نائب رئيس «جنرال إلكتريك»: مجريات الربيع العربي كشفت ضرورة إيجاد حلول فعلية للمشكلات الاقتصادية

جون رايس أكد لـ «الشرق الأوسط» أن السعودية تعتبر من أهم الأسواق الاستراتيجية في العالم نتيجة الرؤى الحكومية

جانب من منتجات «جنرال إليكتريك (أ.ب) وفي الإطار جون رايس (تصوير: إقبال حسين)
TT

يعتقد جون رايس نائب رئيس مجموعة جنرال إلكتريك ورئيس العمليات الدولية أن مجريات الربيع العربي كشفت ضرورة إيجاد حلول فعلية للعديد من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية الحيوية، بما في ذلك تطوير البنى التحتية، أي توفير المياه النظيفة والطاقة الكهربائية وخدمات الرعاية الصحية المتكاملة التي تضمن مستوى معيشة مناسبا لجميع الناس، وهو الأمر الذي يولد فرصا لـ«جنرال إلكتريك» للمساهمة في ذلك، لكونها تدخل في صناعات يمكن أن تحسّن مشاريع البنى التحتية، مشيرا إلى أن فرص النمو لا تقتصر على ما يسمى الأسواق الناشئة أو النامية، فحتى في الولايات المتحدة الأميركية، هنالك أعداد كبيرة من الناس الذين لا يحصلون على خدمات رعاية صحية مناسبة، وعلينا أن نساعدهم أيضا.

وكشف رايس الذي كان يتحدث في حوار مع «الشرق الأوسط» على هامش زيارة سريعة قام بها إلى السعودية، أن المملكة هي بحق من أهم الأسواق الاستراتيجية بالنسبة لشركة جنرال إلكتريك ليس فقط على مستوى المنطقة، بل وفي العالم ككل، حيث إن وضع المملكة أكثر من جيد، من خلال استثمار الحكومة في قطاعات التعليم والبنية التحتية، وهو ما يمكن أن تساهم فيه «جنرال إلكتريك» بدور إيجابي.

*ما أسباب زيارتكم للسعودية؟

- «جنرال إلكتريك» لديها الكثير من المشاريع في المملكة، ونشاطاتنا مستمرة دون انقطاع في هذه السوق الحيوية، وذلك في مختلف المجالات، والتي تتنوع بين المياه وتوليد الطاقة والنفط والغاز والرعاية الصحية والطيران، ومن أهم الأسباب التي تدفعني إلى الحضور إلى المملكة حضوري اجتماعات المجلس الاستشاري لجامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الظهران، إلا أنني حريص في الوقت ذاته على زيارة مدينة الرياض خلال جميع رحلاتي.

*توجد «جنرال إلكتريك» في المملكة منذ عقود، كيف ترى وجودكم في السوق السعودية؟

- نحن موجودون بالمملكة بالفعل منذ ما يقارب الثمانية عقود من الزمن، وتجمعنا بها روابط قوية تستند إلى شراكات بناءة وطويلة الأمد، نحن فخورون للغاية أنه وعلى الرغم من كل المتغيرات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط، فقد نجحنا في المحافظة على علاقات راسخة ومتينة كنا خلالها شريكا فعالا في دعم العمليات التنموية في المملكة، ويتيح لنا عملنا مع الحكومة والوزارات إدراك الأولويات بشكل أكثر عمقا، فلكي نكون شريكا استراتيجيا للمستقبل، علينا التعاون مع الشركات السعودية والمؤسسات الحكومية لتطوير الإمكانات والمهارات المحلية وتوفير فرص عمل أكثر للمواطنين السعوديين، وهو ما نعمل عليه في المرحلة الراهنة، ونسعى إلى تطويره أكثر وأكثر في المستقبل.

*كيف تقيمون وضع السوق السعودية في المرحلة الراهنة؟

- الوضع أكثر من جيد، فالحكومة تستثمر في قطاعات التعليم والبنية التحتية، وهو ما يمكننا أن نساهم فيه بدور إيجابي، نحن نقدر للغاية الجهود الكبيرة لحكومة خادم الحرمين الشريفين، والدور المتنامي لشركات مثل «جنرال إلكتريك» في التعاون مع الوزارات المختصة بمختلف القطاعات الاقتصادية يهدف لتفعيل دور القطاع الخاص في السوق.

