تدهور الاقتصاد السوري أول مسمار في نعش نظام الأسد

بعد أن تراجعت متحصلات السياحة وارتفعت معدلات البطالة والتضخم

صراف يعد ليرات سورية (رويترز)
TT

وضع عام من الثورة السورية بصماته الثقيلة على الاقتصاد السوري، فرغم ما يتميز به الاقتصاد السوري من درجة عالية من الاكتفاء الذاتي والاستقلال النسبي، بالإضافة إلى الإجراءات الصارمة التي يتخذها النظام السوري لمواجهة الأزمة الاقتصادية التي تعاظمت بتلقيه بعض المساعدات المالية من حلفائه، فإن مؤشرات عدة توضح عمق الأزمة التي يتعرض لها النظام الاقتصادي السوري ككل، ومن أبرزها تراجع الناتج المحلي الإجمالي الذي شهد انكماشا بنسبة 3.4% خلال عام 2011، لكن الخلل الأعظم كان في تراجع حجم الصادرات السورية وبالتالي حجم العملات الأجنبية المحصلة لنظام الأسد الذي يواجه بضراوة الاحتجاجات الواسعة التي تضرب مختلف المدن السورية منذ مارس (آذار) 2011.

وأظهرت تسريبات من الداخل السوري أن إيران تمد نظام الأسد بمساعدات مالية وسلع مختلفة، كما تدعمه دول مثل فنزويلا وروسيا بالوقود، هذا إلى جانب استخدام سوريا وسطاء جددا لتمرير معاملاتها التجارية.

لكن تلك المؤشرات لم تنف مؤشرات تجمعت لدى عدد من خبراء الاقتصاد توضح عمق الأزمة التي يعاني منها الاقتصاد السوري ومن أبرزها تراجع الناتج المحلي الإجمالي الذي شهد انكماشا بنسبة 3.4% خلال عام 2011، بعدما بلغ معدل نموه 3.2% عام 2010. كذلك التراجع الحاد في قيمة العملة المحلية «الليرة» فكل دولار أصبح يساوي نحو 80 ليرة، بعد أن كان يتراوح في حدود 48 ليرة، ما جعل سعر الصرف يخرج عن السيطرة واضطر البنك المركزي السوري إلى تعويم العملة، وارتفعت نسبة التضخم لتصل إلى 6.6% بعدما كانت 4.4% عام 2010.

وفيما يتعلق بالتحصل على العملات الأجنبية، تراجعت الصادرات السورية للخارج من 14 مليار دولار في عام 2010 إلى 7.2 مليار في عام 2011. بالإضافة إلى توقف الاستثمارات الأوروبية والخليجية.

أما عن القطاع المصرفي فقد تراجعت الودائع في البنوك السورية بنسبة 30%، وأكد مصرفيون أن العملاء يتحولون إلى الدولار أو يهربون مدخراتهم إلى أسواق تتمتع بأمان نسبي مثل تركيا ولبنان والأردن.

وتواصل عمق الأزمة ليشمل الكثير من القطاعات الحيوية الأخرى، فقد تراجعت السياحة بنسبة 95% بعدما كانت توفر دخلا يقرب من 6 مليارات دولار سنويا، وهو ما وضع حياة قطاع كبير من السوريين المشتغلين في المهن المرتبطة بالسياحة على المحك.

وكان قطاع النفط في قلب الأزمة الاقتصادية، حيث يشهد قطاع النفط أزمة كبيرة، خاصة مع فرض العقوبات الدولية على النظام السوري، فالعقوبات أوقفت تصدير نحو 130 ألف برميل من النفط كانت تصدر يوميا إلى أوروبا مما حرم دمشق من نحو 15 مليون دولار يوميا، وبلغت الخسائر من سبتمبر (أيلول) إلى يناير (كانون الثاني) نحو ملياري دولار حسبما ذكر وزير النفط السوري.

ولم يكن القطاع الزراعي بمنأى عن الأزمة، فكثير من الاقتصاديين يتوقعون أنه سيتراجع بنسبة 3%، خاصة أن المناطق التي تشتد فيها الاحتجاجات تحوي مساحات زراعية شاسعة، خاصة في محافظات حمص وإدلب.

وهذا فضلا عن ارتفاع أسعار السلع الأساسية وتزايد معدلات البطالة، مما دفع الخبراء إلى القول بأن العقوبات الاقتصادية المفروضة تضر بالشعب السوري أكثر من ضررها بنظام الأسد الذي سيتابع تمويل أجهزته الأمنية مقتطعا من نفقاته على الخدمات والسلع الضرورية للمواطنين.

وكان من جملة الخسائر النوعية للاقتصاد السوري فقدان مؤشر بورصة دمشق 49% من قيمته السوقية في عام 2011 لأسباب تشمل تدني آفاق الاقتصاد السوري، وبالتالي مستقبل الشركات المدرجة في البورصة، ويرجع المحللون الانهيار الكبير الذي أصاب سوق المال السورية بالمقاطعة الاقتصادية الخليجية لسوريا.

ويرى محللون اقتصاديون أن الاقتصاد السوري سيواصل انهياره ويواجه أزمة على المدى القصير، خاصة أن عجز الموازنة العامة سيرتفع إلى 10.8% حتى عام 2016. وأن الدين الخارجي قد تصاعد ليبلغ 9 مليارات دولار.

النقطة الأهم أن ذلك التراجع الاقتصادي الحاد سيطرح سؤالا مؤلما لصانع القرار في القصر الرئاسي في دمشق عن قدرة صمود النظام في مواجهة الأزمة الاقتصادية، وهو ما يعتبره البعض أول مسمار في نعش نظام بشار الأسد.

* وحدة أبحاث «الشرق الأوسط»