ندرة قطع الغيار.. معاناة يومية يعيشها السودانيون

احتياطات البنك المركزي 800 مليون دولار ولا تكفي لواردات شهر واحد

المصعد يتعطل في مجمع «عفراء» للتسوق الذي يعتبر أحدث أسواق الخرطوم بسبب عدم توفر قطع الغيار (رويترز)
TT

في مركز التسوق الوحيد بالسودان والذي يقع في العاصمة الخرطوم، يتعين على العملاء صعود السلالم من ساحة ركن السيارات إلى المحال التجارية لأن السلالم الكهربائية لا تعمل. ولا يعلم أحد متى ستعمل. وفي مدخل مركز «عفراء» التجاري الذي تأسس بأموال تركية، توضح لافتة أن السلالم الكهربائية خارج الخدمة وأن المركز يحاول إيجاد قطع الغيار وهي غير متوفرة بالسوق المحلية.

وفي قاعة المغادرة الدولية بمطار الخرطوم الدولي الذي لا يبعد كثيرا هناك اثنتان من شبكة السلالم الكهربائية خارج الخدمة أيضا، وذلك حسب تقرير بثته «رويترز».

ويجد السودان صعوبات جمة في استيراد التكنولوجيا وقطع الغيار من الخارج بعد ما قاطعته معظم الشركات الغربية بسبب الحظر التجاري الأميركي المفروض عليه منذ 15 عاما تقريبا بسبب اتهامات بإيواء الحكومة إرهابيين. بيد أن الوضع ازداد سوءا منذ فقد السودان ثلاثة أرباع إنتاجه من النفط بعد استقلال الجنوب في يوليو (تموز) الماضي بموجب اتفاق سلام. وكان شمال السودان وجنوبه انغمسا في حرب أهلية في السابق. ويكافح بنك السودان المركزي لتدبير مصادر أخرى للدخل والعملة الصعبة ويسعى لوقف تهاوي قيمة الجنيه بالسوق السوداء حيث يتم تداوله بسعر أقل بنسبة 80 في المائة من سعره الرسمي أمام الدولار.

ويقول رجال أعمال محليون إن الحكومة قيدت استيراد قطع الغيار لكثير من الآلات والمعدات الأساسية خشية نفاد احتياطي النقد الأجنبي المطلوب لشراء المواد الغذائية الأساسية من الخارج.

ولا يتضح على وجه الدقة خطورة وضع الاحتياطي النقدي لأن «المركزي السوداني» لا ينشر بيانات الاحتياطات الأجنبية. وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أبلغ بدر الدين عباس نائب محافظ بنك السودان المركزي الصحافة المحلية أن السودان لديه احتياطات تكفي لتغطية ثلاثة أشهر من الواردات الأساسية. ولم يصدر أي تصريح منذ ذلك الحين. وفي عدد من البلاد يعتبر تهاوي غطاء الاستيراد إلى ثلاثة أشهر وقوفا على شفا الخطر.

وتشير بعض التقديرات إلى أن محنة السودان أعمق من هذا. فقال صندوق النقد الدولي العام الماضي إن إجمالي الاحتياطات الرسمية للبلاد بلغ 800 مليون دولار نهاية 2011، وهذا لا يكفي لتغطية واردات شهر واحد من السلع والخدمات. كما أن إجراءات الحكومة تشي بخطورة الوضع.

وقال عمال بعدد من مراكز خدمة السيارات إنهم نظموا إضرابا لعدة أيام خلال الشهر الحالي بعدما طالبتهم الحكومة بوقف استيراد قطع الغيار المستعملة.

وقال محمد الطيب الذي يدير مركز خدمة بالخرطوم يعج بالمحركات المستعملة وعلب التروس وأبواب السيارات اليابانية والكورية والأوروبية: «الأسعار ارتفعت 30 في المائة منذ هذا الوقت. هذه مشكلة كبيرة للعملاء والتجار».