*هل ناقشتم أي مشاريع جديدة مع الحكومة السعودية؟

- لقد ناقشنا بالفعل العديد من المشاريع مع الوزارات، ولدينا دائما خطط لمبادرات ومشاريع جديدة.

*ما أهم المشاريع التي تضطلع شركة جنرال إلكتريك بتنفيذها في السعودية حاليا؟

- وزارة الدفاع السعودية أعلنت مؤخرا عن صفقة ضخمة تقدر قيمتها بمليارات الدولارات لشراء طائرات جديدة، وتتضمن تلك الصفقة عددا كبيرا من المحركات التي تنتجها شركة جنرال إلكتريك، مما يتطلب منا بذل كل جهد ممكن لتطوير إمكاناتنا على المستوى المحلي لضمان تشغيل هذه المحركات بأفضل صورة ممكنة، ومن المعروف أننا نتعاون باستمرار مع شركة الكهرباء السعودية بهدف تلبية الطلب المتنامي على موارد الطاقة الكهربائية في كافة أنحاء المملكة. أما على صعيد قطاع الرعاية الصحية، فنحن ماضون قدما في العمل مع وزارة الصحة لتطوير إمكانات المستشفيات والعيادات مع التركيز بصورة خاصة على الرعاية الصحية للسيدات، وتعزيز الخبرات الإدارية والقيادية في المستشفيات، لكونها الخطوة الأولى نحو بناء نظام رعاية صحية أفضل وأكثر تكاملا، إن هدفنا، إذن، ليس منصبا نحو بيع المعدات، بل ونرغب في أن نكون شريكا فاعلا في التطوير، لترتفع نسبة استخدام معداتنا من 40–50 في المائة مثلا، إلى 80 أو حتى 90 في المائة.

*هل تخططون لإطلاق مشاريع جديدة في قطاع توليد الطاقة؟

- تجمعنا بالشركة السعودية للكهرباء علاقة استثنائية، ونناقش باستمرار خططهم التوسعية الطموحة، ومشاريعهم الحالية والمستقبلية على حد سواء، وإمكانية تزويدهم بأفضل خدماتنا ومنتجاتنا. ولدينا اليوم حصة الأغلبية من حيث حجم المساهمة في توليد الطاقة الكهربائية في المملكة، ونعمل من منطلق التزامنا بسير العمليات التشغيلية وفقا لأفضل معايير التميز في الأداء والكفاءة التشغيلية، ليحصل المواطنون السعوديون على موارد الطاقة الكهربائية بما يلبي كافة احتياجاتهم على مختلف المستويات. يمكنني القول بأن السعودية هي بحق من أهم الأسواق الاستراتيجية بالنسبة لشركة جنرال إلكتريك ليس فقط على مستوى المنطقة، بل وفي العالم ككل. ولا شك أن الحكومة تتوقع منا تحقيق الكثير، ويشرفنا أن نعمل دائما لنكون عند حسن ظنهم.

*بالنظر إلى خبرتكم الكبيرة في قطاع الطاقة، كيف تنظرون إلى المتغيرات التي شهدها القطاع على مر السنين في الشرق الأوسط، ولا سيما في السعودية؟

- لقد كان الوضع مختلفا قبل 10 أو 15 عاما، فهناك اهتمام متنامٍ بمصادر الوقود البديلة، ويدور الحديث باستمرار عن كيفية توظيف الطاقة المتجددة والطاقة النووية والشمسية وغيرها في أنظمة توليد الطاقة، إذ أدرك الكثيرون أهمية وجود محفظة متنوعة من الخيارات، في ظل عدم القدرة على وضع توقعات مستقبلية دقيقة حول أسعار الغاز في السنوات المقبلة، ومن جهة أخرى، أدت التطورات التقنية في مجال توربينات الرياح على سبيل المثال إلى تطوير أنظمة أكبر وأكثر كفاءة، مما ساهم بدور هام في خفض تكاليف توليد الطاقة. وإذا ما كانت هذه المقاربة قد طرحت قبل 10 سنين لكان الرد ليكون بأنها مكلفة جدا، لكن الوضع تغير، ليس فقط في المملكة بل وفي دول الخليج أيضا. وأعتقد أن القيادة السعودية قد أدركت ضرورة أخذ كافة مصادر الطاقة بعين الاعتبار، وهو ما أدى إلى الاضطلاع باستثمارات هامة في هذا المجال، سيكون البعض منها موجها نحو مكاملة موارد الطاقة البديلة مع التقليدية منها.

