تشاؤم بخصوص مستقبل الاتحاد الأوروبي في منتدى دولي حول التنمية بالصين

تجدد النقاش في البرلمان الأوروبي حول ضريبة المعاملات المالية وإشادة بجهود إيطاليا لخفض العجز

مخاوف حول مستقبل الاتحاد الأوروبي («الشرق الأوسط»)
TT

أبدى عدد من الخبراء الاقتصاديين في منتدى دولي حول التنمية، استضافته الصين، تشاؤمهم بخصوص مستقبل الاتحاد الأوروبي، على الرغم من التصديق مؤخرا على حزمة الإنقاذ الثانية لليونان. وقال المدير التنفيذي لمجموعة مصارف إتش إس بي سي، ستيوارت جوليفيه: «إن خطر تأثير التراجع الاقتصادي على أسلوب الحياة في دول مثل اليونان وإسبانيا والبرتغال وإيطاليا أمر قائم». وأعرب جوليفيه عن أسفه إزاء الأوضاع الاقتصادية في هذه الدول وما تواجهه بسبب الإجراءات التقشفية التي أجبرت على تبنيها.

من جانبه، قال البرلمان الأوروبي ببروكسل: إن لجنة الشؤون الاقتصادية والنقدية في المؤسسة التشريعية الأعلى في الاتحاد الأوروبي ستعود من جديد لمناقشة ملف فرض ضريبة على المعاملات المالية.

وفي مدريد دعا أكبر اتحادين نقابيين في إسبانيا لإضراب عام يوم 29 من الشهر الحالي، متهمين الحكومة المحافظة لرئيس الوزراء، ماريانو راخوي، بمحاولة «تدمير الحقوق الاجتماعية».. الدعوة للإضراب جاءت عقب موافقة البرلمان الإسباني، قبل أكثر من أسبوع، على إصلاح سوق العمل، الذي من شأنه أن يجعل فصل العاملين أقل تكلفة على الشركات.

وفي روما، أبرز رئيس المفوضية الأوروبية، خوسيه مانويل باروسو، الإصلاحات التي تقوم بها إيطاليا لخفض الدين العام واستعادة ثقة المستثمرين والأسواق. وأعرب عن ثقته في أن السياسات الصحيحة قادرة على حل مشاكل إيطاليا.

وفي شأن متصل، اجتمعت مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد مع عدد من المسؤولين الصينيين لبحث عدة ملفات دولية ومنها أزمة منطقة اليورو. من جهته، قال البرلمان الأوروبي ببروكسل: إن لجنة الشؤون الاقتصادية والنقدية في المؤسسة التشريعية الأعلى في الاتحاد الأوروبي ستعود من جديد لمناقشة ملف فرض ضريبة على المعاملات المالية، وبحضور عدد من أعضاء الجهاز التنفيذي للاتحاد وذلك يوم الأربعاء المقبل، على أن تجرى يوم الخميس مناقشات بين البرلمان الأوروبي والبرلمانات الوطنية، وممثلي الحكومات، والمفوضية الأوروبية، حول مستقبل التمويل والسياسات المستقبلية للفترة من 2010 إلى 2014، مع التركيز على الإنفاق والموارد الذاتية. وكان ملف ضريبة على المعاملات المالية حاضرا في مناقشات مجلس وزراء المال والاقتصاد في دول الاتحاد الأوروبي الأخير ببروكسل، وقد ناقش الوزراء ملف فرض ضريبة على مستوى الاتحاد الأوروبي على المعاملات المالية، ويبدو أن معظم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تميل إلى هذا الاقتراح، إلا أن بعضهم ما زال مترددا. من ناحيته، ذكر مفوض الاتحاد الأوروبي المسؤول عن الضرائب والاتحاد الجمركي ألجيرداس سيميتا: «في هذه المرحلة من النقاش، لست مندهشا من أن بعض الدول الأعضاء تواصل البحث عن توضيح وإعادة تأكيد جزء من اقتراحنا». على صعيد متصل، اتفق وزراء مالية منطقة اليورو على مناقشة العجز المالي الإسباني، الذي من المتوقع أن يسجل 8.‏5% من الناتج المحلي الإجمالي خلال عام 2012، أي أعلى بكثير من النسبة المستهدفة 4.‏4%، وأبرز رئيس الحكومة الإسبانية، ماريانو راخوي، دعم المؤسسات الأوروبية لمقترحه الجديد الخاص بخفض عجز الموازنة في البلاد لتزيد على سقف الـ4.4% التي تم تحديدها سابقا.

