليها مع بريطانيا وألمانيا في العام الماضي، والتي ستضمن دفع الضرائب من دون إفشاء بيانات العملاء.

طعنت المفوضية الأوروبية ضد تلك الاتفاقيات، حيث تؤكد المفوضية أن هذه الاتفاقيات تقوض جهودها الرامية إلى إعداد اتفاقيات للتبادل الآلي للمعلومات مع سويسرا، والتي لا تنتمي للاتحاد الأوروبي. يهدد البرلمان الألماني برفض أي اتفاقية ثنائية لأسباب تتعلق بالوضوح.

وعلى أي حال، هناك إشارات واضحة لفشل عمليات تعقب الغش الضريبي الأميركي في سويسرا. تقوم بعض المصارف السويسرية بتحذير العملاء الأميركيين من أنه يتوجب عليهم إثبات امتثالهم للقانون الأميركي أو إغلاق حساباتهم. وتنصح المصارف العملاء الذين لا يمتثلون للقانون الأميركي بتوكيل محام والدخول في برنامج إفشاء المعلومات التطوعي الخاص بمصلحة العائد المحلي.

يقول كيفن ثورن، محامي ضرائب في واشنطن والذي ساعد بعض الأشخاص على اجتياز برنامج إفشاء المعلومات التطوعي: «أخبر عملائي بأنه من مصلحتهم الامتثال للقانون الأميركي إذا كانت لديهم حسابات دولية غير معلنة». يضيف ثورن أن هذا يعني من الناحية العملية دفع غرامة تبلغ 27.5% من قيمة هذه الحسابات غير المعلنة وتحديث بيانات تلك الحسابات.

أضاف ثورن: «إن لم يقم هؤلاء الأشخاص بفعل هذا، وفي حال قامت الحكومة بفتح تحقيق جنائي حول هذا الأمر، سيضطرون إلى دفع غرامة أكبر بكثير، قد تصل إلى 50% أو أكثر من قيمة الحسابات غير المعلنة، بالإضافة إلى تحمل تكلفة جناية التهرب الضريبي».

ويقول مارتن نافيلي، الرئيس التنفيذي لغرفة التجارة السويسرية - الأميركية في زيوريخ، كانت سويسرا تأمل في أن «يكون هناك نوع من السرية أو حماية البيانات» بعد التوصل إلى اتفاقية.

وأضاف نافيلي: «أعتقد أن موضوع حماية المتهربين من الضرائب قد انتهى». ويضيف السيد نافيلي أنه يشك في أن التوصل لهذا الاتفاق مع سويسرا سوف يمنع الأميركيين من التهرب الضريبي. «سوف يذهبون إلى جزر القنال الإنجليزي أو إلى سنغافورة، ولكن لن يقترب أي مصرف سويسري منهم».

* ساهم في كتابة هذا التقرير ديفيد كوسينيفسكي من نيويورك