*أعلنت المملكة العربية السعودية عن خطط لاستثمار 100 مليار دولار في 16 محطة للطاقة النووية، ما الدور الذي يمكنكم أن تلعبوه في هذا المجال؟

- لدينا وحدة أعمال متخصصة بالطاقة النووية، نحرص على دعمها باستمرار. ونراقب سير العمل في المشاريع التي يجري تنفيذها حول العالم بحذر، وإذا ما اتخذ قرار باستخدام تقنية مفاعلات المياه المغلية، فسيسرنا النظر بشأن المضي قدما في هذا المجال. ونحن على تواصل مع الهيئات المعنية في المملكة، وبما أننا ما زلنا في مرحلة النقاش، فلا أعتقد أنني أستطيع أن أضيف أكثر مما قلت. لكننا في الوقت ذاته حريصون على المساهمة بدور حيوي في القطاع لكوننا نعمل على تزويد طيف واسع من تقنيات توليد الطاقة تتنوع بين مصادر الطاقة 300 كيلوواط إلى المفاعلات النووية بطاقة 1.5 غيغاواط إلى جانب حلول طاقة الرياح والطاقة الشمسية والحرارية وسواها، مما يعزز مكانتنا على مستوى القطاع في العالم ككل.

*ما السبل التي تعتمدها «جنرال إلكتريك» في تدريب المواطنين السعوديين الشباب؟

- لدينا ما يقارب 1000 موظف في السعودية، وهو رقم شهد نموا ملحوظا خلال السنوات القليلة الماضية، ونتوقع أن يتضاعف العدد في السنوات المقبلة. ولا يقتصر اهتمامنا على توسعة نطاق استثمارنا في مركز جنرال إلكتريك للصناعة وتكنولوجيا الطاقة في الدمام، بل ويشمل أيضا وادي الظهران التكنولوجي، كما نعمل على تعزيز تعاوننا مع جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بهدف تطوير الإمكانات والخبرات المحلية، مما يتيح لنا ولغيرنا من الشركات تعزيز مبادرات التوطين بما ينسجم مع التطلعات والتوجهات الحكومية الحالية.

*ما التحديات التي تواجه «جنرال إلكتريك» على صعيد مبادرات التوطين؟ وكيف تتعاملون مع هذه التحديات؟

- لا شك أن نجاح مبادرات التوطين مرتبط بشكل رئيسي بتطوير التعليم، إذ يجب أن يكون التركيز موجها نحو تعزيز خبرات وإمكانات فرق العمل عبر البرامج التدريبية التي تغطي كافة المجالات، بما في ذلك تشغيل الآليات في المصانع أو العمليات الهندسية أو الإدارية، وما إلى ذلك. يجب علينا، إذن، مقاربة هذا الموضوع من زوايا متعددة، وتقييم دور المدارس الثانوية، على سبيل المثال، في إعداد طلاب مؤهلين للدخول إلى جامعة الملك فهد للبترول والمعادن؟ وكيف يمكن للجامعة تدريب وتطوير هؤلاء الطلاب وإعدادهم ليكونوا قادرين على العمل لدى شركات عالمية مثل «جنرال إلكتريك»، براحة تامة، نظرا لكون هذه الشركات قادرة على توفير البرامج التدريبية الملائمة لهم، ليعملوا داخل المملكة ضمن منشآتنا المتعددة، أو في دول أخرى. يحب أن تكون الخيارات المتوفرة للطلاب أكثر تنوعا، مما يزيد من أهمية مدهم بالمناهج التعليمية المتطورة التي تسمح لهم باختيار الحياة المهنية التي تناسبهم.

*في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية كيف يمكن لشركة جنرال إلكتريك المحافظة على وضعها؟

- نسعى إلى تجديد أنفسنا باستمرار، ونتطلع دائما إلى تحدي المألوف والانطلاق نحو ابتكارات أكثر تميزا. وفي الوقت ذاته، نحرص على أن نكون مؤسسة يتعلم منها الكثيرون، وهو ما يتجلى في التزامنا بمد جميع موظفينا بأفضل البرامج التدريبية التي تشجعهم على تطوير ذواتهم وتعميق معارفهم. إن الركيزة الأساسية لنجاح «جنرال إلكتريك» هي ثقافتها المؤسسية التي تعتمد هذه المبادئ على كافة المستويات.