وأظهرت بيانات رسمية ارتفاع إجمالي ديون الهيئات العامة الإسبانية إلى 9.‏734 مليار يورو في عام 2011، ما يمثل 5.‏68% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، محققة مستويات تاريخية غير مسبوقة. وقال البنك الإسباني المركزي في بيان: إن ذلك يمثل تجاوزا للعام الثاني على التوالي للنسبة القصوى التي حددتها معاهدة ماستريخت التي تنص على ألا تزيد نسبة ديون أي دولة من دول الاتحاد الأوروبي على 60% من إجمالي ناتجها المحلي.

وأضاف أن ديون الهيئات العامة المؤلفة من ديون الحكومة المركزية وديون الأقاليم المستقلة والحكومات المحلية حققت ارتفاعا قدره 2.‏14% خلال العام الماضي، مقارنة بعام 2010 عندما بلغ إجمالي الديون 1.‏60% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. وأوضح أن ديون الحكومة المركزية بلغت 5.‏559 مليار يورو محققة ارتفاعا قدره 6.‏14% مقارنة بعام 2010 بينما بلغت ديون الحكومات المستقلة 140 مليار يورو، محققة ارتفاعا قدره 3.‏17% مقارنة بعام 2010، أي ما يعادل 1.‏13% من الناتج المحلي وأعلى نسبة مسجلة منذ عام 1995، في الوقت الذي بلغت فيه ديون الحكومات المحلية 35 مليار يورو.

كان رئيس الوزراء الإسباني، ماريانو راخوي، قد أعلن، مطلع الشهر الحالي، أن حكومته ستعمل على خفض العجز في الموازنة العامة لعام 2012 إلى 8.‏5% من الناتج المحلي الإجمالي، بدلا من 4.‏4% المقررة في وقت سابق، وذلك بعد أن كان قد بلغ 5.‏8% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد عام 2011.

يُذكر أن إسبانيا كانت قد اتخذت، خلال الفترة الماضية، عددا من الإجراءات والقرارات التقشفية الهادفة إلى تقليص النفقات في الهيئات العامة وخفض العجز في الميزانية العامة للبلاد.

وفي روما، في مؤتمر صحافي مشترك لباروسو مع رئيس الوزراء الإيطالي ماريو مونتي، أقيم برعاية «كونفيندوستريا»، كبرى المجموعات الصناعية في البلاد، تحت عنوان «غير إيطاليا»، قال باروسو: «إيطاليا بدأت عملية إصلاح شاملة ومهمة، وهو مشروع طموح يرمي إلى الحد من الإنفاق العام وإصلاح الهيكل المالي واستعادة ثقة السوق والمستثمرين».

من جانبه، أوضح مونتي أنه تم التطرق خلال اجتماعه مع باروسو إلى التطور والتقدم اللذين طرآ على السياسة الاقتصادية لحكومته مثلما حدث أثناء اجتماعه مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الثلاثاء الماضي. وشدد مونتي على أنه اتفق في الرأي مع باروسو على «أهمية الاتصالات الثنائية بين الدول لتعزيز وليس إضعاف دول الاتحاد»، وبالمثل، أشار مونتي إلى أن الاجتماع شهد إبداء اهتمام خاص لاعتماد إيطاليا تحرير قطاعات مختلفة من الاقتصاد للمساعدة على نموها، وبالمثل تم التطرق إلى قرب نهاية المفاوضات حول إصلاح سوق العمل المزمعة الأسبوع المقبل.

من جانبها، اعتبرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أنه لا توجد مخاطر مالية على بلادها نتيجة أزمة الديون في منطقة اليورو، الجاري حلها، على حد قولها. وأكدت ميركل، في رسالة مسجلة تبثها كل سبت، ونشرتها المستشارية الألمانية على الإنترنت أمس: «أعتقد أن جميع منطقة اليورو على الطريق السليم الآن، وأن كل الدول تقوم بواجباتها». وشددت المستشارة الألمانية على «حسن استثمار» ضمانات بلادها لحل المشكلة، وحمايتها لمنطقة اليورو، على الرغم من إشارتها إلى ضرورة «وفاء جميع الدول بالتزاماتها». وكشفت وسائل إعلام ألمانية عن أن الحكومة الفيدرالية ستقوم في عام 2013 بتخفيض الدين الجديد بنسبة كبيرة، وأشارت إلى أن مستوى البطالة المنخفض سيكون ضروريا فقط لتوقيع قروض بقيمة 19.6 مليار يورو، أقل مما تم تقديره من قبل بنحو 5 مليارات يورو، كما أعربت ميركل عن ثقتها في تقليل الدين الجديد لألمانيا حتى إلغائه، وزيادة الإنفاق في مجال التعليم والبحث، في الوقت نفسه، فضلا عن المساعدات المخصصة للتنمية في دول العالم الثالث.

جدير بالذكر أن رسالة ميركل مرتبطة بالاجتماع الذي سيعقده مجلس الوزراء الأربعاء المقبل، والذي سيبحث مسودة ميزانية عام 2013 والخطة المالية الخاصة بألمانيا حتى عام 2016.