وأضاف: «هذا المحرك المستعمل لسيارة (ميتسوبيشي) يتكلف الآن 15 ألف جنيه (نحو 3200 دولار) في السوق السوداء. قبل الحظر كان سعره 12 ألفا. العملاء يأتون إلينا الآن ليسألوا عن الأسعار، ثم ينصرفون فورا». وذكر عدد من أصحاب مراكز الخدمة بالمنطقة أنهم شكلوا لجنة للاعتراض على قيود الحكومة على الاستيراد. وقال محمد عثمان «إذا طبقوا الحظر فعليا فسنعارضه ونأخذ إجراء قانونيا». وخارج الورشة صرخ عميل غاضب في وجه تجار اعتراضا على سعر علبة تروس مستعملة لسيارته. واشتكى العميل قائلا: «منذ ستة أيام وأنا أبحث ولم أجد سوى نسخة صينية من علبة التروس».

ويقول تجار إن الوضع قد يزداد سوءا. ويستخدم قطاع كبير من سوق السيارات السودانية القطع المستعملة فقط لأن شريحة صغيرة من الشعب تستطيع تحمل تكاليف القطع الجديدة. ويتكلف محرك «ميتسوبيشي» الجديد 45 ألف جنيه على الأقل في مركز «الطيب». وحتى السيارات التابعة للجهات الحكومية والجيش تذهب إلى مراكز الخدمة من أجل قطع غيار مستعملة. وتصر الحكومة على أنها ستتجاوز الأزمة الاقتصادية عبر زيادة صادرات الذهب والزراعة بوصفها بديلا عن النفط. وتجاهل إسحاق آدم جماع وزير الدولة لشؤون النفط خسائر تقدر بخمسة مليارات دولار من إيرادات النفط السنوية بعد أن فقدت الخرطوم حقول النفط مع انفصال الجنوب، قائلا: «الوضع تحت السيطرة». وذكر الوزير أن السودان حصل على 500 مليون دولار من صادرات الذهب منذ مطلع العام الحالي ويتوقع أن تبلغ صادرات الماشية معدلات قياسية في عام 2012. وأضاف قائلا: «لقد دخلنا تجارة النفط قبل عشرة أعوام فقط ولذلك لدينا نظام ضريبي خاص بنا ولدينا نظام للمنتجات الزراعية ونظام للماشية».

ويرى محللون أن ما يعمق الأزمة الاقتصادية هو انخفاض الإنتاجية نتيجة سوء التخطيط والفساد. ورغم احتواء السودان على كثير من الأراضي الصالحة للزراعة، فإنه يحتاج إلى استيراد مواد غذائية أساسية كالسكر وعصائر الفواكه.

ونظرا لوجود ميناء بحري كبير واحد يقع في مدينة بور سودان على بعد 1100 كيلومتر (700 ميل) تقريبا شرقي الخرطوم، ترتفع تكلفة الواردات. ويجري نقل البضائع المستوردة بواسطة شاحنات في رحلة تستمر أياما في البلد مترامي الأطراف. وتشير التوقعات إلى أن نظام النقل في السودان سيعاني المزيد من التباطؤ بسبب عدم توفر قطع الغيار. وبسبب الحظر الأميركي لا تبيع شركتا «إيرباص» و«بوينغ» منتجاتها للسودان، مما يجعل الناقلة الحكومية، الخطوط الجوية السودانية، وشركات محلية أخرى تكابد للحصول على قطع غيار. وتعيش الخطوط السودانية، وهي واحدة من أعرق الشركات الأفريقية وتأسست أثناء الحكم الاستعماري البريطاني قبل خمسة عقود تقريبا، على ست طائرات متقادمة من طراز «إيرباص» و«فوكر» تقريبا تم تشغيل معظمها في 1996.

وقال العبيد فضل المولى المدير العام للخطوط الجوية السودانية في مقابلة صحافية مؤخرا: «العقوبات جحيم في كل شيء.. في الصيانة وفي قطاع الغيار». وأضاف: «دائما هناك مشكلات. أنا أحصل عليها (قطاع الغيار) من الأصدقاء والمعارف». و«حتى الزهور أصبحت صعبة المنال». ويقول عاملون في ثلاثة متاجر لبيع الزهور في الخرطوم إن الحصول على زهور مستوردة جديدة أصبح شبه مستحيل بعدما قيد البنك المركزي منح خطابات الاعتماد للمستوردين. وقال موظف بمتجر خاو لبيع الزهور: «لا نستطيع الآن استيراد الزهور».