*كيف تنظرون إلى المشهد الاقتصادي في العالم اليوم؟

- هناك ركود في بعض المناطق، وإمكانات هائلة للنمو في مناطق أخرى. وليس بخفي أن أوروبا تعاني من مشكلات حقيقية في المرحلة الراهنة، إلا أننا على ثقة بأنها ستتجاوزها بنجاح، حتى ولو استمرت هذه الأزمة لبضع سنوات أخرى، فهذه الدول مرت بمراحل صعبة على مر التاريخ، ونجحت في تخطي العقبات مرة تلو المرة. وبما أن «جنرال إلكتريك» موجودة منذ أكثر من 130 عاما، فإننا كمؤسسة قادرون على التعامل مع مختلف الأوضاع الاقتصادية.

*تشهد السعودية إطلاق العديد من المشاريع في قطاع البتروكيماويات والتنقيب وإنتاج الألمنيوم. ما الدور الذي تلعبه «جنرال إلكتريك» في هذه القطاعات؟

- تعتبر قطاعات التنقيب والنفط والغاز من أهم القطاعات الحيوية بالنسبة لنا، فعمليات المعالجة المرتبطة بها حيوية بالنسبة لأنشطتنا في مجال توليد الطاقة، إذ تحتاج مصاهر الألمنيوم إلى طاقة كبيرة، وهنا يكمن دورنا، إذ تعمل «جنرال إلكتريك» على تطوير مجموعة متكاملة من الحلول التقنية التي يحتاجها العديد من الشركات. نحن لا نعمل في مجال التنقيب، على سبيل المثال، لكننا نزود التقنيات والمعدات التي تدعم أداءهم على مستويات عديدة.

*ما أبرز مجالات النمو بالنسبة لشركة «جنرال إلكتريك»؟

- لدينا مؤهلات قوية للنمو في كافة أنحاء العالم. لقد كشفت مجريات الربيع العربي ضرورة إيجاد حلول فعلية للعديد من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية الحيوية، بما في ذلك تطوير البنى التحتية، أي توفير المياه النظيفة والطاقة الكهربائية وخدمات الرعاية الصحية المتكاملة التي تضمن مستوى معيشة مناسب لجميع الناس. خلاصة القول، هناك ما يزيد على المليار ونصف المليار شخص ممن سيستفيدون من مشاريع البنى التحتية المتطورة، وحكومات العالم تتفهم ذلك، وتتطلع إلى المضي قدما في هذه الطريق. ولا تقتصر فرص النمو على ما يسمى الأسواق الناشئة أو النامية، فحتى في الولايات المتحدة الأميركية، هنالك أعداد كبيرة من الناس الذين لا يحصلون على خدمات رعاية صحية مناسبة، وعلينا أن نساعدهم أيضا.

*ما الفرص التي توفرها الشركة للموظفين؟

- يتيح العمل في «جنرال إلكتريك» للموظفين فرصة التعاون مع ألمع العقول واكتساب معارف وخبرات جديدة كل يوم، في شركة تسعى باستمرار نحو تحقيق الأفضل، وتوفر لهم إمكانية المضي قدما في حياة مهنية مثمرة وواعدة. فنحن لا نعمل على ترقية الموظفين استنادا إلى مناصبهم، بل وفقا لما يبذلونه من جهد وما يحققونه من إنجازات. وبالإضافة إلى ذلك، تقدم «جنرال إلكتريك» فرصا استثنائية لموظفيها لتحقيق نجاحات كبيرة في المملكة والعالم ككل. ويعمل لدى الشركة حاليا العديد من الشخصيات السعودية المميزة التي يجب على الشباب الاقتداء بها، ومثال ذلك وليد أبو خالد، الرئيس والمدير التنفيذي لـ«جنرال إلكتريك» في المملكة العربية السعودية. وفي الإطار ذاته، يهمنا أن نوسع قاعدة موظفينا من المواطنات السعوديات في المرحلة المقبلة.

*هل ترغب في إضافة شيء في نهاية الحوار؟

- يسرني دائما أن أوجد في السعودية، التي أثبتت بفضل قيادتها حضورا استثنائيا على الساحة العالمية، يشهد على ذك ما تحققه من إنجازات سبَّاقة، الأمر الذي يحفزنا على بذل كل جهد ممكن لترسيخ مكانة «جنرال إلكتريك» كشريك استراتيجي داعم لعمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية الطموحة التي تضطلع بها السعودية في هذه المرحلة. علينا باستمرار أن نتطلع نحو الأفضل، وأن نكون مستعدين للمستقبل، والابتكار هو طريقنا تجاه تحقيق الأهداف المنشودة.