في شأن متصل، أبدى عدد من الخبراء في منتدى التنمية بالصين، الذي ضم عددا من قيادات أصحاب الشركات الدولية والمديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستين لاغارد، تشاؤمهم بخصوص مستقبل الاتحاد الأوروبي، على الرغم من التصديق مؤخرا على حزمة الإنقاذ الثانية لليونان. وقال المدير التنفيذي لمجموعة مصارف إتش إس بي سي ستيوارت جوليفيه إن «خطر تأثير التراجع الاقتصادي على أسلوب الحياة في دول مثل اليونان وإسبانيا والبرتغال وإيطاليا أمر قائم». وأعرب جوليفيه عن أسفه إزاء الأوضاع الاقتصادية في هذه الدول وما تواجهه بسبب الإجراءات التقشفية التي أجبرت على تبنيها. وصرح المسؤول: «هذه الأمور تؤدي إلى نمو أقل مما ينتج عنه تضاؤل الأرباح المالية وزيادة العجز، وبالتالي المزيد من الإجراءات التقشفية».

وأوضح الخبير أنه على الرغم من أن الخطر الفوري للأزمة المالية قد اختفى بحزمة الإنقاذ اليونانية الثانية، فإن تحديات الاتحاد الأوروبي، المتمثلة في النمو وعجز الموازنة والاتحاد الضريبي في المستقبل لا تزال قائمة. من ناحيته، قال عضو الأكاديمية الصينية للعلوم، يو يونجدينغ: إن قروض البنك المركزي الأوروبي ستعمل على حل المشكلات الطارئة فقط، لكنه شدد، في الوقت نفسه، على ضرورة تدعيم الاتحاد المالي بين الدول لكي يصبح لدى الهيكل الاقتصادي للاتحاد الأوروبي قدرة على الاستمرار فترة أكبر. وتوقع الخبير أن يتم اللجوء مستقبلا لخفض قيمة اليورو لحل المشكلات الائتمانية، وأن بلاده، التي تعتبر الجهة الرئيسية للإقراض بالنسبة للاتحاد الأوروبي، ستكون الأكثر تأثرا بالأمر. وأشار المسؤول إلى أنه كان يتوجب على الاتحاد الأوروبي اتخاذ الإجراءات التي قام بها الآن منذ نحو 20 عاما، وأنه يجب عليه أن «يعدل أوضاعه»، قبل انتظار أن تمد له بكين يد الصداقة.

من جانبها، طالبت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستين لاغارد، الصين بالبدء في التغيير الذي تعهدت بإجرائه في نموذجها الاقتصادي والكف عن الاعتماد على الصادرات والاستثمار الأجنبي بوصفهما محركين لنموها، وذلك لمساعدة العالم في الخروج من الأزمة. وأكدت لاغارد، في مداخلتها بمنتدى التنمية في الصين، الذي يضم رجال أعمال وساسة من جميع أنحاء العالم في بكين، أنه «يتعين على الصين الاستمرار في إبعاد نموها عن الصادرات والاستثمار، وتقريبه بشكل أكبر من الاستهلاك الداخلي، وبذلك ستقدم خدمة كبيرة لشعبها». كما أشارت مديرة صندوق النقد الدولي إلى أنه يجب على الصين مواصلة الحفاظ على نموها السريع، على الرغم من التوقعات التي تشير إلى تباطؤ الاقتصادات الصاعدة، مؤكدة أنه «لا بد من تحسين مستوى رخاء الأسر حتى يستمتع جميع المواطنين بنمو مستدام».

من جهة أخرى، أبرزت لاغارد الدور الكبير الذي ما زالت الصين تلعبه في المواجهة العالمية للأزمة المالية، وذكرت أنها كانت أول بلد في العالم يوافق على حزمة من الحوافز الحكومية لمواجهة آثار هذا الركود في عام 2009. وعن تطلع الصين المفترض لرئاسة البنك الدولي بعد انتهاء فترة عمل روبرت زوليك، أجابت لاغارد بأنه على الرغم من أنها لا تفضل الحديث في الشؤون الداخلية لمنظمات أخرى، لكنها تدعم المزيد من المشاركة من جانب دولة صاعدة في المؤسسة التي تديرها هي بنفسها.

جدير بالذكر أن نائب رئيس الوزراء الصيني لي كيكيانج، المرشح الأوفر حظا لرئاسة الحكومة الصينية في عام 2013، شارك في رئاسة المنتدى وأكد أنه على الرغم من أن زيادة الاستهلاك تعتبر أولوية بالنسبة للصين، ما زالت الصادرات مهمة بالنسبة لثاني أكبر قوة اقتصادية على المستوى العالمي.